سردية قناة الجزيرة القطرية المثقوبة: 10 نقاط حول "ما خفي أعظم"

برامج الجزيرة

سردية قناة الجزيرة القطرية المثقوبة: 10 نقاط حول "ما خفي أعظم"


13/03/2018

تسمحُ قطر لنفسها بكتابة التاريخ على هواها، من دون اعتبار للحقائق الموضوعية. تذهبُ الدوحة إلى خزانة أجهزتها الأمنية لتقدم لنا سردية تطيبُ لها فتطرحها على تامر المسحال ليقدّم نفسه عبر برنامج "ما خفي أعظم" على أنّه يقوم بجهدٍ صحفي، وسبق إعلامي، فيما الحقيقة في مكان آخر. وقد نسيت قناة "الجزيرة" أنّ التاريخ لا يُكتب هكذا، وأنّ أحداث وتفاصيل انقلاب أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، على والده ما تزال حاضرة في ذاكرة الناس، والشهود على الحدث أحياء، في سوادهم الأعظم.
السبق الإعلامي الحقيقي
كان يمكن أن يكون سبقاً إعلامياً لو قدّمت لنا "الجزيرة" رواية مقنعة ومتكاملة وجديدة عن أسباب وموجبات انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على والده، علّها تُطفئ نيران الأسئلة التي ما برحت تفتك بحساسية أهل الخليج، خصوصاً، وفي مقدمتها: "كيف طاوعت نفس الشيخ حمد بن خليفة، بعد انقلابه على والده (الذي كان في سفر خارج قطر) أنْ يُقدّم مذكرةَ جلبٍ لوالده الشيخ خليفة بن حمد عبر الإنتربول؟!"، وفق ما أوردت صحيفة "البيان" على لسان السفير المصري في الدوحة حينها محمد المنيسي، كشاهد عصر روى تفاصيل الانقلاب.
سردية مثقوبة
لدى مقاربة وتحليل حلقتيْ "ما خفي أعظم" يمكن الإشارة إلى عشر نقاط أساسية وهي:
1. غالب الظن أنّ مشاهدي حلقتيْ "ما خفي أعظم" لم يجدوا عناء في اكتشاف وإدراك أنّ القناة اختارت المتحدثين القطريين تحت وطأة الإكراه، فكيف لنا الاقتناع بأننا أمام مادة إعلامية تستحق أن نأخذها بجدية وشغف، وكل ما يحيط بها لا يمتّ للصحافة المستقلة بصلة، ولا علاقة لها بفن الوثائقيات.

قرقاش: الشيخ زايد عندما سمع بانقلاب الأمير حمد على والده، الذي كان في جنيف، بادر فوراً بلمّ الشمل ودفن الفتن

2. الحقيقة أنّه لا يليق بمادةٍ مطولة من حلقتين، وفي سياق معالجتها للأحداث الدراماتيكية التي شهدتها دولة قطر منتصف التسعينيات من القرن الماضي، أنْ تقفز بسرعة خاطفة عن حدث كبير وتاريخي؛ وهو وصول الشيخ حمد بن خليفة إلى المنصب الأول في دولة قطر من خلال الانقلاب على الحاكم الشرعي آنذاك، الشيخ خليفة بن حمد، الذي كان مسافراً إلى سويسرا وقتها، كل ما جرى بعد ذلك كان مرتبطاً بهذه الواقعة التأسيسية، فكيف تنتظم الحقائق والصورة الكلية والبرنامج يتناسى ذلك، ويتناسى أنّ من كان يقود المحاولة الانقلابية هو الشيخ خليفة، الحاكم الشرعي، وليس الجيران؟

3. لقد تبدّى قلب الحقائق التاريخية في حلقتي "ما خفي أعظم" بإظهار أنّ الخطأ ليس انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على الحاكم الشرعي لقطر!، وإنما وقوف مسؤولين قطريين مع أميرهم الشرعي الشيخ خليفة، وتأييد مساعيه في استعادة حكم قطر ممن انقلب عليه، وخرج على التقاليد السياسية في شأن معادلة الحكم والسلطة في منطقة الخليج!. لقد أظهر البرنامج هؤلاء المسؤولين، الذين ساندوا الأمير خليفة، بوصفهم "خونة"، مع أنّهم في الحقيقة وقفوا مع الشرعية ضد من اختطفها؛ أيْ إنّ المعالجة الموضوعية لحدث تاريخي مرّ عليه عقدان ونيّف كانت تفترض جرأة الإقرار بذلك، وليس ليّ أعناق الأحداث واختلاق سردية مثخنة بالثقوب، لتصفية حسابات سياسية مع الجيران الخليجيين، واتهامهم بأنّهم هم من قادوا انقلاب 1996 مع أنّ الجزء الأول من "ما خفي أعظم" أشار إلى أنّ الشيخ خليفة بن حمد هو من كان يدير المساعي والجهود والترتيبات لعودته لحكم قطر آنذاك، وفشل في ذلك.

أظهر البرنامج المسؤولين الذين ساندوا الشيخ خليفة، بوصفهم "خونة"، مع أنّهم في الحقيقة وقفوا مع الشرعية ضد من اختطفها

4. لماذا أغفل "ما خفي أعظم" أنّ الشيخ خليفة بن حمد حاول العودة إلى قطر بطائرته التي بقيت، وفق شهود وروايات معاصرين للحدث، تحوم في الأجواء القطرية ساعة كاملة من دون أن تسمح سلطات الانقلاب عليه بالهبوط في الدوحة والعودة لبلده؛ ما اضطر الوالد إلى المغادرة إلى أراضي جارته دولة الإمارات؟ لقد ظهر، والحال هذه، أنّ "الجزيرة" تحاول إلصاق صفة "الابن العاق" بآخرين من شيوخ دول الخليج، وكأنّ الأمر لا يتعلق فقط بالشيخ حمد بن خليفة، الذي يُتهم من قبل خصومه بذلك، مستندين باتهاماتهم إلى الإحداثيات المذكورة في واقعة الانقلاب. وهنا يتم التساؤل، استطراداً، هل تآمرت الإمارات على قطر، وهي تستقبل الشيخ خليفة بن حمد العائد بطائرته إليها، وهل أساءت حين قالت للأمير المعزول قسراً إنّ "الإمارات وطنك الثاني من السلع إلى الفجيرة"؟!

5. استناداً إلى الفكرة السابقة، يبدو حديث الحلقة الثانية من "ما خفي أعظم" عن أنّ "العفو عند المقدرة من شيم قطر"، حديثاً ارتجالياً ومجانياً، في سياق التفصيل المحدّد والآنف الذكر، كما يبدو حديثاً تنقصه الأسانيد والحجج المقنعة، لا سيما إذا ما صحّت رواية تقديم الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة مذكرة جلب لوالده الشيخ خليفة بن حمد عبر الإنتربول.
6. كان حقاً ما خفي أعظم بخصوص ما أظهرته الحلقتان من عقلٍ باطن لقطر؛ حيث إشكاليتا المكانة والدور في أوضح تجلياتهما، حتى خُيّل للمشاهد، وهو يستمع إلى اختراق قطر للدول المجاورة وملاحقتها معارضيها في السعودية واليمن ولبنان، وتسجيل أشرطة الفيديو لهم واستدراجهم في فنادق دبي، وكأنّ الأمر لا يتعلق بقطر بل بـ"سي آي أيه" أو "إم آي 6"، وإذا لم يكن انتقادنا هذا في محلّه، فلماذا استنجاد قطر، حالياً، بتركيا وإيران والقوات الأمريكية إذا كانت إمكاناتها وقوتها بهذا القدر منذ أكثر من عشرين عاماً؟!.. قليلاً من التواضع واحترام المشاهدين يا قوم.
القَذَاة والجِذع
7. "يُبْصِرُ أحَدُكُمُ الْقَذَاةَ في عَيْنِ أخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنهِ"، حديث نبوي شريف، كان جديراً بالدوحة تلمّس مغزاه وهي تُتخِم منصاتها الإعلامية، المعلنة وغير المعلنة، بالحديث عن تحريض جيرانها ضدها. ونسأل، من خلال مضامين برنامج "ما خفي أعظم": إلى ماذا يرمي تركيز البرنامج على الاستقبال الحَسَن من قبل الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز لأمير دولة قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة؟ وإلى ماذا يرمي تكرار الادعاء، في البرنامج، بأن ملك البحرين الحالي (ولي العهد في التسعينيات) يتحدث عن أبناء وطنه وشعبه من الشيعة بهذه الطريقة الاتهامية السيئة؟ أليس ما خفي من هذه الأمثلة وغيرها أعظم وينطوي على تحريض قطر على البحرين والسعودية؟ أليس في هذا تأكيد لتهمة خصوم الدوحة بأن الأخيرة تتدخل في شؤونهم الداخلية، وتحرّض عليهم في الإعلام والسياسة؟
8. لو أنّ "الجزيرة" تحلّتْ في تغطيتها لهذا الحدث التاريخي بالموضوعية فإنّ الأجدر بها كان تسجيل أنّ السعودية والإمارات والبحرين ومصر تجاوزتْ منذ عقدين واقعة انقلاب الابن على والده، وتعاملت وتكيفت مع الواقع الجديد، برغم اعتراضها على طريقة وصوله إلى سدة الحكم. ولعل هذا ما أورده وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في سلسلة تغريدات عبر حسابه الرسمي على "تويتر"؛ حيث أوضح أنّ الشيخ زايد، "سعى إلى أن يصلح بين الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني وابنه الأمير السابق الشيخ حمد"، مضيفاً: "اليوم يكذب البعض وينطق بهتاناً للتجيير لموقف سياسي، سيرة زايد وخصاله أسمى وأعظم من هذا التضليل الرخيص." وأردف قرقاش بالقول إنّ أحد الشهود على الواقعة أخبره بأنّه "عندما سمع الشيخ زايد بانقلاب الشيخ حمد على والده الذي كان في جنيف، بادر فوراً بلمّ الشمل ودفن الفتن."

أبو ظبي وآداب العلاقة مع الدوحة
9. لقد أثار "ما خفي أعظم" من حيث لا يدري، ومن حيث لا يريد، مسألة نقص شرعية فترة حكم الأمير حمد بن خليفة، برغم أنّ دول الخليج، وخصوصاً السعودية والإمارات قررتا تجاوز ذلك. في هذا السياق يقول الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد: "عندما استضافت أبوظبي الأمير الأب (الراحل الشيخ خليفة بن حمد) طلبت منه احترام قوانينها بعدم ممارسة النشاط السياسي، وكذلك فعلت الرياض. وقد التقيتُ الشيخ خليفة، الأب الغاضب المجروح، في جناح فندقه في أبوظبي، آنذاك، وكنتُ أعمل على فيلم عن غزو الكويت، وللأمير المخلوع دور في التحرير. وقد رغبت أبوظبي منا ألا يتحدث الأب في المقابلة عن الخلاف والانقلاب. إلى هذه الدرجة كانت آداب العلاقة والحرص عليها". مع هذه الحقائق وغيرها تبدو بلا أي صدقية أحاديث "الجزيرة" عن "غدر" الرياض وأبوظبي والمنامة (طبعاً لا حديث تفصيلياً في برنامج "الجزيرة" عن أي دور مصري مزعوم؛ في ظل لعبة الدوحة ورهانها على تحييد القاهرة عن أزمة قطر!!).
إنها "الشيطنة"!
10. مساعي قطر المستمرة والحثيثة لـ"شيطنة" السعودية والإمارات والبحرين لا تُعطي النتائج التي تريدها الدوحة، ودليل ذلك، على سبيل المثال، أنّ الإمارات ما تزال تتصدر الدول العربية في مؤشرات الازدهار والتسامح والتعايش وتقديم المعونات الإنسانية وتمكين المرأة...، برغم أنّ ذلك كله لا يعني الكمال، وأنّ جهداً مستحقاً ما يزال مطلوباً باتجاه سدّ جوانب النقص، وتثمير الإنجازات وتطويرها في سيرورة لا ينبغي لها التوقف. إنّ إظهار "ما خفي أعظم" وكأنّ السعودية محتارة بشأن قطر "التي قلبتْ السحر على الساحر"!! (كما تتمنى الدوحة أن تكون صورتها في أذهان من يستمعون لخطابها) لا ينسجم مع المعطيات التاريخية وموازين القوى في الإقليم، فلو كانت الرياض، كما يضيف الراشد، أرادت أنْ تخلع آنذاك الشيخ حمد بن خليفة فإنّه "يستحيل أنْ تعجز حينها، بوجود الحاكم الشرعي معها، لكنها لم تفعل. لم تكن هناك قاعدة أمريكية تحمي (الشيخ) حمد (بن خليفة)، ولا قوات قطرية كبيرة، والمسافة كلها بين حدود السعودية والدوحة لا تتجاوز 94 كيلومتراً فقط".
زبدة القول: "ما خفي أعظم" سردية تنطوي على مغالطات للوقائع هدفها القول إنّ قطر ليست وحدها من يُحرّض ويتدخل في شؤون جيرانه؛ بل أيضاً هؤلاء الجيران، لكنّ نتيجة هذه المغالطات جاءت بنتائج عكسية، جاءت لتفتح عيون المشاهدين والمتابعين أكثر فأكثر على نقص شرعية فترة حكم الشيخ حمد بن خليفة، وإساءته لوالده، حين كان حياً، وبعد وفاته، رحمه الله...  عبر "ما خفي أعظم"!

 

الصفحة الرئيسية