رسائل حسن البنا... بين إقرار العنف وممارسته

رسائل حسن البنا... بين إقرار العنف وممارسته


06/12/2021

منير أديب

لم يترك مؤسس تنظيم "الإخوان المسلمين" حسن البنا سوى بضع رسائل نستطيع من خلالها أن نقرأة ونقرأ تنظيمة الذي قارب عمره المئة عام، ولعل هذه الرسائل هي بمثابة الوثيقة الوحيدة التي يمكن أن نقرأ منها التنظيم، فقد كان البنا حريصاً على عدم تأليف الكتب، كما جاء في أدبيات التنظيم، وعندما سئل في ذلك قال: إنني مشغولٌ بتأليف القلوب (بناء الهيكل التنظيمي).

رسائل حسن البنا تم جمعها من أقواله ومؤتمراته التي عقدها في توقيتات محددة وأعلن من خلالها توجيه التنظيم (بعد مرور فترة زمنية) ناحية العنف أو تأكيده توجه التنظيم القديم إلى ممارسة العنف، وهنا تجدر الإشارة إلى رسالة المؤتمر الخامس الذي عقد في العام 1939 وأعلن من خلالها نية التنظيم دخول غمار السياسة، وأعلن نيته في المؤتمر نفسه إنشاء النظام الخاص أو الذراع العسكرية للجماعة، ثم دوّن أتباع "البنا" رسالته هذه التي مثلت إيذاناً بعهد جديد للتنظيم بعد مرور 10 سنوات على نشأته.

رسالة التعاليم من أخطر الرسائل التي دوّنها المؤسس حسن البنا، وتوجه بها إلى النظام الخاص للجماعة وذراعه العسكرية، ليس هذا فحسب، بل سحبها قادة التنظيم من بعده وقاموا بتعميمها على كل عموم "صف الإخوان المسلمين"، وهنا تحول تنظيم "الإخوان" بشقيه الدعوي والعسكري إلى تنظيم عسكري أو شبه عسكري، صحيح هناك من يمارس العنف وهناك أيضاً من يمارس الدعوة داخل التنظيم، ولكن من مارس الدعوة فقط ما زالت تنطلي أفكاره على العنف، وهو على استعداد لهذه الممارسة في أي لحظة، وهنا يمكن القول: "إن الأفكار التي طرحها حسن البنا كانت مسلحة".

لجأ حسن البنا إلى تقسيم التنظيم بين من يعملون في حقل الدعوة وبين من يعملون في حقل العنف، هذه اللفته الهدف منها هو التسويق بأن التنظيم لا علاقة له بالعنف، في محاولة للإيحاء بذلك أمام نخب المجتمع السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية حتى يتلافى التنظيم أي ضربات أمنية وفي الوقت نفسه يستفيد من فكرة المشاركة السياسية والمجتمعية، وقد نجح في ذلك لفترة ليست بالقصيرة قبل أن يدرك النّاس طبيعة التنظيم.

يقول البنا في رسالة التعاليم: "هذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء  الإخوان فقط أوجّه هذه الكلمات، وهي ليست دروساً تحفظ، ولكنها تعليمات تنفذ، فإلى العمل أيّها الإخوان الصادقون".

هذه مقدمة رسالة التعاليم وفيها يحدد حسن البنا المخاطب من هذه الرسالة عندما قال: "رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، أي أنها ليست لعموم التنظيم وإنما للنظام الخاص أو ذراع التنظيم العسكرية"، وهنا خصهم بكلمة "الإخوان المجاهدين"، فقام المرشد الخامس للتنظيم، مصطفى مشهور، بتعميم هذه الرسالة على كل عموم "صف الإخوان"، عندما تولى منصب المرشد العام لـ"الإخوان"، وكما هو معلوم فإن مشهور كان أحد صقور النظام الخاص وكان متهماً رئيسياً في قضية السيارة الجيب في العام 1948، التي حوت وثائق التنظيم، والتي أصدر رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي قراراً بحل التنظيم بعدها، انتهى بقتله.

يستطرد البنا في مقدمة رسالة التعاليم قائلاً: "أما غير هؤلاء فلهم دروس ومحاضرات وكتب ومقالات ومظاهر وإداريات، ولكل وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات، وكلاً وعد الله الحسنى"؛ وهذا تأكيد جديد لكون حسن البنا كان يقصد من رسالته قادة النظام الخاص أو الذراع العسكرية للجماعة، وهنا تبدو كارثة تعميم دراسة هذه الرسالة على كل عموم "صف الإخوان"، اذ خلق مرشدها تنظيماً عسكرياً، بمعنى سرّب أفكار العنف إلى كل التنظيم وليس إلى ممارسيه فقط.

لا يوجد جناح دعوي وآخر عسكري داخل تنظيم "الإخوان المسلمين"، ولكنّ هناك "إخوان مسلمين" تربوا على أفكار التنظيم، هذه الأفكار مسلحة وتدعوا الى استخدام العنف، صحيح هناك من يعمل داخل تنظيم "الإخوان" في الإداريات والعمل الدعوي، ولكن حتى هؤلاء لهم علاقة بالعنف، فكل ما استقوه يحوي أفكاراً عنيفه، هؤلاء هم رهان التحرك لممارسة العنف الجنائي في أي وقت.

أجمل المؤسس الأول دعوته في خمس كلمات باتت شعار التنظيم في كل مكان (الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن شرعتنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، نلحظ في هذه الكلمات الحض على استخدام العنف تحت مسمى الجهاد كعادة كل جماعات العنف والتطرف التي خلطت بين العنف ومفهوم الجهاد، فهم أبعد ما يكونون عنه، وهو دليل جديد على أن هذه الرسالة كتبت للذراع العسكرية للجماعة وليس لعموم "الإخوان"، أما وأن كل أعضاء التنظيم درسها وتدارسها فيمكن القول إن التنظيم بأعضائه جميعاً تنظيم عسكري.

عرض المؤسس البنا أركان البيعة العشرة التي بدأها بالفهم وأنهاها بالثقة وجعل ما بينهما الإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوَّة، العجيب أنه وقف كثيراً أمام أول ركن من أركان البيعة العشرة وهو الفهم وجعل له أصولاً عشرين، ما زالت هذه الأصول تُدرس لكل عموم "صف الإخوان" وما زالت هي التي تُشكل عقل التنظيم ووجدانه، ولك أن تتخيل أن مؤسس التنظيم الذي راوغ في بلوغ أهدافه والذي أنشأ الذراع العسكرية للجماعة هو من جعل هذه الأركان والأصول لأعضاء النظام الخاص والذراع العسكرية للجماعة، فقام من بعده بتعميمها على كل عموم التنظيم، فهذه هي صورة التنظيم وهذه هي تحولاته.

ولك أن تتخيل أن البنا وضع أركاناً للبيعة ابتدأها بالفهم وجعل للفهم أصولاً عشرين، هي التي تشكل فهم "الإخوان المسلمين" للإسلام وختم أركان البيعة بالثقة، أي ثقة أعضاء التنظيم بقياداتهم، وهنا استطاع أن يربط التنظيم بحزام الفكر (ضمانة أن يفكر الجميع بمنطق واحد وفق نظرية القوالب) وبضمانة الثقة بحيث لا يخرج الأعضاء والأتباع على قيادة التنظيم.

عندما طرج حسن البنا الثقة كان يقصد الثقة العمياء التي لا يمكن أن يخترقها شك أو يتسلل إليها نقاش قد يحدث شقاً في صف "الإخوان"، وصف ورد في أدبياته اذ يعتبر التنظيم نفسه صفاً واحداً، لا أحد يخرج منه أو عليه فهو صف واحد.

يربي "الإخوان" أتباعهم على الثقة في بدايات الدعوة الأولى، كما ورد في كتاب "الرشاد"، الثقة بأن يكون "الأخ" بين يدي مسؤوله كما يكون الميت بين يدي مغسله، فأي ثقة يقصدها حسن البنا غير الثقة العمياء التي لا يخرج فيها عضو الجماعة عن القيادة مهما كان.

نحن نتحدث عن تنظيم عسكري لا يمكن أن يعارض فيه الأعضاء القيادة فضلاً عن الخروج عليه، وهنا يتنافى لفظ المرشد ودوره مع فكرة السمع والطاعة العمياء، وهنا يمكن القول إن خطر تنظيم "الإخوان المسلمين" إنهم صنعوا عزلة لأعضائهم بهذه الأركان والأصول، كما أنهم قاموا بإنزال صفات التنظيمات العسكرية على تنظيمهم فصنعوا تنظيماً عسكرياً خليطاً.

تعاليم حسن البنا أقرت العنف وأكدته في كل رسائله التي كتبها أو كتبت عنه وحفظت بمعرفته ولم يشكك فيها "الإخوان"، فكانت شرطًا للعضوية، فلا تصح عضوية أي من أفراد "الإخوان المسلمين" إلا إذا درس هذه الأفكار وتشربها فكانت جزءاً منه وكان جزءاً منها.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية