سؤال الثورة الأخير: ماذا كنتم تفعلون في سوريا؟

سوريا

سؤال الثورة الأخير: ماذا كنتم تفعلون في سوريا؟


09/09/2018

كثيرون أولئك الذين يمكن أن يوجه إليهم سؤال: ماذا كنتم تفعلون في سوريا؟ فالدمار الذي عمّ أرضها طوال أعوام، فيه من المساهمين الدوليين الكثير، ممن شاركوا بأسمائهم الحقيقية، أو ممن تخفوا تحت أقنعة المصالح أو الإسلاموية أو حتى حقوق الإنسان.
الجيش الحر، جبهة النصرة، داعش، النظام السوري، ثم تركيا وأمريكا وقطر وإسرائيل وروسيا، وكذلك القادمون من مقابر التاريخ؛ أبو مصعب، وأبو قتادة، وغيرهم من حملة هذه الأسماء، ممن دخلوا كثوارٍ إسلامويين بحجة مناصرة الشعب السوري ضد النظام، وسرعان ما أصبحوا شركاء له في تدمير بلاده. فماذا كان يفعل هؤلاء؟
من ثورة إلى حرب أهلية
بعد تشكيل ما سُمّي "الجيش الحر" صاحِب المظهر العلماني أواخر العام 2011، والذي اكتسب اسمه من فكرة الحرية في مواجهة القمع النظامي المفترض، وضم جنوداً وقادةً منشقين عن الجيش السوري النظامي، أصبحت سوريا بحلول العام 2012 ساحةً خصبة لجماعاتٍ (جهادية) بدأت تظهر الواحدة تلو الأخرى، من أهمها جبهة النصرة، وتنظيم داعش الإرهابي، وجيش الإسلام.

خلال فترةٍ قصيرة بدأ الجيش السوري الحر يتحول عن أهدافه ويميل للبحث عن جهاتٍ خارجية لتدعمه

وخلال فترةٍ قصيرة، بدأ الجيش السوري الحر يتحول عن أهدافه التي تأسس لأجلها، وكانت تكمن في أنه ذراعٌ عسكرية للمقاومة الشعبية في سوريا، غير أنّه أخذ يميل للبحث عن جهاتٍ ليصبح وكيلها، بفعل الاقتتال بين قادته، وضغط الجماعات الإسلاموية والجهادوية المسلحة عليه وعلى عناصره.
ووفقاً للمتخصص في الشؤون السياسية بمعهد باريس للسياسات "فيلكس لوغران"، فإن الجيش السوري الحر "لم يملك قيادةً هرمية تسلسلية واضحة كالجيوش النظامية، كما إنّه بقي لفتراتٍ عديدة يتلقى دعماً محدوداً وموجه الأهداف، من دولٍ كتركيا مثلاً، وأمريكا كذلك؛ حيث كان يؤمر بترك محاربة قوات الأسد والتركيز على محاربة الجهاديين".
ويشير لوغران في بحثه المنشور على موقع "مبادرة الإصلاح العربي" أنّ الجيش الحر "لم يملك أجندة واضحة تخصّه، وبقي تحت ضغوطات أجندات خارجية، لدول تحمل أولويات لا تتضمن قتال قوات الأسد".
ويتحدث الباحث أيضاً، عن قيام أمريكا بوضع شرطٍ أساسي لتدريب ودعم المقاتلين في سوريا، وهو التركيز فقط على مواجهة ومحاربة "قوات الجهاديين والإرهابيين".

اقرأ أيضاً: مخططات أمريكية تتعلق بمقاتلي داعش المحتجزين في سوريا..ما هي؟
ويتضح من طرح لوغران، أن أمريكا ساهمت في خلق كياناتٍ متحاربة على أرض سوريا، لا تهدف أساساً إلى دعم الثورة عسكرياً. أما تركيا، اللاعب الأساسي الآخر في سوريا، فإنها توّجت نفسها ملكة للتناقض، بمطالبها المتقلبة للجيش السوري الحر أنّ يواجه المسلحين الجهاديين كأولوية، بينما بقيت تقارير عربية وغربية موثقة ومتنوعة المصادر، تتحدث عن تنسيقٍ تركيٍ لإدخال هؤلاء المقاتلين إلى سوريا عن طريق الحدود التركية في الفترة الواقعة بين العامين 2013 و2016.

سرعان ما تم تدويل الجيش السوري الحر وتدمير دوره

وفي تقرير لـصحيفة "النهار" اللبنانية نشر بتاريخ 30 أيلول (سبتمبر) 2013، تحدثت الصحيفة أنّ "تأكيد تركيا المتواصل، أنّها لا تدعم أي فصيلٍ مقاتلٍ في سوريا، يتناقض مع وجود المقاتلين المتشدِّدين في المستشفيات التركية للمعالجة وفي مخيمات اللاجئين، وهو ما بات ظاهراً للعيان". كما تحدث موقع "swissinfo" في تقرير نشره بتاريخ 19 آذار (مارس) 2018 عن "إعادة تركيا تشكيل الجيش الحر من خلال دمج عناصر من الجهاديين فيه حتى تعمل تركيا في الأراضي السورية تحت ستار هذا الجيش وبعناصر موالين لها".

قامت أمريكا بوضع شرطٍ أساسي لتدريب ودعم المقاتلين في سوريا وهو التركيز فقط على مواجهة ومحاربة المتطرفين

من جهةٍ أخرى، يأتي الائتلاف الوطني السوري، الذي قام بعد العام 2011 على أنقاض المجلس الوطني. وكان المجلس الوطني، رفض في حزيران (يونيو) 2012 بيان مؤتمر جنيف الأول حول الثورة السورية، الذي رأى أنّه "لن يحقق في أفضل حال، نصف مطالب الثورة السورية".
هذا الرفض، أسس لولادة الائتلاف الوطني، حتى يكون "أكثر قابليةً للتعامل مع المجتمع الدولي بشأن الثورة السورية" وفقاً لدراسة نشرها مركز "جسور" للدراسات والأبحاث في 2017.
ويذكر المركز في دراسته، أنّ "المجتمع الدولي أصبح المتحكم الأكبر في مجرى الأحداث في سورية …وأنّ الثورة السورية لن تنال بأحسن الظروف أكثر من نصف مطالبها".

اقرأ أيضاً: كيف استفادت تركيا من خيرات سوريا؟
وتضيف الدراسة "قامت الدول الداعمة للائتلاف السوري بفرض عملية توسعة بعد أقل من سبعة أشهر على ولادته، بحجة إصلاح ما قيل إنّه خلل في بنائه، مع ميل لصالح مكونات بعينها، وقد تمّت عملية التوسعة بمشاركة دبلوماسية وأمنية على أرفع المستويات لكل الدول المعنية بالشأن السوري تقريباً".

لعب الائتلاف السوري دوراً في تعقيد الأزمة السورية ولم يقدم الحلول

وهو ما أدى لاحقاً، إلى تحوّل دور الائتلاف إلى دورٍ تفاوضي في أفضل الأحوال، كما إنّه بدأ يفقد شرعيته وصلاحياته شيئاً فشيئاً.
وبحسب كل ما سبق، تم تدويل الثورة السورية مبكراً، ثم تحولت إلى أزمة نتجت عنها حربٌ أهلية، وعجزت الائتلافات والمجالس والقوى المعتدلة؛ سياسياً وعسكرياً، عن ضخ الدماء في جسد الثورة، بل اعتمدت على دولٍ مختلفة واضعة مصير قراراتها وتحركاتها في يد هذه الدول، التي جعلت مصالحها أولوية على إيقاف شلال الدماء في سوريا، مما أجّج الحرب.

نصرة وجهاد وتدمير!
بدورها، لم تترك الجماعات المسلحة الإسلاموية، سواء وصفت بالجهادية أو التكفيرية، أي جهدٍ حتى تقتطع مساحاتٍ جغرافيةٍ من سوريا، لتقيم فيها "دولة الإسلام" المرجوة، وأنشأت دويلات مؤقتة جداً من طراز ما فعله تنظيم داعش الإرهابي في الرقة مثلاً، دون أن تقدم أي دليل على قدرتها على الاستمرار من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى، استخدمت هذه الجماعات أسلحتها لفرض الطاعة على سكان تلك المساحات بالقوة، ولمواجهة الفصائل الأخرى المنافسة، أما موضوع الثورة، فظل معلقاً دون أي قرار.

تسببت الحرب حتى الآن بأكثر من 470 ألف قتيل سوري منهم 16 ألف طفل و10 آلاف امرأة

جبهة النصرة، إحدى أبرز هذه الجماعات حتى العام 2014، وتأسست "بين الولاء لتنظيم القاعدة تارةً ولتنظيم داعش الإرهابي تارةً أخرى"، بحسب "دليل الجماعات المسلحة في سوريا" الذي قامت بنشره "بي بي سي" العام 2014.
الجبهة، التي قادها "أبو محمد الجولاني"، تمثلت أبرز إنجازاتها في "انتشار مقاتليها ضمن 11 من أصل 14 محافظة سورية، خاصة في إدلب وحلب ودير الزور؛ حيث حملت الجبهة مسؤولية العشرات من التفجيرات الانتحارية التي تسببت في قتل الكثير من المدنيين في المدن السورية"، وفقاً للمصدر ذاته.
وعلى غرار جبهة النصرة، عمل ما يسمى بـ "جيش المجاهدين والأنصار"، الذي تواجد عناصره في مدينة حلب وحماة، تحت قيادة "عمر الشيشاني" وهو قائد نسب نفسه إلى تنظيم داعش الإرهابي، ثم بايع جبهة النصرة، وبقي فيما بعد يقاتل ضد الجهتين.

الملثمون من مقاتلين أجانب وعرب وأياً كانت جماعاتهم اتفقوا على خراب سوريا

ظهرت جماعة أخرى، هي "جيش الإسلام"، وقادها "زهران علوش"؛ حيث كان يدعو جيشه إلى إبادة العلويين وقتل جميع الشيعة في سوريا.
وكثيرةٌ هي الجماعات التي قدّمت نفسها على أنّها جهادية في سوريا، مثل: لواء التوحيد، أنصار الشام، تجمع أنصار الإسلام، وغيرها، العشرات منها انضوت تحت تسميات لواء أو حركة أو جماعة، عملت جميعاً على تمزيق أوصال البلاد، فخاضت صراعاتٍ مريرة ضد بعضها البعض، وضد أفرادها وقياداتها من الداخل، وكان الكثير منها يتحالف مع تنظيم داعش الإرهابي، ثم يعود لمقاتلته، كأنها جميعاً انبثقت من رحمه.

تحوّل الائتلاف السوري إلى جهة تفاوضية في أفضل الأحوال وبدأ يفقد شرعيته وصلاحياته شيئاً فشيئاً

وغير بعيدٍ عن هذه الجماعات، تشكّلت ألوية كردية مثل "وحدات حماية الشعب الكردي" بقيادة "صالح مسلم"، كما شاركت قواتٌ أخرى شيعية فقاتلت إلى جانب نظام الأسد وقادها "حزب الله" اللبناني عموماً بدعمٍ إيراني.
هذه الجماعات، عملت على إقحام الدين في الحرب السورية، ورغم كثرتها، إلا أنّ كلاً منها ظلت مصرّةً على أنها تمثّل الإسلام، وبالتالي تمثّل الحق، رغم ولوغ معظمها في الدماء السورية بشكلٍ مباشر، وممارستها القتل الطائفي، معتمدة على دعم الجهات الخارجية لها، مثل؛ إيران وأمريكا وتركيا، وفي دراسة للباحث "مروان قبلان" ضمن العدد "2" من مجلة "سياسات عربية"، يخلص الباحث إلى "أن قوى المعارضة السورية كانت تحمل توجهات غير واضحة بسبب تنوّع توجهات المموِّلين".
أما دولة قطر، فتوجد مزاعم حول تصدرها التدخلات الخارجية في سوريا، بحسب ما يوضحه تحقيقٌ أجرته "سي إن إن" في هذا الشأن:

فيديو تحقيق "سي إن إن" عن قطر:

 

 

المواقف الدولية من الحرب في سوريا، ظلت أقل من مستوى النزيف السوري، الذي أدى لمقتل أكثر من 470 ألف مواطنٍ، منهم 16 ألف طفل، و10 آلاف امرأة، إضافةً إلى مليوني جريح، وآلاف الأسرى الذين يقبعون في سجون النظام السوري، وفق ما أورد موقع العربية في تقرير له، دون أن تشهد الحرب تسجيل أي تدخّل حقيقي لإنقاذ المدنيين من الموت، ولاحقاً أخذت الدول الغربية والعربية التعامل مع النازحين والمهجرين إلى الدول العربية المجاورة، وإلى الدول الأوروبية؛ من باب الأزمة. بينما، وفي كل مرةٍ يتم فيها تخليص مدينة سورية من الجماعات المسلحة، يتم إجلاء هؤلاء بأمان إلى مكانٍ آخر، فيما المدنيون أو من تبقى منهم، يكونون ضحايا أطراف الحرب جميعاً.

أرقام ضحايا الحرب في سوريا (انقر على الصورة):

انقر على الصورة للوصول إلى الرابط

وكان معهد "Rand" للأبحاث، قال في دراسةٍ نشرت على موقعه الرسمي العام 2014، أنّ "الجماعات المسلحة في سوريا أشبه بأسلحة دمارٍ شامل بسبب انتمائها لمرجعياتٍ طائفيةٍ وسياسية تدمر باسم الدين والعرق والطائفة، كما أنّ الكثيرين من عناصرها، هم مقاتلون أجانب وليسوا محليين".

اشتركت العديد من الجماعات في ولائها لداعش تارةً ومحاربته أخرى كما انقسمت وتحاربت على تمثيل الإسلام

وكان المشرف على الدراسة، الخبير في الشؤون السياسية برايان جينكينز، رأى في حينه أنّ "المستقبل القاتم سوف يلازم سوريا، وأنّ كل ما هو مدني وحقوقي سوف يتراجع فيها، أما القتال المسلح فسوف يستمر لسنوات، خصوصاً أنّ العديد من الجهاديين سوف يتعاملون مع الأرض السورية، على أنّها مركز استمرارية لما يسمى الجهاد ضد الغرب".

أما الجرائم والانتهاكات التي يتعذر حتى اليوم حصرها جميعاً، فيمكن القول إنّ تنظيم داعش الإرهابي يشملها جميعاً، كمثلٍ أعلى لمعظم الجماعات الجهادية التي شاركته القتال في سوريا.
ووفق تقريرٍ مأخوذ عن الأمم المتحدة، وقامت "الحرة" بنشره في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، فإنّ "مجازر وقطع رؤوس وأخذ النساء سبايا وإرغامهن على الحمل" هي من أبرز الجرائم، إضافةً إلى الاتجار بالبشر، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وإكراه البعض على تغيير دياناتهم، كما كان يتم إجبار آخرين على حمل السلاح.

الأطفال أكثر الضحايا تعرضاً للرعب والظلم والقتل في سوريا

سوريا، وبعد أقل من سنةٍ واحدة على بداية انتفاضة شعبها، الذي طالب بالإصلاح في 2011، تشعبت ثورته لتحمل أبعاداً مختلفة، أحرقت كل أحلامه بربيعه الخاص، فبمجرد أن غدت سوريا مفتوحة الحدود لفتراتٍ مختلفة، مُنحت الفرصة للجماعات المسلحة وداعميها الدوليين، وتسهيل حركة السلاح والمقاتلين الأجانب التي أخذت تدريجياً وعلى مدار سنوات، تفرز مدنيين هاربين بحياتهم من الدمار الهائل الذي حوّل معيشتهم إلى جحيم لا يُطاق.

اقرأ أيضاً: "إخوان" سوريا ماذا يفعلون؟
ماذا كان هؤلاء يفعلون في سوريا؟ هو سؤالٌ ليس بحاجةٍ، ربما، إلى جوابٍ مباشر، مدنٌ بأكملها دمرت، مثلما فعل تنظيم داعش الإرهابي في الرقة وفي تدمر، أو مثلما أسفرت معارك النظام والجماعات المسلحة بحق مدينتي حمص وحلب التاريخيتين اللتين تعدان من أهم مدن سوريا.
أين سوف يذهب هؤلاء بعد انقضاء الحرب؟ ربما لن يحظى معظمهم بأي مساءلة، أما مفاهيم كالحرية والثورة وحقوق الإنسان، فسوف تقام إن سمح لها التاريخ، فوق مقبرةٍ كبيرة، ساهم الجميع بتشييدها في سوريا.

الصفحة الرئيسية