دراسة إسبانية تلقي الضوء على "الجهاد المؤنث".. لماذا يستقطب داعش النساء؟

دراسة إسبانية تلقي الضوء على "الجهاد المؤنث".. لماذا يستقطب داعش النساء؟

دراسة إسبانية تلقي الضوء على "الجهاد المؤنث".. لماذا يستقطب داعش النساء؟


20/03/2024

تسترعي ظاهرة "تأنيث الجهاد" في أوروبا اهتمام الحكومات والباحثين؛ إذ يلاحَظ في الأعوام الأخيرة أنّ هناك تحولاً لدى التنظيمات الجهادية نحو استقطاب النساء وتجنيدهنّ في صفوفهم، كطريقة جديدة للتحايل على الأجهزة الأمنية من جهة، ومن جهة ثانية كوسيلة ناجعة لتسريع الاستقطاب في صفوف الذكور والإناث؛ نظراً إلى قابلية هؤلاء للإنصات أكثر إلى الخطاب الصادر عن المرأة، وقدرة هذه الأخيرة على التكيّف مع المستجدات.

كاريغا: لجوء تنظيم داعش لتجنيد النساء في صفوفه راجع إلى كونه يسعى إلى ضمان نجاح أكبر لعملياته الإرهابية

وفي هذا الصدد؛ صدرت مؤخراً دراسة في إسبانيا، تحت عنوان "أنماط وعلامات التطرف النسائي داخل التنظيمات الإرهابية ذات التوجه الجهادي في إسبانيا"، أعدّها الخبيران الإسبانيان؛ دافيد كاريغا، المتخصص في علم الجريمة ورئيس "مركز تحليل المعلومات والأمن الجماعي"، وعضو "وحدة رعاية ضحايا التطرف العنيف"، وأريانا تريسباديرني، الباحثة في علم الجريمة والناشطة في قضايا الإدماج الاجتماعي.
وقد لاحظت الدراسة، التي كانت ثمرة مقابلات أجراها الباحثان مع عدد من النساء المعتقلات ضمن ملفات التطرف والإرهاب؛ أنّ غالبية النساء اللواتي تمّ اعتقالهن في إسبانيا تتراوح أعمارهن بين 19 و25 عاماً، وهي المرحلة العمرية الأنسب بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية للاستقطاب، وهنّ في غالبيتهن غير متزوجات وبدون أولاد، وينتمينَ إلى الجيل الثالث من المهاجرين، الذي يعيش تمزقاً على مستوى الهوية يؤدي به إلى حالة من التدين ذات طبيعة متشددة.

اقرأ أيضاً: الجهاديات.. هكذا تغير دور المرأة في صفوف التنظيمات المتطرفة

غالبية النساء اللواتي تمّ اعتقالهن في إسبانيا تتراوح أعمارهن بين 19 و25 عاماً
ورأت الدراسة؛ أنّ هناك نوعاً من التقسيم على مستوى الوظائف؛ حيث أشارت إلى أنّ الغالبية العظمى من النساء اللواتي يعملن في إطار التجنيد هنّ من الجنسية المغربية، بينما غالبية اللواتي يتمّ تجنيدهنّ هنّ من الجنسية الإسبانية، وفيما يتعلق بالجنسية؛ ذكرت الدراسة أنّ 60٪ من النساء لديهنّ جنسية إسبانية، و56٪ منهنّ من مواليد إسبانيا، بينما 65٪ مقيمات داخل التراب الإسباني، وينتمين إلى سبتة ومليلية على وجه التحديد.

اقرأ أيضاً: النساء الجهاديات: المرأة صانعة للإرهاب أم ضحية له؟
وينهض هذا المعطى الأخير دليلاً على تداخل التطرف بقضايا الهوية؛ إذ تشعر المنتميات إلى هاتين المدينتَين بعدم الانتماء الهوياتي إلى الثقافة الإسبانية، وبحالة من فقدان الجذور، وخلافاً للذكور؛ فالنساء المعتقلات في ملف الإرهاب ليست لديهنّ سوابق جنائية، وقد جرى اعتقالهنّ في مدن؛ كاطالونيا، بلنسية، الأندلس، سبتة، مليلية. 

غالبيتهن ينتمينَ للجيل الثالث من المهاجرين الذي يعيش تمزقاً على مستوى الهوية يؤدي به إلى حالة من التدين ذات طبيعة متشددة

وقالت الدراسة أيضاً: إنّ 34% من هؤلاء النساء يحملن الجنسية المغربية، 39٪ منهنّ من مواليد المغرب، وفيما يتعلّق بالمتحولات؛ أي اللواتي اعتنقن الإسلام دون أن يكون لديهن أيّة روابط عائلية من أصول مسلمة، فقد لاحظت الدراسة أنّ نسبتَهنّ هي 13٪، وهذا مؤشر آخر على تزايد أعداد المتحولين إلى الإسلام داخل الجماعات المتطرفة في أوروبا؛ إذ أصبح عددهم يرتفع عاماً بعد آخر، ليس في إسبانيا فقط؛ بل في بلدان أوروبية عدة.
وقام الباحثان بدراسة مدى ظهور علامات التطرف العنيف لدى هؤلاء النسوة، من خلال مراقبة تغيراتهم الفيزيائية على مستوى المظهر وسلوكاتهنّ اليومية، للتأكّد ما إذا كنّ قد خضعن لنوع من التكوين من طرف أتباع تنظيمي؛ القاعدة وداعش، وقد لاحظ الباحثان أنّ ثلثَي النساء المستجوبات؛ أي نسبة 66٪ منهن، لديهنّ ميول متطرفة واضحة، وفيما يتعلق بالنساء اللواتي كنّ يعملن في التجنيد، فقد لاحظت الدراسة أنّ غالبيتهن؛ أي نسبة 60٪، لا تظهر عليهنّ علامات التطرف، وأرجعت ذلك إلى استعمال "التقية" والتحلي بالسرية، فيما نسبة 90٪ من النساء اللواتي خضعن للتجنيد ظهرت عليهنّ علامات التطرف.

اقرأ أيضاً: الجهاديات في تونس
وعلى مستوى المظهر الخارجي؛ لاحظ الباحثان أنّ النساء المعتقلات يرتدين النقاب في الغالب، بينما هناك تنويع لدى الفئة الأخرى بين النقاب والحجاب والبرقع، كما لاحظا أيضاً عدم ارتدائهنّ للمجوهرات أو الحلي النسائية، وغياب الوشم على أجسادهنّ.

أصبح هناك تركيز أكبر على دور المرأة التي قد تكون أمّاً أو زوجة لأحد الجهاديين المنتمين إلى التنظيم
وقال دافيد كاريغا، أحد الباحثَين اللذين أعدّا الدراسة، في حديثه مع "حفريات": إنّ ظاهرة وجود النساء في التنظيمات الجهادية في أوروبا تعود أساساً إلى التحول في الإستراتيجية التي صار يتّبعها تنظيم داعش داخل أوروبا، بعد فقدان المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا؛ حيث أصبح هناك تركيز أكبر على دور المرأة، التي قد تكون أمّاً أو زوجة لأحد الجهاديين المنتمين إلى التنظيم، وقد أدى هذا التحول في إستراتيجية التنظيم إلى تحوّل في موقع المرأة بداخله؛ إذ لم يعد هذا الموقع "سلبياً" يتجسد في مجرد القرابة البيولوجية بينها وبين جهاديي داعش، بل انتقل إلى موقع "فاعل" يتجسّد في الانخراط المباشر في الوظيفة الإرهابية، من خلال التجنيد والتكوين والتحريض.
وتابع كاريغا: إنّ التنظيم يرفع شعار"من دون نساء لا يوجد مجاهدون"، ما يعني أهمية المرأة داخل تنظيم داعش في إعادة إنتاج جيل مقاتل جديد، مؤكداً أنّ لجوء التنظيم إلى تجنيد النساء في صفوفه راجع إلى كونه يسعى إلى "ضمان نجاح أكبر لعملياته الإرهابية".

اقرأ أيضاً: التقليد الديني.. الجهاديات والتطرف
وكشف كاريغا أنّ هناك تحولات أيضاً على مستوى الخطاب الجهادي المستعمل من طرف التنظيم لجلب الفتيات والنساء الأوروبيات؛ ففي الماضي كان التركيز يتمّ على تحريك العواطف النفسية عبر إيقاع الفتيات في غرام أحد الجهاديين، ما يدفعهنّ إلى الانتقال إلى المناطق التي يسيطر عليها من أجل ضمان عيش مشترك مع عشيقها المخادع، أما اليوم؛ فقد بات التركيز يتمّ على عنصر الاستقلال العائلي، عبر إقناع الفتيات بالتخلص من سيطرة الأب أو الأسرة، وعرض بدائل أمامهنّ، تتمثل في اختيار حياتهن الأسرية والعاطفية بحرّية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية