سيناريوهات ما بعد رواية السعودية حول وفاة خاشقجي

جمال خاشقجي

سيناريوهات ما بعد رواية السعودية حول وفاة خاشقجي


21/10/2018

رغم الجريمة البشعة التي ارتكبت بحقّ الكاتب السعودي جمال خاشقجي أثناء مراجعته قنصلية بلاده، إلا أنّ مبادرة النيابة العامة السعودية لكشف خيوط الجريمة، وتوقيف 18 متهماً بالقضية، والإعلان عن كيفية وقوع عملية القتل خلال التحقيق، إضافة إلى إعفاءات واسعة لمسؤولي الصف الأول في جهاز الاستخبارات السعودي، من مسؤولياتهم الأمنية، وتقديمهم لمحاكمات، فضلاً عن القرار الملكي بإعادة هيكلية جهاز الاستخبارات، كلّها إجراءات تؤكد جرأة سعودية في الاعتراف بالجريمة والتحقيق مع المتورطين فيها، على طريقة الدول الغربية والديمقراطية في التعامل مع هكذا جرائم جنائية، ذات البعد السياسي.

الرواية السعودية ستسهم في تخفيف حدّة الحملة الإعلامية الموجهة ضدّها

ولا ينفي الإعلان السعودي حقيقة أنّه جاء بعد ضغط رأي عام دولي، يطالب تركيا والسعودية بكشف الحقيقة، وتبدّلت خلال أسبوعين، مفاهيم وأهداف متابعة القضية، فدخلت إلى قاموسها مصطلحات التوظيف السياسي والصفقات والانتقام، بصورة مهينة لقيم الإعلام، ودخلت في هذا الحراك مؤسسات إعلامية ذات مصداقية تاريخية، خاصّة في أمريكا.

ستنشغل السعودية، لإثبات مصداقيتها، بالتعامل بشفافية مع القضية في التحقيقات

الرواية السعودية للجريمة ستسهم في تخفيف حدّة الحملة الإعلامية الموجهة ضدّها، رغم استمرار التشكيك بها من قبل خصوم المملكة، لكن من غير المرجح أن تنتهي القضية، ويغلق ملفها بإعلان الاعتراف بموت خاشقجي، فنحن أمام جريمة جنائية ذات أبعاد سياسية، اختلط فيها الاستثمار السياسي مع الجريمة، واللاعبون الرئيسون فيها يشكّلون مثلثاً: السعودية، تركيا، أمريكا.

اقرأ أيضاً: السعودية تعلن سبب وفاة خاشقجي

فمن جانبها؛ ستنشغل السعودية، لإثبات مصداقيتها، بالتعامل بشفافية مع القضية في التحقيقات مع المتهمين، والإجابة عن أسئلة كبيرة، في حال وجود تسريبات حول نتائج التحقيق، بالشكوك التي ستواجه بها أية روايات، خاصة أنّ الرواية المعلنة ما تزال محطّ شكوك أطراف دولية عديدة، في أمريكا وأوروبا، لا ترتبط مباشرة بأسئلة وفراغات في الرواية السعودية، بقدر ما ترتبط بحسابات حزبية داخلية في كثير من الدول، إضافة إلى الاستثمار السياسي والاقتصادي بالقضية، وبموازاة ذلك ستنشغل أيضاً في إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات العامة، الذي أثبت عدم كفاءته كجهاز استخباري، وجوانب خلل عميقة في قياداته، ارتباطاً بهذه القضية.

نحن أمام جريمة جنائية ذات أبعاد سياسية اختلط فيها الاستثمار السياسي مع الجريمة

أما تركيا؛ فرغم التصريحات على لسان قيادات من حزب العدالة، ووزارتي العدل والداخلية حول تعهدات بمواصلة التحقيق بشفافية، على مسارين: الأول مشترك مع السعودية، والثاني: مستقل، إلا أنّها تواصل التحقيق بناء على الرواية السعودية، التي تضمّنت إجابة عن السؤال الأهمّ في القضية؛ وهو مصير "جثة" خاشقجي، ومن الواضح أنّ هناك مواقف تركية داخل مؤسسات الحكم التركي، وليس موقفاً واحداً، عكسته كافة محطات تعامل تركيا مع القضية من بداياتها، بتعدد الروايات وربما تناقضها ونفيها، الأمر الذي تمّ تفسيره في أوساط عديدة؛ بأنّه مرتبط بمناورات تركية في إطار استثمار ما بعد خاشقجي، وهو ما يتوقع معه أن ينجح الرئيس أردوغان، في أن تحقق الرواية التركية بالنهاية هدفين، هما: استثمار القضية لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية مع السعودية وأمريكا، وأن يضمن في الوقت عينه مصداقية تركيا، التي أصبحت على المحك بهذه القضية؛ حيث ينتظر العالم روايتها بشغف.

نتائج التحقيق ستكون أبرز معايير مستقبل الرواية السعودية

وبخصوص أمريكا؛ فهناك ثلاثة مواقف:

الأول يمثله البيت الأبيض والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو مؤيد للرواية السعودية، رغم الارتباك في مواقفه، بين تطلعه لمزيد من التوضيحات حول روايتها، والإعلان صراحة عن إنجازات اقتصادية حققها مع السعودية يريد الحفاظ عليها، والثاني: تمثله أوساط في الكونغرس الأمريكي (غالبية الديمقراطيين مع قلة من الجمهوريين)، يستثمر في قضية خاشقجي على خلفية مواقف سابقة للقضية من ترامب والسعودية، والتدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية، ومرجح أنّ الصراع الأمريكي الداخلي مرتبط بانتخابات الكونغرس الأمريكي، التي ستجري خلال الأسبوعين القادمين، أما الثالث فيمثله الإعلام والصحافة الأمريكية، خاصة "واشنطن بوست"، ومحطة الـ "سي إن إن"، اللتين تخوضان صراعاً مع الرئيس ترامب منذ انتخابه.

سياسياً سيكون السيناريو صورة أخرى لتهمة التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية التي لم يستطع ترامب الخروج منها حتى اليوم

الرواية السعودية، على جرأتها بالاعتراف بالجريمة، والإجراءات التي أعلنت عنها، تشكل محطة مفصلية وذات دلالة في تطورات القضية، ستسهم في تخفيف الضغط على السعودية، إلا أنّها ليست نهائية، ومن الواضح أنّها لن تغلق ملف قضية خاشقجي حتى النهاية؛ إذ إنّ جملة من الأسئلة ما تزال مفتوحة، وتحديداً حول دور أوساط قيادية سعودية في جريمة القتل، ومقولات "أكباش الفداء"، كما أنّ نتائج التحقيق التركية، إضافة إلى نتائج التحقيق الذي تجريه أمريكا بشكل منفصل، ستكون أبرز معايير مستقبل الرواية السعودية، وهو ما يرجح أن تذهب القضية باتجاه سيناريو سيكون "جنائياً"، صورة مكبرة عن قضية اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري، مع بعض الاختلافات.

اقرأ أيضاً: حادثة خاشقجي... بحثاً عن الحقيقة لا عن السَّبق!

و"سياسياً"؛ سيكون السيناريو صورة أخرى لتهمة التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية، التي لم يستطع ترامب الخروج منها حتى اليوم، رغم أنّ سيناريو مفاجآت بانكشاف مزيد من المعلومات الجديدة ما يزال وارداً وبقوة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية