دولة طالبان الإسلامية.. هل تبدو مطلباً شعبياً؟

دولة طالبان الإسلامية.. هل تبدو مطلباً شعبياً؟


25/08/2021

طالبان تاريخ طويل من المقاومة والعمل المسلّح والمواجهة والاختباء في تضاريس أفغانستان الوعرة، وتحدي جيوش عالمية مثل جيش الاتحاد السوفييتي وجيش الولايات المتحدة الأمريكية على مدار ما يقارب نصف قرن من الزمان، وماتزال طالبان حركة دينية واضحة المعالم والأهداف والرؤية، وقد جلست إلى طاولات المفاوضات مع السوفييت والأمريكيين جولات كثيرة، وبقيت تتنقل من طاولات المفاوضات إلى مغارات وبيوت أفغانستان.

 نعود إلى السؤال العنوان، بعد أن سيطرت طالبان على كامل أفغانستان تقريباً، ودخلت مدنها وقراها، بطريقة لا تخلو من ميلودراما وصياغة حبكة تخلق كمية كبيرة من الإثارة في سياق مفتوح على احتمالات متوقعة وغير متوقعة. وسؤال العنوان، هل أصبحت الدولة الدينية الإسلامية في أفغانستان مطلباً شعبياً بعد استيلاء طالبان على كافة مفاصل الدولة، السياسية والاقتصادية، أم أن الأمر ليس بهذه الصورة؟

 

نحن عاطفيون، وليس لدينا سلاح لمواجهة التحديات سوى سلاح الطموح والحلم بإقامة دولة إسلامية، حتى لو كانت هذه الدولة هي طالبان

 

 لا أستطيع أن أجزم بإجابة واضحة ومحددة ومباشرة لمثل هذا السؤال، لأنني أعتقد أن صيغة طرحه ودلالة كلماته، غير مناسبة، وأنه كان ربما من الأصوب أن يكون التساؤل حول إمكانية قيام دولة دينية إسلامية في أفغانستان، وهل تبدو كل الظروف مواتية لذلك؟.

 من حاول إلقاء هذه الفقاعة الكبيرة في سماء أفغانستان بأن الشعب الأفغاني تنفس الصعداء بصعود طالبان من جديد، وأنها المخلص والمنقذ وحامية الدين وبانية دولة الخلافة الإسلامية، على أقل تقدير لم يستند إلى شيء في هذا التصريح سوى أنه اعتمد على عبارة أن المجتمع الأفغاني مجتمع مسلم، فحسب، ومثل هذه الدلالة لا تكفي للوصول إلى حكم فيه مقدار كبير من المجازفة.

 لدى المجتمع الأفغاني تجربة مع حكم طالبان تعود إلى أواسط التسعينيات، حين كانت طالبان تمارس حكماً دينياً صعباً، وتحاول فرض شكل من أشكال الحياة اعتبره المجتمع الأفغاني في وقته عنفاً وتطرفاً، من فرض البرقع إلى الرجم وقطع الرؤوس، واليوم تستعيد نساء أفغانستان تلك الصور حادة المشاهد، ما يدفعهن إلى التسابق لشراء البرقع، هل هذا التدافع وليد الخوف والرعب أم يمكن أن يعتبره كل من يقول بأنّ دولة طالبان الإسلامية مطلب شعبي، شكلاً من أشكال الفرح والتهليل والتعبير عن الرغبة بدولة إسلامية؟.

 سأذهب باتجاه كل من يقول بأنّ طالبان دولة إسلامية برؤية ناضجة وطريقة متصالحة في ممارسة الحكم، وأنها تحاول طمأنة المجتمع الأفغاني أولاً وطمأنة العالم ثانياً، بأنها قادمة لحكم إسلامي مستنير، يقيم العلاقات ويحترم الجوار، وأنها ليست قادمة أبداً من أجل المحاسبة  والانتقام، ومع أن افتراض ذلك مجرد افتراض فيه تسطيح للأفكار وتبسيطها بطريقة تخلو من المنطق الذي تسير فيه الأحداث، والواقع الذي تتصاعد فيه وتيرتها، لكن لا بأس، يمكن وضع هذا الافتراض بين شارطتين معترضتين، لوقت قصير فقط، لا يتعدى فترة محاولة إجابة سؤال إمكانية صناعة دولة إسلامية في جغرافيا مصابة بلعنة الأزمات والحروب، ومصابة أيضاً بلعنة الخيرات التي فتحت شهية العالم لها، والقوى الإقليمية التي أصبحت تفكر في العلاقة مع طالبان باعتبارها إما فرصة لوضع قدم لها في أفغانستان مثل إيران، أو بوادر نزاع وتوتر مثل الهند التي بقيت علاقتها مع طالبان مأزومة، أو علاقة عمق استراتيجي مثل باكستان، ومع ذلك، فإن كل دولة من تلك الدول المجاورة في مسألة العلاقة مع طالبان غير محسومة لصالح الهدوء والطمأنينة ولا لصالح التوتر والخوف والنزاع.

 

تحاول طالبان طمأنة المجتمع الأفغاني أولاً وطمأنة العالم ثانياً، بأنها قادمة لحكم إسلامي مستنير، يقيم العلاقات ويحترم الجوار، وأنها ليست قادمة أبداً من أجل المحاسبة والانتقام

 

 ثمة سؤال، هل يعتقد أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم حروب العالم ضد الإرهاب والتطرف، يمكنها ببساطة أن تنسحب من أرض على شكل هزيمة، لتفسح المجال أمام ولادة دولة إسلامية، أم أنّ الأمر ينطوي على شيء ما، يمكن أن نسميه مثلاً اتفاقاً مع طالبان من تحت الطاولة أثناء جولات مفاوضات الأمريكان مع طالبان في قطر، أو يمكن أن نسميه الخروج من أرض أصبحت لا تصلح على المدى الطويل لأي شكل من أشكال الدولة، لا الدينية ولا المدنية، كما هو الحال في العراق حيث الدولة تعاني من ضياع الدولة، في فوضى الخراب والفساد والطائفية والقوى والجبهات المتصارعة من أجل المكاسب والمصالح، تماماً هذا ما حدث في أفغانستان، خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من أرض لم تعد تصلح كدولة آمنة ومستقرة أو قابلة على المدى الطويل لأن تكون آمنة ومستقرة، حيث إيران بالمرصاد وتركيا وتيارات وجماعات بدأت تعلن أنها قادرة على محاربة طالبان، مثل أحمد مسعود ومثل أمر الله صالح.

 فكرة إقامة دولة إسلامية في أفغانستان فكرة حالمة، خاصة لدى أتباع وأنصار التوجهات الإسلامية في تركيا التي أعلنت نيتها التفاوض مع طالبان بخصوص اللاجئين الأفغان، كفاتح شهية لولوج تركيا إلى علاقة عميقة مع طالبان، ولدى أيضاً العالم العربي الذي تسكنه عواطف جياشة مليئة بالحنين لأيام جهاد الأفغان وكرامات الشهداء وعجائب المعجزات التي كنا نقرأ عنها في المجلات ونستمع لها في محاضرات الإسلاميين، نحن عاطفيون، وليس لدينا سلاح لمواجهة التحديات سوى سلاح الطموح والحلم بإقامة دولة إسلامية، حتى لو كانت هذه الدولة هي طالبان.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية