سكين الإسلام السياسي في خاصرة المجتمع المسلم

سكين الإسلام السياسي في خاصرة المجتمع المسلم


11/05/2020

تشكّل الإسلام السياسي في العشرينيات، في ظل حالة مشجعة على ذلك من اتجاهات ومداخل عدة، مثل الحالة التي سادت في عالم العرب والمسلمين لأجل استئناف الخلافة، بعد إنهائها في تركيا، والاتجاه الرسمي والاجتماعي الذي تنامى لأجل استيعاب معاصر للإسلام، أو العمل على إقامة دولة معاصرة تتلاءم مع الإسلام، والاتجاه التحرري لمقاومة الاحتلال الذي تعرضت له معظم دول العالم الإسلامي؛ خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، وفي تطورات كثيرة من المدّ والجزر، عاد الإسلام السياسي إلى النمو والانتشار في سبعينيات القرن العشرين، في ظلّ موجة دينية عالمية سادت، وفي حالة الشعور بالهزيمة والانكسار التي أنشأتها حرب 1967.

تستمدّ النواة الفكرية الأساسية للإسلام السياسي وجودها ومبرراتها من مسألة الحكم في الإسلام، وشجع هذه الحالة ضعف وانحسار الخطاب الديني الرسمي، وفي هذا الفراغ كان خطاب الإسلام السياسي يعمل وينتشر؛ بل إنّه شكّل العمود الفقري للمناهج التعليمية، والكليات، والمؤسسات الدينية التي ترعاها وتنفق عليها السلطات السياسية.

تستمدّ النواة الفكرية الأساسية للإسلام السياسي وجودها ومبرراتها من مسألة الحكم في الإسلام

وهنا تشكلت أربع حالات بالغة الخطورة ومناقضة لمبررات النشأة، فعندما شجعت الأنظمة السياسية، في عقود الثلاثينيات والأربعينيات، جماعات الإسلام السياسي، كانت تهدف إلى إقامة دول عصرية منسجمة مع الدين، كما وجدت في جماعات الإسلام السياسي شريكاً داعماً في بناء الشرعية السياسية، وفي عمليات التحديث والتحرر من الاحتلال، بالنسبة إلى بعض الدول، وكان يجب أن تنتهي هذه الجماعة، بعد مرحلة من الاستقلال ورسوخ الدولة الحديثة، ليتحول الشأن الديني إلى عمليات فردية واجتماعية أو مؤسسات رسمية.

لكن في استمرار هذه الجماعات إلى جانب المؤسسات الرسمية والمجتمعية، تشكّل تدين سياسي شعبي ومجتمعي جديد، منفصل عن أهداف الدول والمجتمعات، ويرى الحالة السياسية والاجتماعية القائمة مناقضة للإسلام، ويجب محاربتها. هكذا تشكّل التطرف الديني والتجمع السياسي الديني المناهض للدول والمجتمعات، في أحضان الدول والمجتمعات، وتنفق عليه السلطات السياسية من الموارد العامة!

وبدأت جماعات الإسلام السياسي تقدم نفسها بديلاً للنموذج القائم في الدول الإسلامية المعاصرة، ولأنّه نموذج لم يطبق بالفعل، فقد كان نموذجاً أقرب الى الحلم، أو المثال الذي يداعب خيال وحلم المسلمين، والمستمد من التاريخ في مراحل زهو وتقدم العالم الإسلامي، ويجب الاعتراف بأنّه خطاب، رغم عدم واقعيته، يمثل اليوم أكبر تحدٍّ للدول والمجتمعات الإسلامية والعالم أيضاً، فهو ملهم الإرهاب والتطرف وكثير من الأزمات والانقسامات السياسية والاجتماعية.

لم تعد حالات الكراهية والعنف المنتسبة للإسلام اليوم تقتصر على جماعات سرية منظمة لكنّها حالة اجتماعية منتشرة وممتدة

تساند خطاب "البديل الإسلامي" اليوم مؤسسات تعليمية، وإعلامية، وإرشادية، واستثمارية واسعة وممتدة في الأسواق والمجتمعات، وتتشكّل حولها مصالح ومجتمعات منفصلة عن السياق العام للدول والمجتمعات، لكنّها في الوقت نفسه، قادرة على الاستقطاب والحشد الاجتماعي والسياسي والمالي، وفي ذلك؛ فإنّ عمليات الخروج من المجتمعات، والانفصال الواقعي أو الشعوري عنها، تملك مقومات مادية وفكرية واجتماعية قوية ومؤثرة، ويجد أعضاء هذه الجماعات والمؤسسات الدعم الاجتماعي، والتضامن، وفرص العمل، والانتماء، والمشاركة؛ بل إنّ الخروج من هذه التجمعات التي تحولت إلى مجتمعات مغلقة ومنفصلة، يؤدي إلى خسارة مادية كبيرة في الأعمال والفرص، والحصار والنبذ الاجتماعي، والمقاطعة التي تجعل حياة من يترك هذه التجمّعات صعبةً وموحشةً؛ حيث يصبح بلا عمل ولا أصدقاء، وقد يتعرض للاستبعاد والإساءة حتى من أقرب الناس إليه.

وكانت الحالة الثالثة، الأشد خطورة وضرراً، هي نشوء جماعات وأعمال العنف والكراهية المنتسبة إلى الإسلام، سواء في جماعات وتنظيمات، متطرفة وإرهابية، تشكلت في تطورات الإسلام السياسي وتحولاته، أو في حالات فردية (الذئاب المتوحدة) تظهر فجأة، ودون معرفة أو سابق إنذار، وتلحق ضرراً بالغاً بالسلم الاجتماعي، والأمن، والاستقرار، الذي تقوم عليه حياة الناس ومصالحهم.

يمثل خطاب جماعات الإسلام السياسي أكبر تحدٍّ للدول والمجتمعات، فهو ملهم التطرف والإرهاب وكثير من الأزمات السياسية والاجتماعية

اليوم، لم تعد حالات الكراهية والعنف المنتسبة إلى الإسلام تقتصر على جماعات سرية منظمة، لكنّها حالة اجتماعية منتشرة وممتدة، وتظهر عمليات العنف الأعمى والعشوائي استعدادات لا تتوقف لدى فئات غير متوقعة من الناس للمشاركة في الإرهاب، وهي جميعها، سواء الجماعات السرية المسلحة، أو الحالات الفردية، أو الجماعات المتعصبة والمغلقة من غير عنفٍ، تنهل من مصادر متاحة ومنتشرة، تقدم العالم الإسلامي القائم اليوم، على أنّه غير إسلامي أو جاهلي، ويجب رفضه ومحاربته، وذلك يجعل المجتمعات والدول مهدّدة من داخلها، ومن خلال منظومتها التعليمية والإرشادية والإعلامية، ليس فقط من جماعات منظمة خارج سياق الدول والمجتمعات.

وتتمثل الحالة الرابعة، الخطيرة على السلم الاجتماعي، في تبرير الخروج على القانون، ومنح الخارجين شعوراً بعدم الذنب أو التقصير؛ إذ تتجرأ فئات من المتدينين على الغشّ، والسرقة، والاعتداء، والتزوير، اعتقاداً منها بأنّ الأفراد  والمجتمعات بخروجها من الإسلام، كما تعتقد، لا حرمة لمالها وأعراضها ودمائها، كما تعززت حالات الكراهية، واكتسبت مبررات دينية جعلتها صلبة ومتماسكة، وقابلة للتحول إلى العنف في أيّة لحظة، كما أنّها منعت نسبة كبيرة من المسلمين في الغرب من الاندماج في المجتمعات التي هاجروا إليها، فتحولوا إلى عبء على أنفسهم، ومجتمعاتهم الأصلية، والبلدان التي هاجروا إليها، لقد جعلتهم أفكار الكراهية والرفض وعدم تقبل الآخر، الذي هو ليس من جماعة المسلمين، فضلاً عن غير المسلمين، جماعات خارجة من المجتمعات، أو خارجة عليها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية