"خلي بالك من زيزي".. كوميديا المرض النفسي دون افتعال

"خلي بالك من زيزي".. كوميديا المرض النفسي دون افتعال


10/05/2021

استطاع مسلسل "خلي بالك من زيزي" تحقيق مفارقة لافتة خلال الموسم الرمضاني، ففيما تتشابك العقد في المسلسلات وتُلوى عنق الأحداث أحياناً بهدف التشويق، وإضفاء العمق على العمل الدرامي وإن كان على نحو زائف، كان المسلسل الكوميدي الطابع، يعبر النفق بسلاسة محققاً أكبر قدر من المتعة والإفادة مقارنة بأعمال أخرى. 

وعلى الرغم من أنّ المسلسل، الذي يعرض في رمضان الجاري، يصنف ضمن الأعمال التي تعنى بالمرض النفسي وتقدمه، وهي قليلة عربياً؛ أي إنه يلعب منذ البداية بورق مميز، في منطقة نضرة خصبة، فإنه لم يتفلسف وانتهج البساطة عنواناً.

كل شخصية في المسلسل دون استثناء تحمل هموماً وعقداً ما، يتم الكشف عنها بالتدريج، فيفك المركزية حول شخصيات بعينها، ويجعل المشاهد يشعر كما لو أنه في جولة داخل مصحة نفسية هي الحياة الفعلية 

يخدع المسلسل المشاهد بذكاء، بداية من الاسم "خلي بالك من زيزي"، الذي لا يترك انطباعاً أنّ مشاهده سيرى عملاً يحمل أفكاراً أو توعية بمرض، نادراً ما يتم تناوله، وهو "ADHD"،  أو "اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه"، فيضمن منذ البداية الجمهور الذي يرغب في وجبة خفيفة أو في مسلسل يتابعه كفاصل ترفيهي، ثم يكسب جمهور الأعمال المعمقة مع تتابع حلقاته وتكشف فكرته. 

ربما قصد صناع العمل ذلك منذ البداية، بما أنّ الجمهور المستهدف الأساسي هم الآباء وتحديداً الأمهات اللاتي يتولين المسؤولية الأولى في تربية أبنائهن، ولم يكن أغلبهن قد سمع عن ذلك التشخيص الذي يولد به بعض الأطفال، ويصنف شعبياً على أنه "شقاوة عيال" أو "خيبة في المدرسة". 

 الفنانة أمينة خليل بشخصية "زيزي"

ويُعدّ اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من الأمراض المعترف بها، ويصنف على أنه "أحد اضطرابات النمو العصبية، يحدث في مرحلة الطفولة، ويستمر حتى مرحلة البلوغ ومرحلة الرشد بأشكال وأعراض مختلفة".

الخدعة الثانية التي ينصبها كاتب المسلسل، تتمثل في الكشف التدريجي عن أبعاد الشخصيات، فهو لا يضع مشاهده مباشرة أمام مريضة نفسية مشخصة فيدفعه إلى التعاطف معها، بل يجعل المشاهد في البداية يُستفز من زيزي، والتي تقوم بدورها الفنانة أمينة خليل، ويغضب من ضربها لزوجها الذي يؤدي دوره الفنان الشاب علي قاسم، ويعجب بالمحامي الذي يجسد دوره الفنان محمد ممدوح، خلال قيامه بعملية ترويض موكلته. 

وبذلك، وضع المسلسل مشاهديه أمام شخصيات حقيقية للغاية، عميقة دون افتعال، يحمل كل منها هموماً وعقداً داخلية لن تظهر واضحة من الوهلة الأولى، ولكن تحتاج إلى نبش ورغبة في تجاوز عقدها. 

ولم يتوقف ذلك على الشخصيات الرئيسية في العمل، فكلّ شخصية في المسلسل دون استثناء تحمل هموماً وعقداً ما، يتم الكشف عنها بالتدريج، فيفك المركزية حول شخصيات بعينها، ويجعل المشاهد يشعر كما لو أنه في جولة داخل مصحة نفسية هي الحياة الفعلية.

اقرأ أيضاً: 5 أمراض نفسية جسدتها السينما وعكست مخاوف المبدعين وهواجسهم

الخدعة الثالثة التي استطاع المسلسل تقديمها ببراعة هي عرض مرحلتي المرض في الطفولة وآثاره في المستقبل عبر شخصيتي "زيزي" و"تيتو"، وهي نجلة أخت المحامي الذي يتولى القضية؛ أي إنّ شخصية الطفلة لم تكن محض حشو ولكن مرآة عميقة تم توظيفها بنجاح. 

وبتلك التركيبة والخلطة أثبت مسلسل "خلي بالك من زيزي" أنّ نجاح العمل الدرامي يتوقف بالأساس على توافر ورق جيد دون فزلكة أو افتعال، وهي ميزة رائجة في أعمال درامية كثيرة، وكذلك دون فلسفة واستعراض على المشاهد. 

 لأنّ المسلسل يدور في الأساس في منطقة النفس البشرية وخباياها، كان تركيز الشناوي الرئيسي ببراعة على نقل التعقيدات داخل النفس وتفاعلاتها مع المواقف 

وقد أشرفت على ورشة الكتابة للمسلسل الكاتبة الكبيرة مريم نعوم، والسيناريو والحوار لمنى الشيمي ومجدي أمين.

واستطاع المخرج كريم الشناوي تحويل السيناريو المميز إلى عمل لافت بأداء سلس مبهر، فأخرج الشناوي من أمينة أفضل أداء ودور، ووظف الفنان اللافت علي قاسم في دور معقد تم تقديمه ببساطة شديدة حتى نال إشادات عدة، والبعض صنف مشهد الطلاق بين زيزي وزوجها هشام كأفضل المشاهد الدرامية هذا العام.

ولأنّ المسلسل يدور في الأساس في منطقة النفس البشرية وخباياها، كان تركيز الشناوي الرئيسي ببراعة على نقل التعقيدات داخل النفس البشرية وتفاعلتها مع المواقف، سواء المبالغ فيها وفق شخصية زيزي، أو الهادئة وفق شخصية هشام، عبر تعبيرات الوجه وحركة الجسد ونبرة الصوت، ما أثقل المسلسل وجعله الأقرب إلى كثير من المشاهدين مقارنة بالأعمال الأخرى. 

اقرأ أيضاً: الدراما الرمضانية في ظلّ كورونا.. مسلسلات نجت من الجائحة وأخرى تمّ تأجيلها

ونال المسلسل إشادة من الفنان والمخرج المصري محمد صبحي، واصفاً إيّاهم بالنجوم الكبار الذين أدخلوا السعادة إلى قلوب الجميع، وهو شرف للدراما في رمضان. 

وقال صبحي في مداخلة مع الإعلامي عمرو أديب: "مش بقول رأيي كناقد فني أو رأيي الفني، إنما هتكلم كمشاهد عنده شوية وعي".

وتابع: إنّ هدف المسلسل بسيط للغاية وكذلك موضوعه، وإنّ المشاركين فيه وصلوا هذا الهدف رغم تعقيده، واصفاً مخرج المسلسل بالعبقري: لم يستخدم عضلاته في وضع الكاميرا تحت الرجلين ومن فوق القفا والإضاءة من الشباك والضلمة. 

وأوضح، بحسب ما نقله موقع الوطن، أنه يعتقد أنّ مخرج المسلسل حدد مع المؤلفة تصنيف هذا العمل، لافتاً إلى أنه يتابع الفنانة أمينة خليل منذ بداية مشاركتها في الأعمال الفنية، "فيه ممثل تتأكد أنّه دي مهنته وأنه بيحافظ على شرف المهنة وده نموذج أمينة خليل"، مشيراً إلى أنه كان يتابع أيضاً الفنان محمد ممدوح منذ بدايته الفنية، "أول ما ظهر على الشاشة كنت دايماً بقول جوايا يارب يشتغل على نفسه، وأنا سعيد أنه اشتغل على نفسه".

وبعيداً عن الجدلية القديمة الحديثة حول الفن وهدفه، والكوميديا تحديداً، وهل يجب أن تقدم قيمة أم أنّ التنفيس عن النفس والفكاهة ولو من أجل الفكاهة قيمة في ذاتها، فإنّ مسلسل "خلي بالك من زيزي" المميز بداية من تتره الغنائي وحتى نهاية كل حلقة، فإنه بعد عن كل تلك الجدليات، وقدّم عملاً ماتعاً، والأهم توعية ستحمي المئات أو الآلاف من الأطفال الذين يعانون من ذلك الاضطراب.

واللافت أنّ المسلسل لم يعرض المشكلة فحسب، بل عرض طريقة التعامل مع ذلك الاضطراب، ونبّه من خطورة الأدوية لتهدئة الأطفال وترويضهم كحل يسير، لكنه قد يودي بحياة البعض، فضلاً عن تحويل الأطفال لمسخ لا يعبّر عن طبيعتهم، وكذلك يحرمهم الاستفادة من طاقات إذا تم توظيفها بطريقة جيدة أخرجت أبطالاً وبطلات، والأهم من ذلك أنه يخبرنا بأنّ الوقت لم يمضِ، وأنّ التغيير يمكن أن يحدث في أي مرحلة، فحياة زيزي وتيتو تغيرتا معاً. 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية