داعش والحرب الأهلية والحدود.. دواعي ومستقبل الحوار بين طالبان وجيرانها

داعش والحرب الأهلية والحدود.. دواعي ومستقبل الحوار بين طالبان وجيرانها


15/07/2021

بموازاة إتمام الانسحاب الأميركي من افغانستان، تستعيد حركة طالبان سيطرتها على معظم أنحاء البلاد بنسبة تتجاوز أكثر من 80% من مدن ومراكز أقاليم كانت حتى أيام قليلة مضت في حيازة وسيطرة القوات الحكومية، التي خصها الرئيس الأميركي، جو بايدن، في كلمته قبل أيام قليلة بأنه “يثق فيها وفي قدرتها على تجنب سقوط البلاد في حالة من الفوضى”.

حالة الفوضى التي باتت متحققة بالفعل عشية الانسحاب الأميركي، ومنذ إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، فرضت على كافة الأطراف المعنية تغير سريع يستوعب تداعيات الانسحاب الأميركي، وترتيبات “أمر واقع” مفاده ضرورة التعاطي مع طالبان من جانب عواصم على رأسها موسكو وبكين وطهران وإسلام أباد.

آخر هذه الحوارات، وأبرزها كذلك في سياق سلسلة حوارات سابقة في العامين الأخيريين، هو ما شهدته الأيام القليلة الماضية في كل من موسكو وطهران وإسلام أباد، حيث شهدت هذه العواصم اجتماعات أمنية ودبلوماسية جمعت ممثلي الحركة ببعض من فرقاءهم الأفغان، وكذلك مسؤولين من هذه البلاد لمناقشة ترتيبات وتداعيات وبحث آليات ما بعد الانسحاب الأميركي، وخاصة فيما يتعلق بملفات مثل الأمن والحدود.

حيث تشهد الحدود المترامية لأفغانستان انتشار موسع لعناصر الحركة، وسيطرتهم على معظم المعابر الحدودية الرئيسية مع الدول المجاورة لها، وهو ما صاحبه فرار آلاف من عناصر القوات الحكومية لمختلف هذه الدول، وهو ما يأتي في سياق استراتيجية طالبان في إعادة السيطرة على البلاد من الحدود نحو الداخل، والذي توقعت واشنطن أن يتم خلال 6 أشهر إلى سنة، ولكنه بات في حكم المتحقق خلال أسابيع قليلة، وهو ما دفع الدول المجاورة لأفغانستان في تسريع وتيرة وتوسيع حوارها مع حركة طالبان، حسب ما يرى مراقبين ومحللين.

وبخلاف باكستان صاحبة النصيب الأكبر في الحدود المشتركة مع أفغانستان، فإن هذه المحادثات والاجتماعات وقنوات الاتصال تشمل تواجد لأوزباكستان وتركمانستان وطاجيكستان، وإن كان ذلك عبر روسيا و“منظمة معاهدة الأمن الجماعي“، كذلك قطر حيث مقر المكتب السياسي للحركة، والتي استضافت وتستضيف جولات الحوار والتفاوض بين واشنطن وطالبان، وكذلك بين الأخيرة والحكومة الأفغانية.

ويتدهور الصراع الداخلي في افغانستان لمستويات قد تفوق ما حدث عشية الانسحاب السوفيتي وحتى الاحتلال الاميركي، الذي بانتهائه تعود طالبان لصدارة المشهد اقوى مما كانت عليه منذ نشأتها، وهي قوة لا تتعلق فقط بالترسانة العسكرية للحركة، الذي يقدر البعض بأنها أصبحت عشرات أضعاف ما كانت عليه ٢٠٠١ كماً وكيفاً، وذلك دون حساب ما خلفه الاحتلال الاميركي من عتاد واسلحة قد يكون بالنسبة للجيش الاميركي مجرد خردة وفائض حتمي لأكثر من 2 تريليون دولار كُلفة عقدين من تواجد واشنطن وحلف الناتو هناك، ولكن هذا الفائض بالنسبة لطالبان وفي سبيل استعادتها للسلطة، متغير هام بموازين القوى الميدانية داخلياً وخاصة مع قرب انفجار الاقتتال الأهلي لحرب أهلية تتجاوز سابقتها التي حدثت عشية الانسحاب السوفيتي، خاصة مع اعتمادهم على استراتيجية ميدانية تتمثل في السيطرة على الحدود والمعابر الحدودية ومن ثم اعادة الانتشار نحو الداخل ومراكز المدن، وهو ما يعد حتى مع تطمينات الحركة أن الهدف منها الوصول لاتفاق هدنة مع الحكومة، تهديداً لأمن هذه الدول المجاورة.

 وطبقاً لمجريات الأسابيع الأخيرة ميدانياً و”دبلوماسيا” ان جاز التعبير، فإن هذه القوة التي تعود بها طالبان تتمثل في تعاطي جيران أفغانستان -روسيا والصين وإيران وباكستان- معها بشكل واقعي مفاده أنها القوة الأكبر على الأرض، والتعاطي معها في أمور عاجلة مثل الأمن وتأمين الحدود أمر حتمي، سيفضي مستقبلاً إلى عدم تكرار خطأ أميركا وقبلها الاتحاد السوفيتي، سواء بالتدخل والاحتلال المباشر، أو عبر وكلاء محليين.

يجب الإشارة على أن هذا الحوار يهدف وبشكل تكتيكي تحوط هذه الدول من انفلات الأمور داخلياً لأفغانستان لغير صالحها، ومن ثم تحملهم عبء الانسحاب الأميركي وتداعياته؛ فشغل هذا الفراغ الأمني والعسكري والدبلوماسي الذي خلفه الانسحاب الأميركي -يسميه البعض فوضى- لا يتم عبر الحوار مع طالبان وحدها، خاصة في ضوء استراتيجية الحركة قيد التنفيذ في استعادتها للحكم، ولكن كمسار عاجل واضطراري لتفادي ماهو أسوأ، مثل إعادة تفشي وانتشار داعش واخواتها في وسط آسيا، وتغذيهم على قلاقل عرقية ودينية ومذهبية تتجاوز حدود أفغانستان الرسمية نحو عمق الأمن القومي لموسكو والصين على سبيل المثال، وهو ما استجابت معه الحركة عبر تصريحات تطمين للعاصمتين بخصوص نزاعات وقضايا مثل الإيجور والنزاع في قره باخ، ومثلث التوتر القوقازي المتمثل في داغستان والشيشان وأنجوشيا.

وطبقاً للسابق، وعلى الرغم على اختلاف أولويات القوى المعنية بمستقبل الأوضاع في أفغانستان على المدى القريب والبعيد، وعلى مستويات تكتيكية واستراتيجية، فإن كل من بكين وموسكو وإسلام أباد وطهران، لديهم عامل مشترك هو تجنب تكرار أخطاءهم في الماضي في التعاطي مع أفغانستان وتحديداً طالبان، والأهم عدم تكرار خطأ واشنطن وتحمل هذه العواصم تداعيات انسحابها على مستوى أمني حالياً  وجيوسياسي مستقبلاً  تتحول فيه أفغانستان إلى فراغ متعدد الاستخدامات على مستوى الصراعات الإقليمية والدولية.

بالمقابل، ترسل طالبان رسائل وإشارات بميلها لإبقاء الاقتتال الأهلي في حدود لا تتصادم مع الخارج وخاصة إذا كان روسيا والصين، وذلك ضمن متغير هام في تفكير الحركة وهو البحث عن شرعية خارجية وليست داخلية فقط عبر قوة السلاح، وهو ما أشار له وفود الحركة على مدار الأسبوع الماضي في موسكو وطهران والدوحة، بأن سيطرتهم على المعابر الحدودية يأتي في سياق الدفع بالوصول لاتفاق نهائي مع القوات الحكومية، وتجنب الأسوأ بالنسبة لهم، وهو المتمثل في دعم هذه القوى لمليشيات مناوئ لها من عرقيات واثنيات أفغانية تجعل الحرب الأهلية/الوكالة لسنوات مصير شبه محتوم، تداعياتها يصعب التنبؤ بها حتى قياساً على مثيلاتها في الشرق الأوسط.

هذه الرسائل تمتد أيضاُ للدول المعنية في النفاذ إلى أفغانستان بدوافع اثنية وجيوسياسية وليس بحكم الحدود، مثل تركيا، والتي عرضت إدارة مطار قندهار محل القوات الأميركية، وان هذا النفاذ لن يتم عبر بوابة واشنطن المنسحبة ولكن عبر الحركة وما يسمح لها بإعادة انتاج نفسها على صعيد العلاقات الدولية بوجه مقبول وصولاً لإدارة مصالح مشتركة مثل التعهد بعدم تفشي داعش.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية