رفضت تغيير مقعدها في السينما فصارت أيقونة لمحاربة التمييز العرقي في كندا

كندا

رفضت تغيير مقعدها في السينما فصارت أيقونة لمحاربة التمييز العرقي في كندا


21/02/2019

سبقت الكندية، فيولا ديزموند، نظيرتها ناشطة الحقوق المدنية الأمريكية، روزا باركس، بتسعة أعوام، حين قامت في العام 1946، بزلزلة أسوار التمييز والتفرقة العرقية، القائمة على أساس لون البشرة في كندا في ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: "الهنود الحمر": ما قصة التمييز الذي يعانيه سكان كندا الأصليون؟
أبت ديزموند، في أمسية شتوية من ذلك العام، أن تبرح مقعدها المخصص لرواد السينما من ذوي البشرة البيضاء، في سينما محلية في مدينة نيو غلاسكو، في مقاطعة نوفا سكوشا الكندية، لكنّ إدارة المسرح استدعت الشرطة المحلية، التي أخرجتها سحباً من تلابيبها الى خارج دار السينما؛ بل وسجنتها طوال تلك الليلة في مركز الشرطة المحلية، وأجبرتها على دفع غرامة لخرقها قواعد التمييز بين الأعراق في دار السينما.

اعتُبرت فيولا ديزموند أيقونة كندية وأمريكية في المطالبة بالحقوق المدنية للسود

وكانت فيولا ديزموند، سيدة أعمال سوداء من مدينة هاليفاكس، في نفس المقاطعة، وتعمل في تجارة المواد التجميلية، وقد توقفت في مدينة نيو غلاسكو المجاورة للترويج لمستحضرات تجميل استوردتها من الولايات المتحدة، لكن سيارتها تعطلت، وطلب منها فني تصليح السيارات أن تمهله إلى اليوم التالي، كي يتم إصلاح سيارتها، وذهبت لفندق محلي لقضاء تلك الليلة، لكنّها رغبت بمشاهدة فيلم في السينما المجاورة، ودخلت القسم المخصص للكنديين البيض في المسرح،  لكنّ إدارة ذلك المسرح أجبرتها على الخروج من السينما بطريقة مهينة، مما دفع "فيولا" للتقدم بعد أيام من الحادثة بشكوى في محكمة محلية في مدينة هاليفاكس، لكنّ المحكمة تحيزت لأصحاب السينما من البيض، ولم تجرّمهم، بحجة أنّ فيولا أخذت تذكرة لمقاعد السود في السينما، لكنّها  ذهبت إلى قاعة الرواد البيض، التي تزيد نسبة الضريبة فيها بـ  5 سنتات.

اقرأ أيضاً: هل تنجح أوروبا في مكافحة التمييز وجرائم الكراهية ضدّ المسلمين؟!
أحست السيدة ديزموند وعائلتها بأنّ المحكمة في مدينتها لم تنصفها، فتوجهت لمدينة مونتريال، في مقاطعة كيبيك الكندية المجاورة، وتقدمت بشكوى للمحكمة هناك، والتي لم تنصفها أيضاً، ولم ترد لها كرامتها التي هدرت بسبب لون بشرتها، وفقدت فيولا عندها الثقة بالعدالة الكندية، وهاجرت تاركة بلدها كندا إلى الأبد، واستقرت في مدينة نيويورك الأمريكية إلى أن وافتها المنية في الغربة عام 1965.

وقد قامت شقيقتها، واندا روبسون، عام 2010، بطلب إعادة الاعتبار لشقيقتها فيولا، وهنا قامت حكومة مقاطعة نوفاسكوشا، بالتعاون مع الحكومة الكندية، بتقديم اعتذار رسمي على لسان حاكم الولاية لـفيولا ديزموند، بعد 45 عاماً من وفاتها، وخصص الأول من شهر شباط (فبراير)، كيوم ذكرى لجهودها في إنهاء التمييز العرقي، في هذه المقاطعة وفي عموم كندا.

اقرأ أيضاً: تقلّد المناصب: هل تنظر الأديان بعين التمييز بين الرجل والمرأة؟
وأعلن بنك كندا، عام 2018، أنّه أطلق تصميماً جديداً لورقة 10 دولارات النقدية، وكان التصميم يحتوي على صورة لـفيولا ديزموند، وصرّح الناطق باسم البنك أنّ هذا الإصدار دلالة على اعتراف الحكومة الكندية بجهود السيدة ديزموند في مجال الحقوق المدنية، التي قادت بعد ذلك لإعطاء حقوق مساوية للكنديين السود، كمثل أقرانهم من الأعراق الأخرى.

صورة لورقة عشر دولارات الكندية الجديدة وعليها صورة فيولا ديزموند

تأثير ديزموند في الحياة الكندية الحديثة
بعد أن ردّت الحكومة الكندية الاعتبار لناشطة حقوق السود الكنديين السيدة فيولا ديزموند، عام 2010، انطلقت نشاطات كثيرة وبمساهمات من أفراد وجمعيات، حقوقية وتربوية وفنية كندية، لخلق ثقافة مدنية شاملة، تستلهم من مواقف الراحلة ديزموند خطط عمل للقضاء على أيّة مظاهر للعنصرية على أساس العرق واللون في مناحي الحياة الكندية كافة.

أسست جامعة "كيب برتون" الكندية كرسي بحث، أطلقت عليه "كرسي فيولا ديزموند لدراسات العدالة الاجتماعية"

وقد حصل معلم من مقاطعة نوفا سكوشا، في شهر كانون الثاني (يناير) عام 2019، على جائزة من الحاكم العام لكندا، لاقتراحه بناء تمثال للسيدة فيولا ديزموند، وليتوسط ذلك التمثال ثلاث شخصيات مناضلة في تاريخ تلك المقاطعة، مؤكداً دور الأقلية النوفاسكوشية السوداء في تطور ونهضة تلك المقاطعة الكندية.
كما وأسست جامعة "كيب برتون" في هذه المقاطعة كرسي بحث، أطلقت عليه "كرسي فيولا ديزموند لدراسات العدالة الاجتماعية"، ورصدت له منحة دراسية لتشجيع الطلاب على البحث العلمي في مجالات حقوق الأقليات والأعراق في الديار الكندية.
وتكريماً لجهودها في إلغاء التفرقة العنصرية؛ قام البريد الكندي، عام 2012، بإصدار طوابع بريدية تذكارية تحمل صورة السيدة ديزموند، وللإشادة بإصرارها على رفع الظلم عن مجموعتها العرقية.

اقرأ أيضاً: القضاء على التمييز ضد الأقلية المسلمة يساهم في تعزيز التعايش
وتوالت مظاهر التبجيل لناشطة الحقوق المدنية؛ حيث أطلقت هيئة موانئ مدينة هاليفاكس، عام 2016، اسم فيولا ديزموند على مركب نهري مهم من مراكبها التي تنقل المواطنين بين الجزر الكندية.
وتعطل الدوائر الرسمية والخاصة في مقاطعة نوفا سكوشا الكندية، في 16 شباط (فبراير) من كل عام، في يوم فيولا ديزموند التذكاري. 
وقد ألفت كتب كثيرة وأغان وأنتجت أفلام وثائقية عن حياة هذه المناضلة؛ التي كافحت من أجل حقوق الأقلية السوداء في منطقتها وفي عموم كندا.
السيدة فيولا ديزموند

إطلاق شرارة الحقوق المدنية في أمريكا الشمالية
كان لذهاب السيدة الكندية فيولا ديزموند للمحكمة؛ لردّ الاعتبار لنفسها بعد الإذلال العرقي الذي تعرضت له من إدارة المسرح، أثر كبير في كسر قيود ثقيلة كُبلت بها الأقلية السوداء، في الولايات المتحدة وكندا، لقرون مضت قبل ذلك التاريخ.
وانطلقت، في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، حركات سياسية واجتماعية للأمريكيين من أصل إفريقي، وكانت تستلهم من مواقف بطولية لناشطين، مثل فيولا ديزموند وغيرها، روح المقاومة والتحدي. ونظمت هذه المجموعات احتجاجات ومظاهرات في عموم قارة أمريكا الشمالية، وقاومت بشجاعة وحشية الشرطة وتنمّر حركات من ذوي البشرة البيضاء، مثل كو كلوكس كلان ( Ku Klux Klan).

الشرارة التي أطلقتها فيولا ديزموند ساهمت فيما بعد في إيجاد مناخ اجتماعي وسياسي متفهم ومتسامح في أمريكا الشمالية

واعتُبرت فيولا ديزموند أيقونة كندية وأمريكية في المطالبة بالحقوق المدنية للسود، واقتداءً بها؛ ظهرت الناشطة الأمريكية فيولا باركس؛ التي رفضت القيام من مقعدها في قسم ذوي البشرة البيضاء في حافلة عمومية، وذلك عام 1955، مما أشعل نار المطالبة بالمساواة بين البيض والسود في الحقوق والمناصب والفرص.
وظهرت بعد ذلك التاريخ حركة "الحقوق المدنية للسود"، التي كان يقودها القس مارتن لوثر كنج، والذي أطلق خطابه الشهير "لدي حلم"؛ الذي باح من خلاله بأمله في أن يصبح الناس سواسية، بغضّ النظر عن لون بشرتهم، وقادت هذه الحركة إلى انفراج كبير في قضية التمييز العرقي بعد عقد الستينيات، وفتحت الباب على مصراعيه للنشطاء من الأقلية السوداء لولوج عوالم الرياضة والسينما والسياسة والتجارة، وغيرها من القطاعات التي كانت حكراً على ذوي البشرة البيضاء في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ أيضاً: "الشورى السعودي" يناقش مشروعاً لمكافحة التمييز والكراهية
الشرارة التي أطلقتها السيدة الكندية، فيولا ديزموند، ساهمت فيما بعد في إيجاد مناخ اجتماعي وسياسي متفهم ومتسامح في أمريكا الشمالية، قَبِل باعتلاء رئيس من ذوي البشرة السوداء لسدة الحكم في الجارة الجنوبية لكندا؛ حيث انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عام 2008، ولدورتين متتاليتين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية