زيارة الرئيس السوري إلى أبو ظبي: السياقات والآفاق

زيارة الرئيس السوري إلى أبو ظبي: السياقات والآفاق


22/03/2022

لم تُشكّل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية مفاجأة للمتابعين لتطورات العلاقة بين الجانبين، والتي اتخذت خطّاً بيانياً متصاعداً، كان يُنبئ بأنّ أبو ظبي تقود مشروعاً عربياً لإعادة "النظام السوري" إلى الجامعة العربية والمجتمع الدولي، بدأ بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأبو ظبي منذ عام 2018، وزيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق، ولقاءاته مع الحكومة السورية والرئيس الأسد في أواخر العام الماضي، أعقبتها تصريحات مشتركة تؤكد العلاقات الأخوية بين البلدين، و"الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وانسحاب القوات الأجنبية، ودعم سوريا وشعبها للوصول إلى حلٍّ سلمي".

إقرأ أيضاً: "بلومبيرغ": الإمارات تعمّق علاقاتها بمصر مع صفقات بقيمة 2 مليار دولار

ليس سرّاً أنّ الإمارات العربية تقود مشروعاً تجاه دمشق، تؤيدها فيه عواصم عربية بمستويات مختلفة، من بينها الرياض والقاهرة وعمّان، يتضمّن في أبعاده الاستراتيجية الإعادة التدريجية لدمشق، والانفتاح عليها لإبعادها عن إيران، وهو المشروع الذي عمل الملك عبد الله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع أبو ظبي، على نقله إلى واشنطن خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبعد تنسيق مع القيادة الروسية التي أبدت تفهماً للمطالب الأردنية بخصوص التهديدات الأمنية من الحدود الجنوبية لسوريا، فيما كانت استجابة الحكومة السورية لمشروع تزويد سوريا ولبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية رسالة بتحوّلات في دمشق لاستئناف العلاقات السياسية والاقتصادية مع محيطها العربي، رغم محاولات مراكز قوى سورية لعرقلة التوجهات الجديدة لدمشق بفتح جبهة التهريب للأردن وتهديد حدوده الشمالية، وبالرغم من ذلك، فإنّ ما يمكن التوقف عنده سياقات ومرجعيات وآفاق هذا التسارع في تطوير علاقات دمشق مع أبو ظبي، والذي تمّ تتويجه بزيارة الرئيس الأسد لأبو ظبي ضمن اتجاهات ومحاور عديدة، في ظلّ تطورات دولية وإقليمية أبرزها:

ليس سرّاً أنّ الإمارات تقود مشروعاً تجاه دمشق، تؤيدها فيه عواصم عربية بمستويات مختلفة، من بينها الرياض والقاهرة وعمّان، يتضمّن في أبعاده الاستراتيجية الإعادة التدريجية لدمشق والانفتاح عليها لإبعادها عن إيران

أوّلاً: الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها الدولية والإقليمية، بما في ذلك موقف أبو ظبي "المتوازن"، ومعها الكثير من الدول العربية، تجاه هذه الحرب، وعنوانه الوقوف على مسافة واحدة من واشنطن وموسكو، بما في ذلك رفض زيادة إنتاج النفط تمهيداً لفرض عقوبات على روسيا، بل إنّ أبو ظبي أرسلت رسالتين إلى واشنطن، تمثلتا برفض وساطة رئيس وزراء بريطانيا لزيادة إنتاج النفط، وقيام وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد بزيارة لموسكو ولقائه مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وهو الموقف ذاته الذي تتمسّك به المملكة العربية السعودية، هذه المرجعية عكستها تصريحات أمريكية وصفتها واشنطن بزيارة "مخيبة" فيما أيدتها موسكو.

إقرأ أيضاً : الدمشقيون يعودون لبيت العرب من باب أبوظبي

  ثانياً: قرب التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران، واضح أنّ واشنطن تدفع باتجاه إنجازه بأيّ ثمن، وفقاً لتسريبات تشير إلى أنّه سيتضمّن: إلغاء غالبية العقوبات المفروضة على إيران، ورفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، بعد تعهدات إيرانية بـ"تخفيض" مستويات تدخله في الإقليم، وتقديم دعم أمريكي بمبلغ (500) مليون دولار للحكومة اليمنية في صنعاء، تلك الحكومة التي يسيطر عليها الحوثيون الموالون لطهران، وهو ما يطرح هواجس لدى أبوظبي والرياض، وعواصم إقليمية أخرى "القاهرة وأنقرة وتل أبيب"، حول حقيقة الاتفاق وتداعياته في الإقليم وانعكاساته، بما فيها دور الحرس الثوري الإيراني، وتدخلات إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

تزامنت زيارة الرئيس السوري مع تحوّلات عميقة شهدتها العلاقات بين أبو ظبي وأنقرة، وبعد تخلي تركيا عن العلاقة التحالفية مع الإسلام السياسي

 ثالثاً: جاءت الزيارة بعد اتفاق السلام بين أبو ظبي وتل أبيب، وهو ما يطرح تساؤلات فيما إذا كانت دمشق قد غادرت مربع الممانعة ورفض السلام مع إسرائيل ومقاطعة الدول التي تعقد اتفاقات سلام مع إسرائيل، علماً بأنّ تسريبات سابقة كانت قد أشارت إلى لقاءات بين مسؤولين أمنيين سوريين وإسرائيليين، تمّ ترتيبها بوساطة إماراتية، وتعزز شكوك عميقة بحقيقة مواقف ما يُسمّى الممانعة العربية والإسلامية من إسرائيل، وفيما إذا كانت إسرائيل مجرّد لافتة يتمّ استخدامها في ظلّ مرجعيات إيديولوجية تُشكّل الأسس الشرعية للمقاومة والممانعة.

رابعاً: تزامنت زيارة الرئيس السوري مع تحوّلات عميقة شهدتها العلاقات بين أبو ظبي وأنقرة، وبعد تخلي تركيا عن العلاقة التحالفية مع الإسلام السياسي، وعنوانه الإخوان المسلمون، ورغم قلة التسريبات حول ما تمّ الاتفاق عليه بين أبو ظبي وانقرة حول الملف السوري، إلّا أنّ تطورات مواقف أنقرة شهدت منذ أعوام تحولات لم يعد معها "إسقاط" النظام السوري هدفاً لها، ضمن حساباتها المرتبطة بالأمن القومي التركي، وهو ما يجعل تسريبات على هامش زيارة الأسد لأبوظبي، والتي تضمنت أنّ لقاءات عُقدت بين قادة من المعارضة السورية التابعة لأنقرة، مع مرافقين للرئيس الأسد تبدو واقعية، وأنّ الهدف منها الوصول إلى تفاهمات مع الحكومة السورية لتشكيل حكومة جديدة بمشاركة المعارضة "المعتدلة" تكون بديلاً لمشاريع التسوية المطروحة بما فيها اللجنة الدستورية، ومن المؤكد أنّ مواقف تركية جديدة ستظهر تباعاً تجاه الأزمة السورية، بمرجعيات مصالح تركيا القومية، وعلاقات أنقرة مع طهران وموسكو، وغير بعيد عن ذلك علاقاتها مع واشنطن.

إقرأ أيضاً : في أول زيارة لدولة عربية منذ 2011.. الأسد في الإمارات: وهذا ما بحثه مع بن زايد وبن راشد

خامساً: زيارة الأسد غير بعيدة عن عنوان آخر، وهو مستقبل الوجود الروسي والإيراني في سوريا، بعد حرب أوكرانيا والاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، هذا الوجود الذي تدلّ المؤشرات على أنّه سيكون موضع تساؤل بالنسبة إلى روسيا، في ظلّ احتمالات اتفاقات سرّية بين "طهران وواشنطن"، وهو ما يرجح معه أن تظهر تحوّلات في مواقف الفاعلين في الملف السوري باتجاه "إحباط" المشروع الإيراني في سوريا، بما في ذلك ظهور تحالف واسع يشمل  "الرياض، وأبو ظبي، والقاهرة، وعمّان"، ولن تكون "أنقرة وتل أبيب" بعيدتين عن هذا التحالف، الذي سيكون عنوانه إعادة تأهيل "النظام السوري" بعيداً عن إيران.

وفي الخلاصة؛ فإنّ توقيت الزيارة يُعدّ أحد أبرز عناوين تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية والاتفاق النووي بين طهران وواشنطن على الملف السوري، رغم أنّ مشروع إعادة دمشق إلى فضائها العربي سبق تلك الحرب ومفاوضات فيينا، وهو ما يؤشر إلى إمكانية حدوث تحوّلات عميقة في العلاقات العربية الجديدة مع كلٍّ من واشنطن وموسكو.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية