خطوة الإمارات في إثيوبيا

خطوة الإمارات في إثيوبيا


21/06/2018

عدلي صادق

جاءت مبادرة الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي بزيارة إثيوبيا، في وقتها الصحيح. فثمة مشكلات أصبحت إثيوبيا طرفاً فيها، سواءً بخصوص حوض نهر النيل ومياهه، أو في داخل القرن الأفريقي، أو على صعيد الموقع الجغرافي المطل على اليمن. فتفكيك الأزمات ينبغي أن يكون بمنطق أسبابها لا بمنطق نتائجها. لذا سعت دولة الإمارات إلى ملامسة الأسباب والإسهام في حشد المُقاربات الصحيحة لحلها. وللأسف، لا يعرف العرب الكثير عن دواخل إثيوبيا، بينما الإثيوبيين يعرفون الكثير عن العرب، وهذا الذي جعل التوصل إلى حلول للمشكلات، ومن بينها أو أهمها مشكلة مياه النيل وجريانه من المنابع إلى المصب، أمراً عسيرا.

في ختام زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى إثيوبيا، تعهدت الإمارات بتقديم ثلاثة مليارات دولار كمساعدات واستثمارات، ما من شأنه أن يكون له تأثير كبير على نقص العملة الأجنبية في إثيوبيا.

وفي الحقيقة، تُعد هذه خطوة ذكية، لا سيما بمنطق الاستثمارات، لأنها لا تتعلق بالاستثمارات كعنوان شكلي لبلد فاقد القدرة على استيعاب التدفق الاستثماري، كما بلدان أفريقية أخرى، سواء لضعف البنية القابلة لضمان فاعلية الاستثمار، أو بسبب الفساد الذي يحوّل التدفق الاستثماري إلى أعطيات للمتنفذين أو الحاكمين.

فقد حققت إثيوبيا، بين عامي 2004 إلى 2007 أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم بنسبة 10 بالمئة وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. وكانت الأسرع نمواً من بين الاقتصادات الأفريقية ومن ضمنها تلك التي تعتمد على البترول، ما دعا صندوق البنك الدولي في العام 2015 إلى تصنيف إثيوبيا كبلد ذي اقتصاد سريع النمو، حين قفز نمو الدخل المحلي الإجمالي إلى ما يقارب 11 بالمئة في حساب نتائج السنة المالية في ذلك العـام. لكن هذا الاقتصاد واجه تحديا كبيرا لخطأ في الأولويات بعد أن تحققت له القاعدة الاستثمارية الكفؤة، إذ بادر إلى رفع الأجور بقفزات عالية، وكان ذلك سببا في بدء التضخم بعدئذ، حتى وصل في ختام السنة المالية 2012 إلى 22 بالمئة. ذلك علما بأن ذلك الاقتصاد الأسرع نموا، لم يرفع نصيب الفرد من الناتج المحلي، وظلت نسبة هذا النصيب، من بين أدنى معدلاتها في العالم، بسبب أن معظم الاستثمارات تركزت في البنية التحتية ومعها التوجه إلى بناء مجمعات للصناعات الخفيفة، حتى أصبحت إثيوبيا مركز هذه الصناعات على مستوى القارة.

لكن ثغرة خطيرة، تتعلق بالأراضي، فُتحت في هيكلية الاقتصاد الإثيوبي، بجريرة نص في الدستور، يجعل أراضي الدولة ملكا لها مع الإقرار بحق الشعب في استئجارها. ووفق هذا النص اندفع للاستئجار من يستطيعون دفع أجره، غير أن هؤلاء أيضا، وجدوا أنفسهم معرضين لاستعادة الدولة الأرض التي استأجروها، لزوم مشروعات البنية التحتية، ما أضعف الإنتاج الزراعي.

ومع ازدياد التضخم، عجزت الدولة عن بناء منظومة الري اللازمة التي تتحدى الجفاف، وظلت قوى العمل البشرية الزراعية، وهي 85 بالمئة من قوى العمل في إثيوبيا، التي يعتمد عليها اقتصاد البلاد، تتحصل على النصيب الضئيل من الإنتاج المحلي، بينما قوة قطاع الخدمات يحصل على النصيب الأكبر.

لذا ظل فردوس المياه الإثيوبي، غير مُستغل، ما يجعل موضوع سد “النهضة” إشكاليا بامتياز. فإثيوبيا فيها أربعة عشر نهرا متدفقا ينبع من مرتفعاتها وأحدهم من روافد نهر النيل، وفضلاً عن ذلك فيها أكبر مخزون مياه في القارة الأفريقية. بل إن إثيوبيا أنتجت 89 بالمئة مما لديها من الكهرباء، عبر العنفات (التوربينات) الكهرومائية، التي تنتج الطاقة النظيفة صديقة البيئة. وبقية النسبة من كهربائها، يجري إنتاجها بالوقود الأحفوري من الفحم الحجري، ما جعل أديس أبابا تصّدر الكهرباء للحصول على العملة الصعبة، بعد تغطية المناطق الحضرية و10 بالمئة من الريف. وعلى مستوى نهر النيل وحده، تحتجز إثيوبيا نحو 81 بالمئة من النهر، من خلال أحواض في النيل الأزرق ونهري سوباط وعطبرة.

ومنذ العام 1959 أي بعد اتفاقية النيل بين مصر والسودان، التي اتفق فيها البلدان على حقوق حصرية لهما في مياه النيل، استطاعت مصر، بالصداقة مع نظام حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي في إثيوبيا، وبقوة دورها السياسي في القارة؛ إحباط سعي أديس أبابا إلى التوسع في استخدام مياه نهر النيل!

ولأن حل المشكلات بمنطق أسبابها لا بمنطق نتائجها، فقد بادرت أبوظبي، إلى الذهاب إلى أصل المشكلة لوضع مقاربات حلها بمساعدة المعطيات الإيجابية الراهنة في بنية الاقتصاد الإثيوبي، وانطلاقا من فرضية تستند إلى هذه المعطيات، وهي أن أديس أبابا ليست في حاجة التوسع في إنتاج الطاقة الكهربائية، وبناء أضخم محطة كهرومائية في القارة، على حساب حصتي مصر والسودان من مياه النيل. فمجالات الاستثمار تتعدد، والحصول على النقد الأجنبي لتجاوز مشكلة الضخم، ليس بالضرورة من خلال بيع الكهرباء مع شُح جريان النهر وتعطيش مصر.

على هذا الصعيد، هبّت دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة التي أسسها زايد الخير، لكي تعبّد الطريق بإسهامها في تعديل وجهة الإثيوبيين، لكي تتوافر عناصر الحل المُرضي لمسألة سد “النهضة”. فالحلول يوفرها البذل، ولا يوفرها السجال.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية