رمضان وفصول انحدار الإخوان

رمضان وفصول انحدار الإخوان


20/04/2021

محمد صلاح

ليس جديداً هجوم "الإخوان المسلمين" على الدراما المصرية في شهر رمضان، الأمر مكرر بل صار من مفردات الخطاب الإعلامي لذلك التنظيم الإرهابي الساعي الى حرق كل فنان شارك في عمل درامي انتقد الإخوان أو كشف أسرارهم وجرائمهم عبر التاريخ، وبينما يتابع الناس مسلسلات تتناول خطايا المتأسلمين عموماً ومؤامرات تنظيم الإخوان وخططه للسيطرة على الحكم في المنطقة العربية خصوصاً، تفرّغ عناصر الجماعة واحتشدوا خلف أجهزة الكمبيوتر لشن هجمات مضادة باستخدام سلاح الشتائم وصواريخ السباب وقنابل البذاءة.

والحقيقة لا يمكن الفصل بين التغيرات السلوكية التي طرأت على المجتمعات العربية، وذلك الربيع العربي الذي ضربت رياحه البنية الأخلاقية والمجتمعية لدول عدة في المنطقة، وأفرز خروجاً على الأخلاق والأعراف والآداب، إلى درجة جعلت من يرفعون شعارات دينية يتفاخرون بسب معارضيهم وشتمهم، ومن يتحدثون عن ظلم الحكام وبطش الأنظمة لا يتوانون عن اغتيال منافسيهم معنوياً وحرق خصومهم سياسياً. تبدو الحالة أكثر وضوحاً في مصر، لكون البلد قد نجا من آثار الفوضى وحكم الإخوان وحمى الثورات والاضطرابات، لكن المجتمع المصري احتاج الى بعض الوقت ليعود إلى طبيعته الهادئة الرصينة، حيث تفاعلت لفترة غير قصيرة الأنماط السلوكية التي سادت وتفجرت وعصفت بالمجتمع بعد كانون الثاني (يناير) 2011، لتظهر في بعض المناقشات أو الاحتكاكات أو عند أي نزاع، ووجد هذا الانفلات اللفظي والتجاوز الأخلاقي واستخدام الكلمات والعبارات والجمل الحادة والجارحة من دافع عنه ويروّجه، بل أحياناً من يعتبره محل فخر واعتزاز!!

قد يعتقد البعض أن التجاوزات في الملاعب مثلاً قديمة، وأن الشغب الجماهيري وحتى الاشتباكات في ساحات كرة القدم لا تقتصر على مصر وحدها، وقد يرصد أحدهم معارك أفضت إلى ضحايا على العشب الأخضر أو في المدرجات على خلفية مباراة أو منافسة، لكن الربيع العربي وآثاره المدمرة جعلت السلوك الجماعي المسيء ينتقل من المدرجات إلى الاستديوات والمقاهي والشوارع، وحتى في الجلسات الخاصة بين الأفراد، ورسخت الفوضى اعتقاداً لدى أي طرف بحقه في النيل من الأطراف الأخرى. لم يعد عيباً خروج لفظ جارح من مسؤول أو شخص مشهور أو رمز من رموز المجتمع، حتى بدا وكأن التطوّر الطبيعي لأي مجتمع أن يتخلى عن الأخلاق وأن يجهر رموزه ومشاهيره وجماهيره بالبذاءة والانحطاط!! ومن الرياضة الى السياسة، ومنها إلى الفن، حيث سار الانفلات في مسارات متعددة وضربت السوقية مجالات عدة كثيرة حتى باتت الوقاحة هي القاعدة والالتزام هو الاستثناء.

يكفي هنا أن تتذكر هتافات النشطاء في ميدان التحرير لترصد قاموس الشتائم وسيمفونية السّباب، أو تراجع برامج "التوك شو" التي احتلها أثناء سنوات الفوضى هؤلاء النشطاء ورموز النخبة السياسية والشخصيات العامة المحسوبة على المعارضة والإخوان، لتكتشف إلى أي حد كانت المبالغة في الخروج على السلوك المتحضر لمحاولة التنصل من علاقة هذا الناشط بنظام مبارك، أو حرص ذلك السياسي على إبراز ثوريته، أو تفاني هذا الإخواني في تنفيذ تعليمات مرشده.

خلّف الربيع العربي وراءه فصولاً من الانحطاط والقبح والسوقية، ربما كان غياب الدولة أو ضعفها بعد سقوط حكم مبارك، وارتباك الأجهزة الأمنية وعدم تنفيذ القانون على الكل أسباباً في تفشي الظاهرة ورسوخها وامتدادها لفترة طويلة، ناهيك بسعي المنصات الإعلامية القطرية واللجان الإلكترونية الإخوانية الدائم إلى سكب البنزين على كل أزمة، وإشغال المجتمع بصورة دائمة، وتحريض الكل ضد الكل والصيد في كل مياه عكرة لزيادة العكارة، وتحويل أي خلاف إلى عراك أو حرب. 

هكذا تعاطي الإخوان مع دراما رمضان، خصوصاً تلك التي تتناول جرائم التنظيم أو تاريخه المشوّه والمليء بالتحالفات الشاذة والتصرفات المخزية، صحيح أن الناس في مصر يسخرون من ردود فعل القنوات القطرية والرموز الإخوانية تجاه مسلسلات كـ"الاختيار 2" و"القاهرة كابول" و"هجمة مرتدة"، والتي تكشف كل يوم تفاصيل لم تكن معروفة إلا للنخب أو أصحاب القرار حول سعي الإخوان، على مدى عقود، الى تدمير المجتمعات العربية للقفر الى السلطة فيها، لكن ردود الفعل تلك عكست الى أي مدى يتملك اليأس تلك الجماعة التي وعدت عناصرها بالبقاء على رأس الحكم في مصر 500 سنة، بينما أقصى أمانيها الآن أن يقبل الشعب المصري بوجود لها على ساحة أصبحت تنفر منها. 

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية