سد النهضة والأمن القومي العربي

سد النهضة والأمن القومي العربي


11/07/2021

عبدالواسع الفاتكي

إن أي تهديد للأمن القومي المصري، يمثل تهديدا للأمن القومي العربي؛ لما تمثله مصر من أهمية جيواستراتيجية للعالم العربي والإسلامي، يشكل سد النهضة الإثيوبي، وأهداف وطموحات إثيوبيا من وراء بنائه، وتصرفاتها الغاضة الطرف عن الأضرار التي ستلحق بمصر والسودان، تهديدا وجوديا حقيقيا بالغ الخطورة للشعبين المصري والسوادني، يمتد أثره للأجيال القادمة، يتجاوز ترف الدبلوماسية والمفاوضات الماراثونية؛ لأن الأمر متعلق بحياة أو موت شعبي مصر والسودان.

مؤخرا مجلس الأمن الدولي، أحال الخلاف بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى للاتحاد الأفريقي، وكأن الخلاف غير مطروح على طاولة الاتحاد الأفريقي منذ سنوات عدة، إحالة مجلس الأمن مشكلة سد النهضة للاتحاد الأفريقي، تتساوق مع رغبة إثيوبيا، التي صرح أكثر من مسؤول فيها بأن الخلاف حول سد النهضة، يجب أن يظل أفريقيا بحتا، وفي إطار الاتحاد الأفريقي.

سلكت وتسلك جمهورية مصر العربية الوسائل الدبلوماسية، متكئة على ثقلها السياسي المحوري الكبير في المنطقة، مستخدمة لغة السياسية والحوار والتفاوض، مبدية مرونة من غير ضعف أو عجز، مع الجانب الإثيوبي؛ لحل الخلاف حول سد النهضة من حيث تعبئته وزمن التعبئة، وهل سد النهضة هو باكورة سدود أخرى ستبنى في المستقبل القريب أم لا؟ في المقابل إثيوبيا مازالت حتى اللحظة، تتعامل مع الموقف المصري بمماطلة، وتلعب على عامل الوقت؛ لتفرض أمرا واقعا، غير مدركة بأنها بهكذا سلوك، تدفع نحو التأزم والوصول لنقطة اللاعودة، عندها بعد أن تستنفذ مصر كافة الوسائل السلمية، ستكف مصر عن الدبلوماسية ولغة السياسة، وستضطر مصر لخيارات أخرى، صحيح أنها مكلفة ومؤلمة، ولها آثارها الخطيرة على الاستقرار في الشرق والشمال الأفريقي، إن لم تكن في القارة الأفريقية ككل، لكن في نهاية المطاف عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي المصري، المرتبط بوجود دولة وشعب مصر، فتبقى كل الخيارات مفتوحة.

الدول الدائمة في مجلس الأمن تنظر للخلاف المصري السوداني والإثيوبي، من منظور مصالحها السياسية أو الأمنية، ولا استبعد بسلوكها هذا أنها تدفع لتفجير الوضع عسكريا، لاسيما وأن مصر هي الدولة الوحيدة من الدول العربية، التي لم تدخل في حرب أهلية؛ نتيجة أحداث 2011م؛ ولذلك فهي ليست في عجلة من أمرها؛ للضغط على إثيوبيا؛ للجلوس على طاولة المفاوضات وحل الخلاف، بما يحافظ على مصالح مصر والسودان وإثيوبيا مجتمعة، والحيلولة دون وجود أضرار مستقبلية على الأجيال القادمة، ومن ثم ستظل تلكم الدول، تصدر تصريحات بين الفينة والأخرى، داعية هذا الطرف أو ذاك للتهدئة، بينما تستمر إثيوبيا في خيارات أحادية، مضيقة الخناق على مصر والسودان، عندئذ ستكن مصر والسودان أمام خيارات صعبة جدا، مرغمتين على سلوكها دفاعا عن وجودهما كشعب ودولة.

مصر بقدراتها وبحكمة قياداتها، تجاوزت محنا كثيرة وأزمات خطيرة، غير أن أزمة سد النهضة، تستدعي من كل الدول العربية الوقوف مع مصر شعبا ودولة، ودعم وإسناد الموقف المصري؛ فأي مساس بمصر هو مساس بالأمن القومي العربي، ولابد أن تتحرك كل الدول العربية موصلة رسالتين، الأولى للمجتمع الدولي: بأن مصر ليست وحدها وأن أزمتها مع إثيوبيا لا تخص مصر وحدها، بل تخص الأمة العربية؛ وذلك للدفع بالمجتمع الدولي؛ لممارسة ضغوط على إثيوبيا؛ للجنوح للغة الحوار والمصالح المشتركة، والثانية لإثيوبيا: بأن مصر ومن خلفها العرب صبرهم سينفذ، وأن أي مواجهة بين إثيوبيا ومصر هي مواجهة بين إثيوبيا والعرب، مثل هذه الرسالة، لعلها سترغم إثيوبيا لتحكيم لغة العقل والمنطق والمصالح المشتركة، وتتراجع عن سياسة فرض الأمر الواقع، التي لو استمرت ستجر الوضع للانفجار، وستفتح الباب على مصراعيه؛ لعواقب كارثية وخيمة، تتجاوز آثارها شعوب مصر والسودان وإثيوبيا، لتشمل القارة الأفريقية برمتها، وتهدد السلم والأمن الدوليين، وهو ما لا نتمنى وقوعه

عن "ميدل إيست أونلاين"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية