سؤال عمره 42 عاماً... إيران دولة طبيعية؟

سؤال عمره 42 عاماً... إيران دولة طبيعية؟


27/01/2021

خير الله خيرالله

بدل اللفّ والدوران والكلام الفارغ عن وساطات بين دول الخليج العربي و"الجمهورية الاسلاميّة" في إيران، يبقى من الأفضل الدخول المباشر في صلب الموضوع. صلب الموضوع هو المشكلة التي اسمها النظام القائم في إيران ولا شيء آخر. هل يستطيع تغيير سلوكه أم لا؟

كانت الدول العربية الخليجية منذ العام 1979، ولا تزال، في حال من الدفاع عن النفس مع إيران التي آمن النظام فيها بـ"تصدير الثورة" وعمل من أجل ذلك.

خاضت إيران، مباشرة بعد قيام "الجمهورية الاسلاميّة" التي أسسها آية الله الخميني، حرباً طويلة مع العراق استمرّت ثماني سنوات. من بدأ الحرب كان العراق، اذ اعتقد صدّام حسين أن مثل هذا الهجوم الواسع الذي شنّه على إيران سيردعها وسيؤدّي الى خلق مزيد من المشاكل الداخلية فيها. خدمت الحرب الخميني من زاويتين. أحيت الروح الوطنية الفارسية لدى المواطنين أوّلاً ومكنت النظام من إبعاد الجيش من المدن الى جبهات القتال ثانياً.

كان الجيش الايراني يشكّل الخطر الأوّل على النظام الجديد الذي باشر بناء الجيش الخاص به، أي "الحرس الثوري". في المحصلة، عرف النظام في "الجمهورية الإسلامية" كيف يستفزّ سياسياً ريفياً يمتلك عقلاً بدائياً مثل صدّام حسين. في الواقع، خاض العراق، بدعم خليجي، بين 1980 و 1988 حرباً دفاعية خدمت النظام الإيراني من حيث يدري أو لا يدري.

لم يسقط العراق، كما كان يعتقد الخميني الذي كان يخطط لاختراق المنطقة من خلاله. حقّق العراق شبه انتصار على إيران ولم يسقط أمام إيران الّا بعد الاجتياح الأميركي في العام 2003. لا يمكن تجاهل انّ دول الخليج العربي وقفت في تلك الحرب (حرب 1980- 1988) مع العراق بطريقة أو بأخرى، نظراً الى أن سقوط العراق كان يعني سقوطها.

وحدها سلطنة عُمان، ولأسباب خاصة بها اتخذت موقفاً وسطياً. ولكن عندما احتاج العراق، في بداية الحرب مع إيران، الى ذخيرة من نوع معيّن موجودة لدى مصر امتنع الاتحاد السوفياتي عن بيعها له، استعان صدّام بالسلطان قابوس كي يتوسط له مع الرئيس أنور السادات. لبّى السادات طلب العراق رغم الدور الذي لعبه صدّام حسين في عزل مصر عربياً، إثر توقيعها اتفاق سلام مع إسرائيل، وذلك بعدما تلاعب به حافظ الأسد في العامين 1978 و 1979.  

لا مجال لتعداد كلّ الفصول التي توالت منذ شباط (فبراير) من العام 1979 مع عودة الخميني الى طهران والتي كشفت طبيعة المشروع التوسّعي الإيراني، الذي قام بين ما قام عليه، على استخدام الميليشيات في هذا البلد العربي أو ذاك، من جهة، وإثارة الغرائز المذهبية من جهة أخرى. لعلّ استغلال موسم الحج في المملكة العربيّة السعودية، بهدف "تسييسه" يعطي فكرة عن المشروع الإيراني الذي بقيت السعودية هدفاً له في كلّ وقت.

لم تتردّد إيران في كلّ مناسبة إلّا وأكدت أنّها الوصيّة على العالم العربي وعلى الخليج. خطفت القضية الفلسطينية والقدس وتاجرت بهما ولا تزال تفعل ذلك. فوق ذلك كلّه زايدت على المزايدين العرب في هذا المجال. لم يحل ذلك كلّه دون وصول النظام الذي أقامه الخميني الى ساعة الحقيقة.

ماذا تعني ساعة الحقيقة؟ تعني أمرين. أوّلهما أن إيران في موقع الهجوم منذ العام 1979. ما زالت في هذا الموقع الى يومنا هذا حتّى في مكان مثل اليمن الذي حولت شماله قاعدة إطلاق صواريخ في اتجاه الأراضي السعودية. أمّا الأمر الثاني، الذي تعنيه ساعة الحقيقة، فهو أن إيران لم تستطع في 42 عاماً تقديم نموذج يمكن الاقتداء به على أيّ صعيد كان وفي أي منطقة من العالم. لم تقدّم سوى الخراب، أكان ذلك في ايران نفسها أم في سوريا والعراق ولبنان واليمن. لعلّ ما آل اليه لبنان الذي تحوّل دولة فاشلة، بفضل سلاح "حزب الله" وممارساته التي أوصلت ميشال عون الى موقع رئيس الجمهورية، يعطي فكرة عن البضاعة التي ليس لدى إيران ما تصدّره غيرها.

هناك الآن إدارة أميركية جديدة برئاسة جو بايدن تسعى إيران الى التفاوض معها من أجل رفع العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على "الجمهورية الاسلاميّة". هناك أيضاً كلام كثير عن استعداد قطري للتوسط بين إيران ودول الخليج الأخرى وذلك في ضوء التطورات الأخيرة التي طرأت على العلاقات بين الدوحة وعواصم عربيّة أخرى مثل الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة... وهناك كلام إيجابي، اقلّه ظاهراً، يصدر عن هذا المسؤول الإيراني أو ذاك عن ضرورة إبعاد القوى الخارجية عن المنطقة... وانفتاح على الجميع.

كلام كثير وأفعال قليلة بعدما اقتربت ساعة الحقيقة وتبيّن أن العقوبات الأميركية أدّت مفعولها وأنهكت الاقتصاد الإيراني. كلّ ما هو مطلوب في نهاية المطاف جواب عن سؤال واحد: هل إيران مستعدة لتكون دولة طبيعية بين دول المنطقة؟ في غياب الجواب الصريح عن مثل هذا السؤال الذي صار عمره 42 عاماً، لا مجال لوساطات ولا الى تنظير من أيّ نوع.

في النهاية، كما في البداية، أنّ أيّا من جيران إيران البعيدين والقريبين لم يعتد عليها ولم يحاول التدخّل في شؤونها. كلّ ما في الأمر، هل يستطيع النظام الإيراني تغيير جلده بدءاً بالاعتراف بأنّ على "الجمهورية الاسلاميّة" الاهتمام بشؤون الإيرانيين قبل إعطاء دروس في الوطنيّة للخليجيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين؟.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية