رئيس مجلس الأئمة بالبرازيل: هدفنا التعريف بالإسلام بعيداً عن التسييس

رئيس مجلس الأئمة بالبرازيل: هدفنا التعريف بالإسلام بعيداً عن التسييس

رئيس مجلس الأئمة بالبرازيل: هدفنا التعريف بالإسلام بعيداً عن التسييس


09/04/2024

أجرى الحوار: ماهر فرغلي

عقب أن حصل على الليسانس من كلية الدعوة وأصول الدين الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العام 1986، كان الشيخ خالد رزق السيد تقي الدين، المولود بمدينة بلطيم بجمهورية مصر العربية، من أوائل من ذهبوا لأمريكا اللاتينية والعمل في مجال الدعوة الإسلامية، وتدرج هناك حتى أصبح الآن رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل، وإمام وخطيب مسجد غواروليوس.

وخلال هذه الفترة ساهم في تأسيس "جمعية علي بن أبي طالب" بساو باولو العام 1986، والمركز الإسلامي بسدادي ديل إيستي "البارراجواي" 1987، والمركز الإسلامي بمدينة " أسنسيون " عاصمة البارغواي العام 1989، إضافة إلى القناة العربية بالحدود الثلاثية "البرازيل – الباراغواي – الأرجنتين" العام 1992، وتولى إدارتها. كما أسهم بتأسيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل 2005، ومسجد أسنسيون "عاصمة الباراغواي" بداية 1989، ومسجد النور بمدينة سنتياغو "عاصمة  تشيلي" نهاية 1989، وغيرها من النشاطات الأخرى.

في حواره مع "حفريات" يتحدث تقي الدين حول أبرز مشكلات الدعوة في هذه المنطقة من العالم، وتاريخها وأبرز مؤسساتها وعلاقتها بالأزهر..

وهنا نص الحوار:

أبرز مشكلات الدعوة

ما أبرز المشكلات التي تواجه العاملين بالدعوة الإسلامية في البرازيل وأمريكا اللاتينية عموماً؟

أهم هذه المشكلات: أولاً: ضعف التمويل حيث يوجد عدد غير قليل من الدعاة يعملون بشكل تطوعي أو بمقابل مادي ضعيف جداً، مما يدفعهم للعمل التجاري حتى يستطيعوا رعاية عوائلهم. 

ثانياً: مشكلة عدم إتقان البرتغالية لغة أكبر بلد هنا البرازيل، وهذه المشكلة تؤثر في أن توصل رسالة الإسلام بشكل صحيح، ويفتح المجال واسعاً للمتشددين الذين يجيدون اللغة البرتغالية لكنهم لا يفقهون مبادئ الإسلام فيتم تشويه صورة الدين من قبلهم أو نقله بصورة غير صحيحة. 

مشكلة عدم إتقان البرتغالية لغة أكبر بلد هنا البرازيل، وهذه المشكلة تؤثر في أن توصل رسالة الإسلام بشكل صحيح

ثالثاً: تحكم بعض المتنفذين مالياً في بعض المؤسسات الدعوية، وبعضهم لا يفقهون أصول الدعوة ومبادئها مما يؤدي لتسيير تلك المؤسسات بعيداً عن هدي الإسلام وتعاليم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدعوة الإسلامية ويقومون بكيل الاتهامات للمؤسسات الأخرى، أو وضع العقبات في طريقها ويشوهون سمعتها داخلياً وخارجياً، ويجدون لهم أعواناً في بعض البلدان الإسلامية من أصحاب المنافع الفردية، الذين يصدقونهم في كل ما يدعون دون نظر أو تمحيص. 

يوجد عدد غير قليل من الدعاة يعملون بشكل تطوعي أو بمقابل مادي ضعيف جداً

رابعاً: قيام بعض مؤسسات الدعم الخارجي بدعم أفراد أو مؤسسات عديمي الخبرة بالواقع الدعوي في البرازيل، دون استشارة لأهل الخبرة أو سفارات الدول الإسلامية المختلفة، مما يؤدي إلى خداع هذه المؤسسات وذهاب أموال المتبرعين سدى أو في غير الطريق الذي رصدت من أجله مما قد يؤدي لمضاعفات مستقبلية تضر بالمجتمع المسلم في البرازيل.

ماذا عن الجاليات المسلمة؟

إنّ أهم الأزمات التي تواجه الجاليات المسلمة المجاهدة للحفاظ على هويتها في هذا الخضم المادي، هو انصراف الكثير من المؤسسات للعمل بشكل انفرادي وبالتعالي على غيرها من المؤسسات العاملة، وانتهاج أساليب السيطرة والإقصاء للآخر، وهذه الأمور تشكل أزمات تؤدي لتفسّخ المجتمع المسلم، وضياع الكثير من الجهود المبذولة.

وبالنسبة إلى ذوبان المهاجرين المسلمين في دول أمريكا اللاتينية، ما هي الكيفية التي تقاومون بها ابتعادهم عن أصولهم؟

ذوبان المهاجرين في دول أمريكا اللاتينية يعود سببه لعدم وجود مؤسسات قوية ترعى المجتمع المسلم وتهيئ له مقومات وجوده وحفاظه على هويته، وللتغلب على هذه المشكلة نقوم بزيادة الوعي داخل المجتمع المسلم وزيارة أبناء المسلمين وربطهم بالمساجد، وتحفيز الجالية لإنشاء المزيد من المدارس والمحاضن التربوية، واستنهاض الهمم لجمع المسلمين في مناسبات مختلفة لزيادة ترابطهم وتواصلهم المستمر مع أصولهم الدينية والثقافية.

هل تنعكس الأوضاع في الوطن العربي على عمل الدعاة في أمريكا اللاتينية؟

للأسف فالمشاكل السياسية في الوطن العربي تلقي بظلالها على مسيرة العمل الدعوي في دولة البرازيل، لكنها لا تعرقل مسيرة العمل، إذ يمثل البعد الجغرافي عاملاً أساسياً على ضعف تأثير تلك المشاكل، والذي يشغلنا هو الخوف من هجرة بعض العناصر المتشددة بحثاً عن ملاذات آمنة وقيامهم بالإساءة إلى المسلمين أو مؤسساتهم من خلال بعض الممارسات التي تضر بالمصلحة العامة للمسلمين وتعرض وجودهم للخطر.

تأسس الوجود الدعوي في البرازيل

كيف تأسس الوجود الدعوي خلال العشر سنوات الأخيرة؟

لا نستطيع القول إنّ الوجود الدعوي في البرازيل قد تأسس خلال العشر سنوات الأخيرة، فقد كان لوصول الشيخ الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل مبعوثاً لوزارة الأوقاف المصرية لمسجد البرازيل العام 1956 أثر عظيم في التأسيس للوجود الدعوي حيث استطاع أن ينتهي من بناء مسجد البرازيل بدعم من جمهورية مصر العربية، وأن يؤسس المدرسة الإسلامية البرازيلية بضاحية "فيلا كارون"، والمقبرة الإسلامية في ضاحية "غواروليوس"، ونادياً اجتماعياً في ضاحية "سانتو أمارو" للقاء العائلات المسلمة.

وقام الشيخ عبد الشكور بتربية أبناء المجتمع المسلم والذين قادوا كبرى المؤسسات الإسلامية بعد ذلك، منهم الحاج حسين الزغبي رحمه الله، مؤسس اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، والأستاذ سمير الحايك صاحب أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية، والدكتور حلمي نصر صاحب ترجمة معاني القرآن باللغة البرتغالية المعتمدة من مطبعة الملك فهد، والأستاذ عز الدين البعلبكي مؤسس مجلة الرسالة وله الكثير من الكتب حول الإسلام في البرازيل.

يتحكم بعض المتنفذين مالياً في بعض المؤسسات الدعوية وبعضهم لا يفقهون أصول الدعوة ومبادئها

ويعود للدكتور عبد الشكور كامل الفضل في انعقاد أول مؤتمر إسلامي بأمريكا اللاتينية العام 1970، الذي حضره وزير الأوقاف وشؤون الأزهر الدكتور عبد العزيز كامل، وفضيلة الشيخ محمد بن ناصر العبودي، نائب الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي.

ويعتبر هذا المؤتمر علامة تحول كبيرة في تاريخ الوجود الدعوي داخل البرازيل، حيث قامت المملكة العربية السعودية بإرسال الدعاة، وكان أول من تم ابتعاثه الشيخ أحمد صالح محايري، عميد دعاة البرازيل، أطال الله عمره، حيث قام بمجهود طيب وزيارات متتالية لكثير من تجمعات المسلمين أسفرت عن تبني المملكة بمساعدة الجالية المسلمة في البرازيل في بناء الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية.

وأرض البرازيل واسعة وكذلك أعداد المسلمين الذين يتوزعون على الولايات البرازيلية المختلفة، ونستطيع تشبيه العمل الدعوي فيها بالمطر الخفيف الذي ينزل على الأرض القاحلة، فمهما قدمت من أعمال دعوية فالبرازيل تحتاج إلى المزيد.

ويزداد معدل انتشار الإسلام في البرازيل يوماً بعد يوم، وإن كان أقل كثيراً مقارنة بأوروبا وأمريكا، ويمثل المسلمون الجدد شرائح اجتماعية مختلفة فمنهم الأغنياء ومتوسطو الدخل والفقراء، وبعضهم يحتل مناصب عالية كبعض القساوسة الذين أسلموا، ومدرسي الجامعات، والتجار، ومنهم أصحاب الثقافة المحدودة، ويتحرك المسلمون الجدد في الدعوة بشكلٍ مرضٍ على وجه العموم، وبعضهم نشط جداً، ودفعهم هذا النشاط للسفر إلى بعض الدول الإسلامية لدراسة العلوم الإسلامية، لكنهم لم يستمروا طويلاً لأسباب عديدة، منها صعوبة البيئة واختلافها، وصعوبة المناهج وطرق التدريس، وصرامة بعض الجامعات في التعامل مع الطلاب.

 وتعاني نسبة من هؤلاء المسلمين نوعاً من التهميش وعدم الاهتمام، بل والتمييز العنصري في المعاملة من بعض المؤسسات الإسلامية الموجودة على الساحة البرازيلية.

التعريف بالإسلام

كيف تصف ارتباط المؤسسات الدعوية لديكم بالأزهر الشريف؟

أهم أدبيات المجلس هو اعتماد الأزهر الشريف مرجعية، وكان من أولويات الإدارة الجديدة التي تسلمت رئاستها التواصل مع الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر لزيادة هذا التنسيق والتعاون وستكون هناك آفاق للعمل المستقبلي تنفع المجتمع المسلم في البرازيل.

وتوجد بروتوكولات تعاون لاتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل مع بعض المؤسسات التابعة للأزهر الشريف وكان من ثمراته القيام بترجمة كتب دينية إلى اللغة البرتغالية خلال العام الماضي، ويوجد مبعوث للأزهر الشريف لمسجد مدينة كامبو جراندي، ومبعوث آخر لمسجد البرازيل.

كيف يتعامل المحيط الاجتماعي مع الجاليات المسلمة؟

لا تعاني الأقلية المسلمة من ظاهرة الإسلاموفوبيا المنتشرة في أوروبا؛ فالشعب البرازيلي شعب مسالم وغير متعصب، والكثير منهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، والحكومة البرازيلية تعامل الأقلية المسلمة معاملة طيبة، ولا يوجد تفرقة بين الإسلام وغيره من الأديان؛ فالجميع سواسية أمام القانون.

يزداد معدل انتشار الإسلام في البرازيل يوماً بعد يوم وإن كان أقل كثيراً مقارنة بأوروبا وأمريكا

ولقد أصدرت الكثير من الولايات قانوناً لتكريم الدين الإسلامي في 12 أيار (مايو) من كل عام، ويتم الاحتفال في المجالس التشريعية رسمياً بهذا الأمر، وتم إصدار قانون بأحقية المرأة المسلمة في استخدام صورتها بالحجاب على الأوراق الرسمية، وتتضامن الدولة البرازيلية مع حقوق الشعب الفلسطيني وتحتفل بهذا الأمر سنوياً.

هل البرازيل لها خاصية محددة ساهمت في انتشار الإسلام بخلاف دول أمريكا الأخرى؟

نحن لا ننطلق في فلسفتنا لفهم الدعوة الإسلامية من مصطلح "نشر الإسلام"، فمهمتنا التعريف بالإسلام ونقل صورة صحيحة عن تعاليمه داخل المجتمع البرازيلي، وبلا شك أنّ خصوصية المجتمع البرازيلي من حيث التسامح وفتح المجال لكل الأديان للتعريف بها، يكون سبباً في تعرف أبناء البرازيلي على دين الإسلام واعتناق بعضهم لهذا الدين.

ما هو المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية الذي تتولى قيادته وما هي أهم الأدوار التي يقوم بها؟

المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في دولة البرازيل مقره في مدينة "ساو باولو"، وهو مؤسسة دينية مسجلة في وزارة العدل البرازيلية ومعترف بها داخلياً وخارجياً.

ويضم في عضويته علماء ومشايخ ودعاة أهل السنة والجماعة المتعاقدين محلياً، أو المبتعثين من وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويبلغ عددهم 60 شيخاً وداعية.

ويعتمد المجلس منهج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، متخذاً المرجعيات الإسلامية وفي مقدمتها الأزهر الشريف مرجعاً له، وحصناً آمناً للدعوة والدعاة في دولة البرازيل، ويبتعد بعداً تاماً عن السياسة والتحزب للجماعات المختلفة.

تأسس المجلس في 3/6/2005 بحضور جميع مشايخ ودعاة البرازيل من كافة الولايات البرازيلية، وقاموا بوضع النظام الأساسي وتم تسجيله قانونياً في وزارة العدل البرازيلية العام 2012.

ويهدف المجلس إلى توحيد المجتمع المسلم تحت مرجعية شرعية واحدة ناطقة باسمهم داخل البرازيل وخارجها ومعترف بها من قبل السلطات، والعمل على التقارب بين أئمة المؤسسات الإسلامية في البلاد ومساعدتهم، وتذليل العقبات التي يتعرضون لها، والدفاع عن حقوقهم، والعمل على توحيد الآراء الفقهية بين المشايخ والدعاة، وإصدار البحوث والدراسات الشرعية التي تعالج الأمور المستجدة، وتحري الأهلة، والعناية بالكتاب الإسلامي والترجمة للغة البرتغالية، والتصديق الشرعي عليها، ووضع الخطط والبرامج الدعوية بما يتناسب مع وسطية الإسلام، إنشاء صندوق للزكاة والوقف الإسلامي.

تعاني الأقلية المسلمة من ظاهرة الإسلاموفوبيا المنتشرة في أوروبا والبرازيليون شعب مسالم وغير متعصب

لهذا اتخذ المجلس بعض الوسائل التي تساهم في تحقيق تلك الأهداف، منها تسمية لجان شرعية مؤهلة لتلبية الحاجات المختلفة للجالية المسلمة، وإنشاء موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، وإصدار النشرات والمطويات، وإقامة دورات شرعية وإدارية لتأهيل المشايخ والدعاة، والتواصل بالمجامع الفقهية المختلفة في العالم والاستفادة من خبراتها، واعتماد واستقبال المشايخ والدعاة.

ويعتمد المجلس في تنفيذ أهدافه على اشتراكات الأعضاء، والزكاة، والهبات والمساعدات غير المشروطة.

ماذا عن تأهيل الكوادر الدعوية وقلة أعدادهم وكيف ستواجهون ذلك مستقبلياً؟

هذا أمر هام جداً، وهو هدف استراتيجي من أهداف المجلس، ونقوم بالتعاون مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف المصرية بعمل دورات لتأهيل الدعاة بشكل مستمر، وقد شهد العام الماضي إنجاز دورتين مع وزارة الأوقاف المصرية، ونشكر وزير الأوقاف بجمهورية مصر العربية على هذه الرعاية لواقعنا الدعوي، وقلة أعداد الدعاة إذا حدث مستقبلاً فيمكن للمجلس العمل على تعيين بعضهم ممن انصرفوا للتجارة وتفريغهم للدعوة، أو من خلال التعاقد مع المؤسسات الدينية الخارجية الموثوقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية