زواج التجربة.. مبادرة للحدّ من الطلاق تثير موجة من الجدل في مصر

زواج التجربة.. مبادرة للحدّ من الطلاق تثير موجة من الجدل في مصر


18/01/2021

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال اليومين الماضيين حالة من الجدل حول ما يُسمّى بـ "زواج التجربة"، وذلك عقب نشر محامٍ يدعى "أحمد مهران"، وثيقة كتبها بين زوجين لحل خلاف أسري بينهما، ما دفع كل من الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية للدخول على خط الأزمة.

وبدأت القصة حين لجأت إحدى الزوجات إلى المحامي مهران، لرفع دعوى طلب الطلاق والحصول على حقوقها من زوجها، حيث طلب مهران منها هاتف زوجها للتفاوض معه، بشكل ودي، وتوفير ما ستنفقه على المحاكم.

تضمّنت الوثيقة المثيرة للجدل 11 مطلباً حدّدتها الزوجة، فيما حدّد الزوج 9 شروط، على أن يحق للزوجة طلب الطلاق أو الخلع من القاضي دون انتظار المدة المتفق عليها في العقد والمُحدّدة بـ 3 أعوام

يقول مهران: "تحدثتُ بالفعل مع الزوج، وطلبت منه الحضور إلى مكتبي أثناء وجود الزوجة، وقمت بعمل مواجهة بينهما حيث سألتهما عن سبب المشاكل التي أدّت إلى طلب الطلاق، وعن مطالب كل طرف حتى تستمر الحياة بينهما خاصة مع وجود أطفال". 

ووجد مهران أنّ لكل طرف من الزوجين مطالب من الطرف الآخر، الذي لم يعترض عليها؛ فاقترح كتابة هذه المطالب في عقد كتب في عنوانه "عقد اتفاق على مشاركة الزواج - زواج التجربة".

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال اليومين الماضيين حالة من الجدل حول ما يُسمّى بـ "زواج التجربة"

وأكّد مهران بمداخلة على الهواء مباشرة في برنامج "مساء دي إم سي" الذي تُقدّمه الإعلامية إيمان الحصري، أنّ الوثيقة "كانت حيلة للتراضي بينهما، وأفهمتهما أنّ هذا عقد مُلزم كي ينهيا الخلاف ولا يعودان إليه مرة أخرى"، وفق حديثه.

وتضمنت وثيقة المحامي 11 مطلباً حدّدتها الزوجة، فيما حدّد الزوج 9 شروط، على أن يحق للزوجة طلب الطلاق أو الخلع من القاضي دون انتظار المدة المُتفق عليها في العقد والمحددة بـ 3 أعوام.

 أصدر الأزهر الشريف فتوى تُبطل  اشتراط أي مدة تُحدّد عقد الزواج، أو اشتراط عدم وقوع انفصال بين الزوجين لمدة معينة

ووفق المحامي مهران، تتيح وثيقة الزواج الرسمية في مصر وضع شروط من قبل الطرفين، وتركت مساحة لذلك في عقد الزواج الشرعي، "معنى ذلك أنّنا متفقون على أنّ وضع شروط بين الزوجين أمر جائز، لكن خانة الشروط في العقد ثلاثة سطور فقط، وهم أرادوا استكمال ما نقص من الشروط في ورقة أخرى مُلحقة، بحيث يضع كل منهما شروطه، ما الأزمة في ذلك؟". 

وفي العقد المنشور، طلبت الزوجة من زوجها ألّا يضربها، وأن يحسن معاملتها، وأن تكون لها ذمة مالية خاصة، والتزام الزوج بالإنفاق على الأسرة، واشتراكه في تربية الأبناء، وحقها في الاطلاع على حساباته البنكية، أو حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما اشترط الزوج الحصول على الأرقام السرية الخاصة بحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن العقد. 

اقرأ أيضاً: ما أثر موروث الاستعلاء الديني في الزواج المختلط؟

لكنّ تحديد مدة العقد، جعل أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أحمد كريمة، يفتي ببطلان العقد واصفاً الفكرة بأنّها "عبث واستهزاء بالدين"، مشيراً إلى أنّ "هذا العقد باطل، لأنّ الشرع لا يجيز تحديد مدة للزواج.. هذا ليس بعقد زواج، ولن يُعتمد لأنّه مناف للشريعة".  

وسخر كريمة من الفكرة قائلاً: "هل هناك زواج يتم فيه تجربة الرجل للمرأة؟ أو تجربة المرأة للرجل؟ كأن أي منهما جهاز تكييف اشتراه الطرف الآخر.. بالمرة يشتري شهادة ضمان!"، وفق ما أورد موقع "مصراوي". 

الأزهر والإفتاء يدخلان على خط الأزمة 

بدوره، صرّح الأزهر الشريف أنّ تحديد مدة لعقد الزواج، أو المعروف إعلامياً بـ "زواج التجربة"، هو أحد أسباب بطلان العقد من أساسه.

وأصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى، أمس الأحد، فتوى تُبطل اشتراط أي مدة تُحدّد عقد الزواج، أو اشتراط عدم وقوع انفصال بين الزوجين لمدة معينة والمُسمى بزواج "التجربة"، حيث أكد الأزهر بطلان مثل هذه العقود.

 

🔴 الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به، واشتراط عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة خمس سنوات أو أقل أو أكثر في ما يسمى بـ...

Posted by ‎مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية‎ on Sunday, January 17, 2021

وقال المركز، في بيان نشره على صفحته الرسمية في موقع "فيسبوك"، إنّ "الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به، واشتراط عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة 5 سنوات أو أقل أو أكثر فيما يسمى بزواج التجربة اشتراط فاسد لا عبرة به، واشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مُدة مُعينة يجعل العقد باطلاً ومُحرَّماً".

اقرأ أيضاً: احتجاجات شبابية بعد تراجع الزواج في مصر: "خليها تعنّس"

وأكّد المركز أنّه "من أهمِّ دعائم نجاح هذه المنظومة (الزواج) هو قيام عقد الزواج بين الرجل والمرأة على نيَّة الدَّيمومة والاستمرار، والتحمّل الكامل لمسؤولياته كافَّة، لا أن يقوم على التأقيت، وقصد المُتعة إلى أجل حدّده الطرفان سلفاً مقابل مبلغ من المال يدفعه الرجل للمرأة وإن سمياه مهراً، دون اكتراث بما يترتّب عليه من حقوق ومسؤوليات وأبناء وبنات".

وأشار إلى أنّ "زواج التجربة كما قرَّر مُبتدعوه هو زواج محظور فيه على كِلا الزوجين حَلّه بطلاق من الزوج، أو خلع من الزوجة، أو تفريق من القاضي لمدة خمس سنوات، أو أقل أو أكثر، على أن يكون ذلك شرطاً مُضمَّناً في عقد الزواج إلى جوار شروط أخرى يتفق عليها طرفاه".

المحامي أحمد مهران:  الغرض من وضع هذه الشروط هو التغلّب على الخلافات والمشكلات الزوجية لدى حديثي الزواج

وأضاف: "لقد كثرت الأغاليط حول مصير هذا العقد بعد انتهاء مدة التَّجربة المنصوص عليها، في حين اختار بعضُ المتحمسين لهذا الزواج - أو إن شئت قلت: الابتداع - أن ينتهي عقدُه بانتهاء المُدّة المقررة؛ ليضاف بهذا إلى جوار شرط حظر الطلاق شرطٌ آخر هو التَّأقيت".

أما دار الإفتاء المصرية، فقالت عبر حسابها في "فيسبوك": "اطّلعنا على الأسئلة المتكاثرة الواردة إلينا عبر مختلف منافذ الفتوى بدار الإفتاء المصرية حول ما يُسمّى إعلامياً بمبادرة (زواج التجربة) التي تعني بزيادة الشروط والضوابط الخاصة في عقد الزواج، وإثباتها في عقد مدني منفصل عن وثيقة الزواج، والهدف من ذلك: إلزام الزوجين بعدم الانفصال في مدة أقصاها من 3 إلى 5 سنوات، يكون الزوجان بعدها في حل من أمرهما، إما باستمرار الزواج، أو الانفصال حال استحالة العشرة بينهما". 

 

تنويه مهم حول ما يسمي إعلاميا بزواج التجربة اطلعنا على الأسئلة المتكاثرة الواردة إلينا عبر مختلف منافذ الفتوى بدار...

Posted by ‎دار الإفتاء المصرية‎ on Sunday, January 17, 2021

وأوضحت الدار أنّ "هذه المبادرة بجميع تفاصيلها الواردة إلينا قَيْد الدراسة والبحث عبر عدةِ لجان منبثقة عن الدار، وذلك لدراسة هذه المبادرة بكافة جوانبها الشرعية والقانونية والاجتماعية، للوقوف على الرأي الصحيح الشرعي لها، وسوف نعلن ما توصلنا إليه فور انتهاء هذه اللجان من الدراسة والبحث". 

مبادرة لخفض نسب الطلاق

من جانبه، قال مهران في تصريح لموقع الحرة: إنّ "كل من أطلق تصريحاً خاصاً بالموضوع وقال إنّه مُحدّد المدة، لم يبحث ولم يطلع ولم يرَ، وحكم على الأشياء بالسمع، وفسّر فكرة التجربة بأنّنا سنجرّب بعض سنتين إلى ثلاث سنوات وسنتطلق، وبناء عليه أصدروا أحكامهم وفتاواهم". 

وأضاف منتقداً المعترضين على فكرته بأنّ أياً منهم "لم يكلّف نفسه بالبحث لمدة دقيقة واحدة، ولو حدث، فإنّهم سيجدون البند التمهيدي في العقد، ويعلموا بأنّه زواج شرعي رسمي على سنة الله ورسوله، وأنّ هذا مجرّد عقد مدني مُلحق بوثيقة الزواج، وليس له علاقة بالزواج، فقط يكمل الشروط بين الزوجين التي اتفقوا عليها حتى يحافظوا على البيت ولا يختلفا ويتطلقا". 

انقسم المغردون على مواقع التواصل الاجتماعي  بين مدافع عن مبادرة زواج التجربة وبين مهاجمٍ له

والبند الأول في العقد المنشور كتب فيه المحامي مهران أنّ الطرفين "اتفقا على أن تكون بنود العقد مشاركة الزواج سليمة ومطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، بحيث لا تحرم حلالاً ولا تحل حراماً، وأنّ الغرض من وضع هذه الشروط هو التغلّب على الخلافات والمشكلات الزوجية لدى حديثي الزواج، وبهدف استمرار الزواج والمحافظة على كيان الأسرة وعدم اللجوء للطلاق قبل استكمال مدة العقد". 

ويتابع مهران: "لدينا 8 ملايين مطلقة، و32 مليون قضية نزاع في محكمة الأسرة، و12 مليون عانس"، مشيراً إلى أنّ الهدف من مبادرته هو تخفيض حدة النسبة المرتفعة للطلاق التي تحدث في مصر. 

اقرأ أيضاً: الزواج المدني.. ما يجمعه الرب في قبرص لا يفرقه القانون في لبنان

يشار إلى أنّ إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، وهو مؤسسة رسمية، تقول إنّه في عام 2019، حدثت 225 ألف حالة طلاق مقابل 201 ألف حالة في 2018، بمعدل حالة طلاق واحدة كل دقيقتين و20 ثانية، في حين كانت هناك 927 ألف حالة زواج في 2019 مقابل 870 ألف في 2018. 

جدل على مواقع التواصل الاجتماعي

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، هاجمت شريحة واسعة من المغردين المبادرة واعتبرها بعضهم "كارثة حقيقية"، وطالبوا الأزهر بالتدخّل فوراً؛ إذ غردت الناشطة "أمل عطية"، قائلة: "الزواج رباط مقدس ورحمة ومودة وعندما يصل الأمر إلى إيجاز شيء اسمه زواج التجربة وهو زواج لمدة معينة قابلة للتمدد لو وافق الطرفين.. يبقي لا بُدّ للأزهر الشريف التدخل لأننا هنا نكون فعلاً داخلين علي كارثة حقيقية".

واستنكرت مجموعة من المغردين المبادرة واعتبرتها مساساً "بحقوق الإنسان"، وغرّد الناشط "عبود يمين" قائلاً: "زواج التجربة!!، هي ليست سيارة أو منتج جديد للتجربة إنّما علاقة مُقدّسة طرفاها جسدان مكرمان نفخ الله فيهما من روحه".

وتابع: "ثمة سحق لكرامة الانسان بأسلوب ناعم".

وفي الجانب الآخر، رأى بعض المغردين أنّ الزواج شرعي وقانوني ولكنّ اللغط يكمن في عنوانه؛ إذ غرد الناشط "كمال" قائلاً: "مع احترامي لكل الآراء السابقة واللاحقة، الزواج شرعي وقانوني وسليم 100%".

وتابع: " 1- هذا ليس عقد زواج، هذا عقد توثيق لشروط الزوجين والاشتراط جائز شرعاً وقانونياً، 2- عقد الزواج الذى تمّ على يد مأذون غير مُحدّد المدة فلا وجه للخلاف، العقد لم يشترط نهاية الزواج عند مدة معينة".

وختم: "فقط العنوان هو محل اللغط، أي زواج بعقد ومؤخر صداق ويمكن نهايته بطلاق هو زواج تجربة.. والتجربة ربما تكون ناجحة أو فاشلة ويجوز أن تمتد وتقصر وتعاد في ظرف أفضل".

كما انتقد آخرون موقف الأزهر من المبادرة؛ إذ غرد الناشط "أنس مظهر" قائلاً: "الأزهر يفتي بتحريم ما طرق إلى مسامعه عن نوع جديد من الزواج تحت اسم (زواج التجربة) دون أن يتحرى عن حقيقة أن لا وجود لزواج تحت هذا المسمى، وكل ما أُثير كان عقداً بين زوجين (متزوجين في الأساس) بينهما مشاكل لاستمرار زواجهما".

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية