دور المصطلحات في تشتيت مفهوم الإرهاب الحقيقي

دور المصطلحات في تشتيت مفهوم الإرهاب الحقيقي


23/04/2018

مترجم

"ما هو الإرهاب بالتحديد؟ وكيف تصنع الكلمات الفارق؟"، يجيب على هذا التساؤل المؤلف، الكاتب الصحفي الأمريكي البارز، إيبيغيل إيسمان، في مقالته في موقع معهد أبحاث “المشروع الاستقصائي حول الإرهاب”.

في البداية، لا بد من التأكيد على أن الإرهاب ليس مرتبطًا بالديانة الإسلامية على الإطلاق، وهنالك أدلة كثيرة يمكن سرد بعضها. بعد أن قام الطبيب النفسي الأمريكي المسلم نضال حسن بإطلاق نار على قاعدة “فورت هود” العسكرية، وصفت السلطات الأمريكية والصحافة الغربية الحادثة بـ”عنف مكان عمل”. وهنالك أيضًا حالة المسلم الأمريكي عمر متين، الذي قتل خمسين شخصًا بعد أن أطلق النار على نادي “بالس” الأمريكي، فقد وصفته الشرطة والسلطات بـ”مضطرب عقليًا” وليس “إرهابيًا”.

وفي المقابل، طالب الأمريكيون السلطات بوصف الأمريكيين المسيحيين البيض الذين أطلقوا النار في المدارس العامة بـ”الإرهابيين”، واعترضوا على تسميتهم بـ”المضطربين”. وبالتالي، لا يمكن القول بأن كلمة “إرهابي” تقتصر على المنفذ المسلم.

الإرهاب مفهوم عميق، استطاع تشكيل السياسة الدولية في مختلف بقاع الأرض لعقود، وازدادت حدته بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر. ولكن، ماذا يعني “الإرهاب” في الواقع؟ يبدو أن التشويش إزاء هذه “الكلمة” غير محدود بين الناس.

بالنسبة للمخابرات المركزية الأمريكية، الإرهاب هو العنف المتعمد والمرتكب ضد أهداف غير متحاربة، وبدوافع سياسية، من خلال جماعات أو عملاء سريين. وبالنسبة لمكتب التحقيقات الفدرالي، الإرهاب هو الاستخدام غير القانوني للقوة، أو العنف ضد أشخاص وممتلكات، لتخويف وإكراه حكومات أو سكان مدنيين، لتعزيز أهداف سياسية أو اجتماعية. وبالنسبة لحلف شمال الأطلسي، هو الاستخدام غير القانوني أو التهديد باستخدام القوة أو العنف ضد الأفراد أو الممتلكات، في محاولة لإجبار أو تخويف حكومات أو مجتمعات، لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية.

وبينما تختلف هذه التعريفات الرسمية، إلا أنها تشترك في عنصر الدوافع الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية التي تهدف إلى إكراه أو تخويف حكومات أو مجتمعات بأكملها.

تفضل جهات أخرى توسيع تعريف “الإرهاب” ليشمل جرائم أخرى، مثل “جرائم الكراهية”، باعتبارها عنفًا يهدف إلى إكراه مجتمعات أو طوائف بأكملها لتحقيق “أهداف أيديولوجية”. وترى خبيرة مكافحة الإرهاب الأمريكية، المؤلفة فارهانا كازي، أن مفهوم الإرهاب يقتصر على الدوافع “السياسية” أو “الدينية” فحسب، وأن “الأيديولوجية” بحد ذاتها لا تنم عن الإرهاب إن لم تكن مرتبطة بأهداف سياسية ودينية، وهذا ينطبق تمامًا على ظاهرة “الكراهية”.

بينما يرى آخرون أن “جرائم الكراهية” ليست “إرهابًا” لعدم انطوائها على “إجبار” الآخرين على “التغيير”. وربما يكون هذا المفهوم مطاطيًا ومضللًا للبعض، لأن الكراهية قد تنطوي على المستوى الفردي، وعلى المستوى الجماعي، وهنا يكون الفارق.

فقد يرغب أناس باقتلاع اليهود، أو السود، أو المثليين جنسيًا، من على وجه الأرض، لكنهم لا يسعون إلى “ترهيب حكومات أو مجتمعات لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية”، وعلى ضوء هذا، يقول البعض إن “جرائم الكراهية” ليست “إرهابًا”، وهذا ما يبرر وصف السلطات الأمريكية لمنفذي هجمات المدارس العامة بـ”المضطربين عقليًا” بدلًا من “الإرهابيين”؛ ذلك أنهم لا يمتلكون “أهدافًا سياسية أو دينية”.

الأمثلة السابقة تكشف حقًا عن دور المصطلحات في تشتيت مفهوم الإرهاب بين الناس. ومن الصعب معرفة أسباب رغبة العديد من الدوائر المرموقة في تسمية مثل هذه الجرائم بـ”الإرهاب”. أليس مفهوم “القتل الجماعي” مروعًا بما فيه الكفاية؟ وهل أخفقت عبارة “جرائم الكراهية” في منح الشعور ذاته من الإلحاح الشديد مثل “الإرهاب”؟ وهل هنالك حاجة عامة إلى تعريف واضح للإرهاب، أكثر دقة من التعريف العالمي الحالي؟

يلقي البعض اللوم على الأمم المتحدة لعدم صياغتها تعريفًا رسميًا للإرهاب. ولكن المنظمة تواجه صعوبات فريدة في تعريف الإرهاب، ليس لها علاقة بإطلاق النار في المدارس أو جرائم الكراهية.

على سبيل المثال، تواجه الوكالة خلافات بين الدول الأعضاء حول ما إذا كان “العنف” مقبولًا ضد الاحتلال الأجنبي، مثل حال الفلسطينيين الذين يفجرّون أنفسهم وسط الإسرائيليين، فهل ينبغي اعتبارهم “إرهابيين” أم “محاربين من أجل الحرية”؟! وهل يجب النظر إلى محاولتهم تحقيق أهدافهم من خلال “إجبار” أو “إكراه” الحكومة الإسرائيلية على أنها “إرهاب” أم ليس كذلك؟ وعند طرح هكذا سؤال، يجب التذكير بأن حالات إطلاق النار الجماعي في المدارس الأمريكية ليس لها علاقة بـ”القتال من أجل الحرية” أو “التحرير”.

ليس هنالك مفر من مناقشات صادقة حول ضرورة توضيح معنى الإرهاب الفعلي، وما هو ليس إرهابًا؛ لأن إساءة استخدام مفهوم الإرهاب قد يكون خطيرًا في نهاية المطاف، وهذا يتطلب من الجهات المختصة الحذر وكل الحذر من الوقوع فريسة لدلالات ومعاني الكلمات والمصطلحات.

معهد أبحاث “المشروع الاستقصائي حول الإرهاب - عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية