داعش على نهج البغدادي رغم التحولات

داعش على نهج البغدادي رغم التحولات


24/10/2021

طرح التمكين في الأرض وإعلان خلافة داعش تصورات أيديولوجية غلب على نسقها الغلوّ والتوسع في التكفير، إلا أنّها وعقب سقوط "الدولة" التي أعلنها زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، لم تنتهِ، واستمر النهج كما هو في الدعوة إلى اتباعها والعمل عليها.

القتال يسبق التنظيرات الأيديولوجية

لم يبد على الجهاز الإعلامي للتنظيم مؤخراً تركيزه على الجانب الأيديولوجي بقدر حرصه على إظهار انتصاراته العسكرية، إلا في بعض الإصدارات، التي أطلقت من فرعه باليمن، مثل (وقفات مع بيان منشقي القاعدة)، أو (الحوار مع أبي الوليد الصحراوي) قبل مقتله التي وصف فيها انحرافات القاعدة العقدية، وكيف أنّهم (أي داعش) جماعة المسلمين، وأنّ القاعدة المرتدين حاربوهم، ومنهم الفصائل المرتدة، مثل جبهة تحرير ماسينا، التي طالبتهم بتسليم أسلحتهم.

كما أنّ قيادة التنظيم انشغلت في المقام الأول بإعادة السيطرة على مفاصل التنظيم، وإعادة هيكلته، لذا فقد طرح جهاز الإعلام الداعشي، الرسمي وغير الرسمي، أفكار التنظيم القديمة العامة، مثل الفروقات بينه وبين تنظيم القاعدة، حيث أصدر (معذرة على ربكم) لتسليط الضوء على الأزمة المنهجية بينه وبين القاعدة في اليمن.

 

اقرأ أيضاً: إدانات عربية ودولية لتفجير داعش مسجداً شيعياً بقندهار

ورغم أنّ الفيلم لم يأت بجديد عن المسائل الخلافية بين الدولة الإسلامية والقاعدة، سلط الضوء على مجموعة من الخلافات العقدية، ومنها مسألة الولاء والبراء، ورفض التحالفات المخالفة للشريعة، مثل بيعة طالبان، وحكمه بالردة على الموالين.

يستمر داعش بالدعوة إلى (بيعة الإمام الممكّن) أي انتصاب زعيمه كخليفة ووجوب بيعته رغم أنه لم يعد ممكّناً

وأعاد التنظيم إصدار وتحديث وتطوير الإنتاج القديم ليواكب استراتيجياته الجديدة، سواء كانت مؤلفات مكتوبة أو سمعية أو بيانات أو تأصيلات علمية، وأخذ الخطاب خطاً موازياً؛ إذ لم يأتِ بجديد عن تلك المفاهيم الأيديولوجية التي انتهى إليها، وهي: قضايا عقدية: عدم جواز العذر بالجهل والتأويل، الحكم بالردة على المخالفين وعدم قبول توبتهم، تكفير الشيعة والصوفية على العموم، الحكم بتكفير الحكام وأعوانهم، عدم جواز العمل في الأنظمة الكفرية، الحكم بتكفير حامل الهوية الشخصية أو بطاقة الجيشين السوري والعراقي، الحكم بكفر الموالين للميليشيات والفصائل المخالفة، الحكم أنّ الدار والدولة كافرة لأنها ترفع راية الكفر ولا تطبق الشريعة، إسقاط أحكام الدار والدولة على ساكنيها.

من البيعة إلى الموالاة

يستمر داعش في الدعوة لما يسمى (بيعة الإمام الممكّن) أي انتصاب زعيمه كخليفة، ووجوب بيعته، رغم أنه لم يعد ممكّناً، وما طرحه الشرعيون في كتاب (مد الأيادي في وجوب بيعة البغدادي)، لتركي البنعلي، يرددونه الآن على قائدهم أبو إبراهيم الهاشمي، على أساس أنّه توافرت فيه كل شروط الإمامة، ولم يتخلف في حقه لا الشروط الواجبة ولا الشروط المستحبة، وهي نفس الشروط التي ذكرها أبو الحسن الأزدي في (موجبات الانضمام للدولة) ووجوب بيعتها.

وما يزال داعش يتوسّع في أحكام الردة لتشمل كل الفصائل التي لم تبايع زعيمهم، وتركيب وصف (الصحوات) على الناقض الثامن من نواقض الإيمان (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين)، وبناء تكفيرهم للمعينين على وصف العاملين بالديمقراطية على الناقض الرابع (من فضّل حكم الطواغيت على حكم الشرع)، وكراهة توسيع العذر ليشمل الجهل بأصل الدين، وما أتبع ذلك من حكم مجالسة مؤيدي الديمقراطية، وطرح ذلك جدل ونقاشات واسعة مع الفصائل الأخرى بسوريا.

ووفق ما جاء في جلسة مع أبي المنذر الحربي، نشرتها قناة النذير العريان بتليجرام، فإنّ التنظيم يكفّر من يتحاكم إلى القوانين الوضعية ولو كان مضطراً، وأنّ الحكم على الدار تكون بالغلبة وما يجري فيها من الأحكام.

 يصر التنظيم على التوسع بالقتل للمصلحة والتعزير ودفع ذلك منشقين عنه لاستنكار الأمر علناً

على هذا يكفّر داعش العاذر بالجهل، ومن يتوقف في التكفير، ووفق ما ورد في كتيب (شهادتي على قضية المستتابين) لأبي جندل الحائلي، الصادر عن مؤسسة التراث العلمي فمن لا يرى ذلك كفرًا إلا بربطه بالقلب هو مرجئ، ومن يرى ذلك كفراً ولكن يعذره بمانع فذلك سنيّ يحاور، ومن يرى ذلك كفرًا ولا يرى أي مانع ثم يتوقف عن تكفيره فهو كافر، وماهية صفة الكفر بالطاغوت، وتصحيح إيمان المقلد الذين تلقوا إسلامهم ليس بالبرهنة والاستدلال بل بالتقليد، وكفر من ذهب لدار الكفر، والمعذور بالجهل، ومن لم يتلبس بالشرك، ولم يقع فيه، ووجوب امتحان العوام في أمور العقيدة.

الفوضى بحجة قتال المرتدين

ويصرّ داعش على إثارة الفوضى بحجة قتال المرتدين، وأنه أولى من قتال الكافر الأصلي، وطالت الفتاوى التي وردت في صحيفتهم النبأ مؤخراً من لا يحكم على الجيوش بالكفر واعتباره خارجاً عن أهل السنة، وانبرى الشرعيون للمناظرات في مسألة الاستعانة بالمرتد، وهل الاستعانة بالكافرين على المسلمين، أو الاستعانة بالكافرين على الكافرين، "لأن هناك فروقاً بين أن يستعان بهم مع غلبة الإسلام وظهور أحكامه، وأن يستعان بهم مع غلبة الكفر وظهور أحكامه"، وفق ما ورد في كتيبهم الإبانة في صور الاستعانة.

 

اقرأ أيضاً: لماذا حذر مستشار الكاظمي "حزب الله العراقي" من مصير داعش؟

رأى شرعيو داعش مؤخراً الاستمرار على ذات النهج في التكفير بالموالاة والاستعانة وأنّها لا تدخل في ركن الكفر بالطاغوت؛ لعدم ورود النص الشرطي الظاهر، ورأى آخرون أنّ الحكم بالتكفيّر يكون بناءً على الأسباب، ولا يكون بناءً على الأنواع.

ويصر داعش على التوسع بالقتل للمصلحة والتعزير، ودفع ذلك منشقون عنه لاستنكار الأمر علناً، ومنهم أبو عبدالبر في نصائحه السرية التي نشرتها بعض الصفحات المحسوبة على منشقي التنظيم، والتي قال فيها: هذان الأمران ينبغي على من اقتحم بابَهما أن يكون عالماً بها من ناحية ثبوت الدعوى فيهما أولاً، ثم التحري عن صحتها، ثم الحكم وفق المعطيات، ثم النظر في مصالح تطبيق الحكم ووقتِه وكيفيتِه.

لم يبد على الجهاز الإعلامي للتنظيم مؤخراً تركيزه على الجانب الأيديولوجي بقدر حرصه على إظهار انتصاراته العسكرية

الخلاصة أنّ داعش مستمر على النهج الأيديولوجي القديم، وقد بان في خطابات أبي حمزة القرشي، التأكيد على تلك القضايا والأحكام السابقة، والاستمرار على المنهجية القديمة التي كانت عليها اللجنة المفوضة بقيادة حجي عبدالله، الذي تولى قيادة التنظيم بعد البغدادي، وفي كلمته التي عنونها برسالة إلى المرتدين (دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها)، أن نهج (جناح الفرقان) يسيطر على ذهنية القادة، فقال في كلمته: إنّ أهل الباطل سعوا لتشويه سمعة الدولة الإسلامية واتهامها بالغلو والخارجية، وحاولوا جهدهم أن يحصروا القتال بالصليبيين فقط، فأطلقوا على من يمتنع عن قتال المرتدين من الروافض والمنتسبين إلى أهل السنّة لقب "المقاومة الشريفة"، وأنه لم يفتهم أن يبذلوا جهدهم في تحطيم فتنة العصر الكبرى المتمثلة بالديمقراطية والعلمانية، فهي دين كفري، ومن يؤمن به بالاعتقاد أو القول أو العمل فهو كافر بالله العظيم!




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية