رحيل المشاكس رياض نجيب الريس: كورونا يكمل مشهد الموت الطويل

رحيل المشاكس رياض نجيب الريس: كورونا يكمل مشهد الموت الطويل


28/09/2020

برحيل الكاتب والصحفي والناشر السوري رياض نجيب الريس، عن عمر يناهز 83 عاماً في بيروت، أول من أمس، ينقضي ما يشبه عهداً كاملاً من الكتابة والإثارة، والخروج الدائم على النص. وبرحيله نتيجة مضاعفات إصابته بــ "كوفيد 19"، تكتمل مشهدية الإثارة في حياة هذا الرجل الذي عانى في الأعوام الأخيرة من حياته من فشل كلوي.

المؤرخ اللبناني خالد زيادة لـ"حفريات": رياض الريس كان معاصراً وعارفاً بأمور سوريا ولبنان والعالم العربي، وحين أسس دار النشر فتح أبوابها وصفحات مجلة "الناقد" للشباب وللأفكار المشاكسة

رياض نجيب الريس؛ هو ابن الصحفي والمناضل السياسي السوري، نجيب الريس (1898 - 1952)، الذي أسّس صحيفة "القبس" السورية، عام 1928، والتي تعدّ أول صحيفة مستقلة في سوريا.

سار رياض على خطى أبيه، وعمل صحفياً، وكان من أبرز محطات حياته حين عمل مراسلاً حربياً في فيتنام، عام 1966، لصالح صحيفة "الحياة" اللبنانية، التي كان يرأسها مؤسسها، كامل مروة، الذي سيتم اغتياله في العام نفسه، ليكمل بعدها عمله كمراسل حربي مع غسان تويني في صحيفة "النهار".

العمل في "الحياة"

في لقاء تلفزيوني، عام 1997، مع رياض الريس، يروي حكاية بداية عمله في صحيفة "الحياة"، وعلاقته بكامل مروة، حيث يقول إنّ كامل مروة طلب منه الكتابة في قسم "الشؤون العربية والدولية"، وكلّفه بكتابة تعليق (مقال) يومي في الصحيفة، وقال كامل مروة لرياض: "إذا قرأت أنا التعليق قبل ما يروح على المطبعة بتقدم استقالتك وبتمشي... أنا بقرأه بعد ما يتنشر بالجريدة... ومن حقي قول لك هي منيحة وهي مو منيحة وعاتبك...".

كامل مروة

بعدها سيسافر رياض إلى اليمن، أيام الحرب بين الجمهوريين والملكيين، ثمّ سيغطي الأحداث السياسية في منطقة الخليج، كما غطى رياض الانقلاب العسكري في اليونان، عام 1967، وسيكون أول صحفي عربي يصل إلى براغ، التي دخل إليها بعد الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا، في آب (أغسطس) 1968.

اقرأ أيضاً: وفاة الفنان حمدي بناني متأثراً بكورونا.. ماذا تعرف عن شيخ أغنية المالوف في الجزائر؟

عند بداية الحرب الأهلية اللبنانية، سيغادر رياض الريس لبنان متجهاً إلى لندن، وفي عام 1977 سينشئ صحيفة "المنار"، التي تعدّ أول صحيفة عربية تصدر في أوروبا، وفي عام 1986 سيؤسّس "شركة رياض الريس للكتب والنشر"، وفي 1988 مجلة "الناقد"، التي ستواصل صدورها حتى عام 1995، وفي عام 2000 مجلة "النقاد"، التي ستواصل صدورها حتى عام 2003.

"غسيل الكِلى السوري"

عام 2016؛ ستنشر مجلة "بدايات" الفصلية، في العدد 13، مقالاً لرياض الريس تحت عنوان "غسيل الكِلى السوري"، يروي رياض من خلاله مفارقة إصابته بفشل كلوي بالتزامن مع قيام الثورة السورية: "عندما بدأت الثورة في سوريا، تعطّلتْ كليتاي. كان ذلك في الأسبوع الأول من أحداث درعا، أُدخِلتُ إلى المستشفى، وكان تشخيص الحالة بسيطاً من الناحية البيولوجية، أو قل "غير فريد طبياً"، إنني أعاني من فشل كلوي، فِلتِرا جسمي الاثنان توقّفا عن العمل".

اقرأ أيضاً: وفاة الممثل السعودي محمد حمزة.. تعرّف على أشهر أعماله

ولعلّ هذا المقال أشبه بمرثية وداع مبكرة إلى سوريا التي تقاطعت انتفاضتها مع بداية رحلته مع المرض، حتى أنّه، وهو الصحفي الذي غطى حروب العالم في شبابه، سيجلس مقعداً يراقب ما يحدث في بلاده: "لقد طاردتني الصحافة وطردتني، وأنا بدوري لم أكفّ عن مطاردتها، إلى أن كان سلامٌ بيني وبينها، عندما غادرتها عام ٢٠٠٠، غير نادم، ولم أكن الكاتب الذي ينظر بعين الحسرة إلى مهنة في أوج تألقها، لقد تركت الجسم الصحفي عندما كان مريضاً فيما أنا بصحة جيدة، أما الآن فأشعر بأنني في حاجة لأن أكون صحفياً دون أن أستطيع".

اقرأ أيضاً: وفاة الفنانة ثريا جبران.. تعرّف على أول وزيرة فنانة في المغرب

ويضيف: "أشعر بأنّ سوريا، كلّ سوريا، تمرّ في النهر من أمامي، وليس بمقدوري أن أعايش راهنها كصحفي، وليس أمامي إلا أن أكتفي بما حفِظَتْه ذاكرتي، لقد أزيلت أماكن وهدمت معالم، وتوارى عن المشهد أناس عرفتهم ملياً، باتت سوريا مختزلة، كما لو أنّ ما يحدث في بلادي أتى ليكمل مشهد الموت الطويل الذي خبرته منذ كنت طفلاً، "موت الآخرين فيّ".

الرجل المضياف الضاحك

وعن رحيل رياض الريس، قال المؤرخ والباحث اللبناني، خالد زيادة، لـ "حفريات": "في كلّ مرة أزور فيها رياض نجيب الريس في مكتبه، كانت تحضرني أفكار كثيرة حول هذا الرجل المضياف الضاحك، الذي يمزج المزاح بالجدّ، والذي إذا ما سألته سؤالاً حول قضية ما؛ يأخذ سؤالك بكلّ جدّية، ويجيب بكلّ علم وصراحة واختصار".

حمل الريس سوريا في وجدانه، ورافقته في كلّ أسفاره وارتحاله، وكان مصرّاً على أن يذكّر الناس باسم أبيه: نجيب الريس، المناضل، وأحد رجالات الحركة الوطنية

وأضاف: "احتجت لبعض الوقت لأفهم الرجل اللبنانيّ الإقامة، والدمشقيّ الولادة والنشأة، وبالرغم من كونه لم يمضِ سوى أعوام صباه المبكر في مدينته وكنف والده، الذي تركه في سنّ الخامسة عشر، إلا أنّه لم يغادر تلك السنين، ولم تغادره صورة الأب أو اسمه، لقد حمل سوريا نهاية أربعينيات القرن الماضي في وجدانه، ورافقته في كلّ أسفاره وارتحاله، كان مصرّاً على أن يذكّر الناس باسم أبيه: نجيب الريس، المناضل، وأحد رجالات الحركة الوطنية، والكاتب الصحفي ومؤسس صحيفة "القبس"، التي بدأ رياض مهنته الصحفية فيها، وعدّ نفسه وريثاً لمهنة أبيه والمتابع لتراثه، وحين أتيح له نشر أعمال والده في مجلدات أنيقة وفاءً لذكراه".

اقرأ أيضاً: مثقفون عرب يشيّعون فايز الصيّاغ: خسارة كبيرة للمعرفة

ويتابع زيادة: "كان رياض الريس ينتمي إلى تلك الفترة التي عاش فيها أعوامه المبكرة، وهي التي احتفظ بها في وجدانه، سوريا والده والفترة الاستقلالية قبل أن تحتلها الانقلابات العسكرية. ورغم مغادرته دمشق تلميذاً لمتابعة دراسته في لبنان إلا أنّه لم يغادر تلك الأعوام الزاهية والواعدة، حتى أنّه كان يبدو لمن لا يعرفونه حقّ المعرفة رجلاً من الماضي".

الصبي الشامي المشاكس

كان رياض الريس، كما يقول زيادة، "معاصراً ومتابعاً وعارفاً بأمور سوريا ولبنان والعالم العربي، وحين أسس دار النشر فتح أبوابها وصفحات مجلة "الناقد" للشباب من الكتّاب والشعراء، وللأفكار الشابة والناقدة، مدركاً أهمية إتاحة الفرص للجيل الجديد، وفي قرارة نفس ذلك الصبي الشامي المشاكس، لا يريد أن ينسى سوريا النضال والرجال والعروبة".

اقرأ أيضاً: وفاة الفنان إبراهيم الشرقاوي.. ماذا تعرف عن بطل "الحرافيش"؟

أما الروائي المصري، يوسف رخا، فيحكي بداية تعرّفه إلى رياض الريس: "في قصة تبدو الآن أقرب إلى الأساطير المؤسِّسة منها إلى السيرة الذاتية، كان مقرّراً أن أكتب للشاعر والروائي المصري، علاء خالد، محرر مجلة "أمكنة" السكندرية، نصاً قصيراً عن أولى زياراتي لبيروت (ودمشق أيضاً)، وكان ذلك في أعقاب مقتل رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان. أثناء فعاليات الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية، في نيسان (أبريل) ٢٠٠٥، لم أكن قد كتبتُ نصاً أدبياً أطول من بضعة أسطر، منذ صدرت مجموعتي القصصية الأولى "أزهار الشمس"، عام ١٩٩٩، كانت أجواء الأدب والثقافة في القاهرة محبطة جداً، وأنا مشغول بعملي الصحفي باللغة الإنجليزية".

كان من أبرز محطات حياة الريس حين عمل مراسلاً حربياً في فيتنام

ويتابع رخا: "لكنّ الذي حصل أنّني تأثرت لدرجة أنّي كتبت نصاً أطول بكثير من المقرر، شعرتُ أنّي أستردّ به روحي كأديب، وفعلاً لم أنقطع بعده عن الكتابة بالعربية حتى عام ٢٠١٦، كنت قد التقطت صوراً للمدينة أيضاً، وحين عدتُ ضغطت على المرحوم محيي اللباد، الذي أُعجب بالنصّ والصور، حتى صمّم لي، بلا مقابل، غلاف كتاب "بيروت شي محل" فصدر تحت شعار "أمكنة" عام ٢٠٠٦".

بينما كنت أعبر شارعاً مشمساً

وأضاف: "عندما أتبعت تجربة كتابتي عن بيروت، بكتابة أخرى عن تونس، وأصبح عندي نصّ ثانٍ للنشر، أرسلتُ نسخة من "بيروت شي محل" مع المخطوطة، ورسالة تشرح ما أعمله في حياتي إلى دار رياض الريس، وأنا لا أعرف أنّ رياض الريس ذاك شخص حيّ، وبعد شهر أو أكثر، بينما كنت أعبر شارعاً مشمساً في وسط البلد، فوجئت بلهجة دمشقية محشرجة في سماعة محمولي تقول "أنا رياض الريس"، وكان ذلك أوّل انتصار أدبي في حياتي، بلا وساطة أو سابق معرفة".

اقرأ أيضاً: الموت يُغيّب الكاتب العراقي عادل كاظم.. ماذا تعرف عنه؟

ويختم رخا حديثه بالقول: "رياض الريس ألّف عنوان النص الثاني "بورقيبة على مضض"، ونشر الثالث "شمال القاهرة غرب الفلبين؛ أسفار في العالم العربي"، ثم لم ينقطع عن دعمي حتى اخترت أن أنشر أولى رواياتي عند دار "الشروق".. مع السلامة يا أستاذ!".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية