رحيل غامض للرئيس التشادي يضع البلاد على صفيح ساخن

رحيل غامض للرئيس التشادي يضع البلاد على صفيح ساخن


24/04/2021

لم يكد الرئيس التشادي، إدريس ديبي، يهنأ بإعلان فوزه المتوقع بولاية رئاسية سادسة، حتى دخلت بعض قوى المعارضة المسلحة من الشمال، وسيطرت في غضون أيام على مساحات شاسعة، ليخرج ديبي على رأس قواته للتصدي لهم، ويصاب في ظروف غامضة، تؤدي إلى وفاته لاحقاً.

والغريب أنّ هجوم المعارضة المسلحة ليس الأول من نوعه، فالبلاد لها تاريخ طويل من التمرد المسلح ضدّ ديبي، ومن قبله، وكان النصر حليفه في كلّ مرة، طالما حاز على دعم حليفته فرنسا، وهو ما يثير تساؤلات عدّة حول الظروف الدولية لمقتل ديبي؛ فتشاد، مثل معظم دول القارة الأفريقية، لا يحدث شيء داخلها دون وجود أيادٍ خارجية.

رحيل ديبي

أعلن التلفزيون الوطني التشادي وفاة الرئيس إدريس ديبي إيتنو، صباح الثلاثاء، 19 من الشهر الجاري، متأثراً بإصابته أثناء قيادته المعارك ضدّ قوات جبهة التناوب والوفاق في تشاد (فاكت)، التي هاجمت شمال البلاد، في الثاني عشر الماضي، انطلاقاً من قواعدها الخلفية في ليبيا.

وكان الجيش أعلن تحقيق انتصارات كبيرة على المتمردين، في اليوم السابق لوفاة ديبي، وأكد مقتل أكثر من 300 متمرّد، إضافة إلى مقتل خمسة جنود في القتال، قبل أن تهدأ حدة القتال.

محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس العسكري الانتقالي الجديد

وأعلن الجيش تشكيل "المجلس العسكري الانتقالي" برئاسة محمد إدريس ديبي (37 عاماً)، وأكّد على "الاستقلال الوطني وسلامة الأراضي والوحدة الوطنية واحترام المعاهدات والاتفاقات الدولية، ومرحلة انتقالية مدتها 18 شهراً، تجري بعدها انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة"، إلى جانب؛  حلّ البرلمان والحكومة، وفرض حظر تجوّل وإغلاق الحدود البرية والجوية للبلاد.

ووفق جريدة "أنجمينا الجديدة" التشادية، تحشد القوات الحكومية قواتها في العاصمة، التي تقع في أقصى جنوب غرب البلاد، بينما تستعد المعارضة المسلحة للتوغل جنوباً.

يخشى ساسة تشاديون من التمرد المسلح الحالي، بسبب الأطماع الشخصية لقيادات التمرد، كما أنّ ديبي نفسه في وقت ما كان قائداً للتمرد

وذكر الصحفي التشادي، علي موسى علي، لـ "حفريات"؛ أنّ المعارضة المسلحة كانت بحوزتها أسلحة حديثة، وتمكنت من إلحاق أضرار كبيرة بالقوات الحكومية، وقتلت عدداً كبيراً من كبار الضباط، إلى جانب إصابة الرئيس ديبي ثم وفاته، في ظروف غامضة.

وأضاف: "الغموض سيد الموقف، فالمعارضة السياسية الداخلية لم تصدر بيانات توضح موقفها، وكذا لا حديث أو ظهور للمعارض السياسي والعسكري البارز، يحيى ديلو، الذي اشتبك الجيش مع أنصاره الشهر الماضي، في العاصمة".

وقال الصحفي السوداني، عبد القادر الحيمي، إنّ الرئيس ديبي لم يتمّ اغتياله، لكنّه لقي مصرعه في جبهة القتال، وأطّلع الحيمي "حفريات" على فيديو وصور لديبي بعد مقتله تبيّن تلقيه رصاصتين في الصدر والوجه، ما يؤكد، بحسب الحيمي، أنّه لقي مصرعه في القتال.

المعارضة المسلحة

وفي مطلع العام 2008؛ تمكّن تمرّد عسكري من دخول العاصمة أنجمينا، ونجح إيبي في التصدي له بعد تدخل فرنسي، وتكرر الأمر عام 2019، عندما قصفت فرنسا قوات المعارضة المسلحة التي دخلت شمال البلاد، قادمة من جنوب ليبيا.

وذكرت وسائل إعلام تشادية أنّ جبهة فاكت انطلقت من قاعدة الجفرة الليبية، التي يسيطر عليها الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، لكن رغم شيوع هذا الزعم، نفت مصادر ليبية لـ "حفريات" ذلك.

تنتشر حركات التمرد المسلح في تشاد

وقال المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، إنّ "المرتزقة التشاديين كانوا موجودين في محاور جنوب طرابلس يقاتلون إلى جانب الميليشيات ضدّ القوات المسلحة، تحديداً في مناطق العزيزية والسواني وأغلبهم تحت إشراف الميليشياوي المعروف "أسامة الجويلي"، إضافة لتمدّد المرتزقة التشاديين في الصحراء المترامية الأطراف بالجنوب الليبي، وتحديداً بمنطقة أم الأرانب ومدينة مرزق، وبعضهم من تبو إقليم أوزو التشادي، فتعاونوا مع بعض التبو الليبيين وجعلوا مرزق قاعدة انطلاق لهم".

وذكر قشوط، لـ "حفريات"؛ أنّ "المرتزقة التشاديين لديهم تواصل وثيق مع إيطاليا، وبعض قادتهم موجودون في تركيا،  وأبرزهم المدعو " حسن موسى".

الصحفي السوداني عبد القادر الحيمي لـ "حفريات": الرئيس ديبي لم يتمّ اغتياله، لكنّه لقي مصرعه في جبهة القتال بعد تلقيه رصاصتين في الصدر والوجه

وليست جبهة فاكت هي المعارضة المسلحة الوحيدة، بل هي الأحدث في البلاد صاحبة التاريخ الطويل في التمرد العسكري، منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، عام 1960، وكان الرئيس ديبي وصل إلى السلطة عبر تمرد مسلح، عام 1990، عندما قاد انقلاب عسكري ضدّ الرئيس من أصول عربية، حسين حبري.

وقال لـ "حفريات"، السياسي المعارض، البشير صالح عثمان سعيد؛ إنّ قوات المعارضة المسلحة المنضوية تحت اسم "التحالف الرباعي"، تستعد للتقدم نحو العاصمة أنجمينا.

وأردف سعيد بأنّ التحالف يضمّ مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية (CCMSR)، وجبهة الأمة من أجل الديمقراطية والعدالة بتشاد (FNDJT)، واتحاد حركات الديمقراطية والتقدم (UMDD)، والاتحاد الوطني من أجل التغيير (UNC)، ويسيطرون على مناطق واسعة في شمال تشاد، في منطقة تبيستي، وهم على تواصل مع جبهة فاكت، التي لم تنضم إليهم بعد".

وحذّر سعيد من مخاطر الانزلاق في الفوضى، بسبب وجود انقسامات حادة داخل قوى المعارضة، وكذلك داخل الجيش.

العامل الخارجي

والأمر المؤكد أنّ تحركات المعارضة جاءت بتنسيق مع قوى خارجية، كعادة جميع حركات التمرد المسلح في أفريقيا، فديبي نفسه كان مدعوماً من نظام الإنقاذ السابق في السودان.

المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط

ومن المستغرب سماح فرنسا لقوات المعارضة بدخول الأراضي التشادية، وهي التي قصفتهم عام 2019، ومنعت تقدّمهم، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول نوايا فرنسا، ويرى بعض المراقبين أنّها تريد استباق الاضطراب في البلاد بالتخلص من ديبي، وتصعيد وجه آخر يحمي مصالحها.

وتحدث المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، عن دور تركي إيطالي في الأحداث الأخيرة، وذكر أنّ "مقتل الرئيس التشادي كان أمراً مدبّراً ومخططاً له من مخابرات دولية، أبرزها الفرنسية.

اقرأ أيضاً: هل تورطت ميليشيات مدعومة من تركيا بمقتل الرئيس التشادي؟

وأضاف قشوط، ورغم التمدّد التركي والإيطالي ضدّ فرنسا في تشاد لكن "أتوقّع أنّ ما جرى اليوم كان للفرنسيين دور كبير فيه، بالتخلص من إدريس ديبي مقابل تفريغ الجنوب الليبي من المرتزقة التشاديين، بإعادتهم ومشاركتهم في الحكم بشكل يفوّت الفرصة على عملية استغلالهم ضدّ مصالحها مثلما كان يخطط الأتراك والطليان".

ويخشى ساسة تشاديون من التمرد المسلح الحالي، بسبب الأطماع الشخصية لقيادات التمرد، كما أنّ ديبي نفسه في وقت ما كان قائداً للتمرد، ورفع الشعارات الرنانة نفسها التي ترفعها جميع القوى المسلحة في البلاد.

المعارض السياسي التشادي، البشير صالح عثمان سعيد

ومن المرجح أن تؤثر الأحداث في تشاد على الأوضاع في دول الجوار، خصوصاً في ولايات غرب السودان، التي تتشارك في الامتداد السكاني، وترتبط قواها المسلحة بالوضع في تشاد، فقد كان ديبي أهم الداعمين لحركات التمرد المسلح في دارفور، إضافة إلى مخاوف من تفشي الإرهاب في منطقة الساحل، تأثراً بتراجع الدور التشادي في مكافحة الإرهاب بعد رحيل ديبي، الذي لعب دوراً قوياً في دعم أمن منطقة الساحل.

وربما يتخذ الصراع في تشاد منحنى قبلياً، حيث إنّ ديبي ابن قبائل الزغاوة ذات الأصول الأفريقية، والمعارضة التي تنتمي إلى قبائل عربية شمالية، منها قبيلة القرعان، لكنّ الصراع لا يتخذ بعداً قبلياً بشكل كبير كما كان بعيد الاستقلال عن فرنسا، فهناك معارضة قوية داخل قبيلة الزغاوة للرئيس الراحل ديبي، ومن بعده ابنه محمد، الذي تولى الحكم.

اقرأ أيضاً: هذا رد المجلس العسكري التشادي بعد مقتل الرئيس ديبي

وبحسب مصادر تشادية متعددة، كان الابن محمد، ورئيس المجلس العسكري الجديد هو من قاد هجوم الحرس الجمهوري على منزل المعارض البارز، يحيى ديلو، ابن عمة الرئيس ديبي، وتسبّب في مقتل والدة ديلو وعدد من أسرته، وعلى إثرها فرّ ديلو من العاصمة، ولم يُعرف بعد دوره في الأحداث، وإن كان من الوارد أن يكون له دور خلال الفترة القادمة، لما له من علاقات قوية واحترام كبير داخل الجيش.

وخلف الصراع السياسي تقف جملة من المصالح الاقتصادية الدولية، خصوصاً في قطاع النفط والتنقيب عن الذهب، وهو ما ستفصح عنه الأحداث المقبلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية