شطب "الجماعة الإسلامية" من لائحة الإرهاب قبلة حياة لها

شطب "الجماعة الإسلامية" من لائحة الإرهاب قبلة حياة لها


23/05/2022

عمرو فاروق

ما زال البيت الأبيض وقاطنوه يراهنون على جماعات الإسلام الحركي، وإعادة تديروها في حلبة المصالح الأميركية داخل الشرق الأوسط، في ظل شطب "الجماعة الإسلامية" من القائمة السوداء للإرهاب.

قرار الإدارة الأميركية، يعدّ بمثابة تحد للدولة المصرية التي عانت كثيراً جراء العنف الذي مارسته "الجماعة الإسلامية"، وتحالفاتها المتعددة مع تنظيم "الجهاد"، وتنظيم "القاعدة"، فضلاً عن دعمها تنظيم "داعش"، وقربها وتماهيها مع قيادات جماعة "الإخوان المسلمين". 

سطّرت "الجماعة الإسلامية" في القاهرة تاريخها الدموي بالكثير من مظاهر التطرف والتكفير والعنف، مؤمنة بقضية "التغيير" وفقاً للصدام المسلح مع رأس الدولة، وليس بالاحتكاك الناعم مع القواعد الجماهيرية، في تحقيق مبتغاها السيطرة على الحكم. 

تأسّس الكيان الفكري والتنظيمي لـ"الجماعة الإسلامية" نهاية السبعينات من القرن الماضي، معلنة عن نفسها بمجموعة من اللجان التي انتشرت في المدن والقرى، تحت لافتة "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"، فضلاً عن سيطرتها على عدد كبير من المساجد والزوايا، معتمدة سياسية الترهيب في عمق الشارع المصري، ومنصّبة من نفسها قاضياً للحكم على سلوكيات الآخرين وإيمانهم. 

لم تخرج الأدبيات الفكرية للجماعة عن الإطار المرسوم لدوائر الإسلام السياسي، من تبني تكفير الحكام ورجالهم تكفيراً عينياً، ووجوب قتالهم، وفقاً لقاعدة "قتال الفئة الممتنعة"، فضلاً عن تبنيها خطاباً ظاهراً ينادي بـ"العذر بالجهل"، وآخر سرياً يكفّر عوام المسلمين إطلاقاً. 

عقدت "الجماعة الإسلامية" تحالفاً مع تنظيم "الجهاد"، برعاية محمد عبد السلام فرج، (مؤلف كتاب الفريضة الغائبة)، لتنفيذ عملية اغتيال الرئيس محمد أنور السادات عام 1981، تمهيداً لإعلان القاهرة عاصمة للدولة الإسلامية الجديدة. 

المدقق في الجوانب الفكرية والحركية للجماعة يجدها المؤصل الأول لعمليات القتل ذبحاً، وسار على نهجها كل من تنظيم "القاعدة"، وتنظيم "داعش"، (القيادي علي الشريف، قام بذبح مدير أمن أسيوط، ووضع رأسه على المكتب، عقب اغتيال الرئيس السادات مباشرة عام 1981)، واعتمدت كذلك على التفجير والاغتيالات المباشرة في صراعها مع نظام الرئيس مبارك، مستعينة بفكرة "الخلايا العنقودية" المسلحة التي صاغها تنظيمياً رفاعي طه.   

تمكنت الأجهزة الأمنية من إحكام السيطرة على مفاصل "الجماعة الإسلامية"، وتحجيم جناحها المسلح، فأقرّت مبادرة "وقف العنف"، وما تبعها من مراجعهات فكرية، قادها كرم زهدي عضو مجلس شورى الجماعة، في تموز (يوليو) عام 1997، ودخلت حيز التنفيذ عام 2002، تحت رعاية اللواء أحمد رأفت، نائب رئيس جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حالياً).  

من قبيل المراوغة والتقية الحركية والفكرية، آمن أبناء عمر عبد الرحمن (الأب الروحي للجماعة الإسلامية)، بقاعدة "فقه الأسير"، والتي تعني أن ما يصدر عنهم بين جدران السجون لا يمثلهم تمثيلاً كاملاً، وأن استجابتهم للمراجعات الفكرية أو للمفاوضات، لا تعد سوى "تكتيك سياسي"، للهروب من قبضة الأجهزة الأمنية وضغوطها. 

التقطت "الجماعة الإسلامية" أنفاسها عقب سقوط نظام الرئيس مبارك عام 2011، والإفراج عن كبار قادتها الذين رفضوا التنازل عن مورثاتهم الفكرية المتمسكة بالعنف والتكفير ضد مؤسسات الدولة، أمثال عبود الزمر وطارق الزمر، واضعة إياهم في مقدمة صفوفها كرأس حربة للتعبير عن مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر، في الوقت الذي أطاحت فيه كلاً من كرم زهدي وناجح إبراهيم، أبرز رجالها الداعين إلى التخلي عن العنف المسلح. 

ارتمى تلاميذ عمر عبد الرحمن في أحضان جماعة "الإخوان المسلمين"، أملاً في أن ينالوا حظاً من كعكة السلطة والتشارك في إعلان القاهرة عاصمة للدولة الدينية، وإعادة بناء قاعدتهم التنظيمية من جديد في العمق الجغرافي للجنوب المصري، (المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا)، تحت الغطاء السياسي المقنن. 

لم يتوان أبناء "الجماعة الإسلامية" في خضم تصدرهم للمشهد السياسي، من التفاخر بتاريخهم الدموي، وتباهيهم بمقتل الرئيس السادات، واستهداف المسؤولين والسياسين في مرحلة التسعينات، والتعريض بنظام الرئيس مبارك، والاعتراف بقبولهم للمراجعات الفكرية خروجاً من قبو السجون، وهروباً من الملاحقة الأمنية، كنوع من تبرئة الذمة أمام مجاميع السلفية الجهادية. 

التدقيق في رصد الجوانب الفكرية والحركية لقادة الجماعة في العشر سنوات الأخيرة، يكشف عدم تخليهم عن التكفير أو حيادهم عن العنف المسلح، وإن كانوا قد لجأوا اضطرارياً للتعايش خضوعاً في كنف "التقية" السياسية والفكرية، في ظل قوة الأجهزة الأمنية وسيطرتها التامة على الأوضاع الداخلية عقب 30 حزيران (يونيو) 2013، في ما يخص مكافحة التطرف والإرهاب المسلح. 

فنجد أن مسؤول الجناح العسكرى للجماعة رفاعي طه، تنقل بين سوريا وتركيا، عقب 2012، وقُتل في نيسان (أبريل) 2016، خلال تدشينه معسكراً جهادياً مسلحاً يحمل لافتة "الجماعة الإسلامية" في العمق السوري، فضلاً عن مقتل أبو العلا عبد ربه، أحد المتهمين باغتيال المفكر المصري الدكتور فرج فودة، وقد لقي مصرعه في سوريا في آذار (مارس) 2017، وكذلك محمد عباس، المكنى بـ"أبو حمزة المصري"، (أمير الجماعة الإسلامية في منطقة عين شمس)، ورمضان التوني، المكنى بـ"أبو البراء المصري"، (مسؤول الجناح العسكري في بني سويف).  

وقفت "الجماعة الإسلامية" في خندق جماعة الإخوان من الكره والعداء لمؤسسات الدولة المصرية، (تحديداً المؤسسة العسكرية)، عقب سقوط حكم المرشد في حزيران 2013، مهددة ومتوعدة بتفجير القاهرة وضواحيها، ما لم يتم التراجع عن قرار إطاحة حليفها الاستراتيجي، ومشاركة في مخلتف التظاهرات والاشتباكات المسلحة التي استهدفت قوات الجيش الشرطة حينها، تحت لافتة "تحالف دعم الشرعية"، وتعاون بعضهم مع أجهزة دول معادية لمهاجمة الدولة المصرية من الخارج. 

ونظراً إلى ارتباطها بمجاميع السلفية الجهادية تاريخياً، لعب بعض أتباعها دوراً وظيفياً، كـ"سماسرة" في ملف التجنيد والاستقطاب، وتحفيز الشباب على السفر إلى مناطق الصراع المشتعلة في سوريا والعراق ولبييا واليمن، من باب "نصرة الجهاد".  

تفكك البنية التنظيمية للجماعات الأصولية، ليس دليلاً إلى فنائها أو تراجعها في ظل إشكالية تماسك المكوّن الفكري، واعتمادها استراتيجية القفز على حوادث المسرح السياسي وانتهازيته، وسهولة صناعتها لظهير شعبي من الدوائر الإسلاموية الحركية، يدعم تغلغلها في مفاصل الدولة والمجتمع، ويعيدها إلى المشهد من جديد. 

قرار الإدارة الأميركية شطب أبناء عمر عبد الرحمن من القائمة السوداء للإرهاب، بمثابة قبلة الحياة للجماعة وقياداتها المتمركزة في الداخل المصري، أو المنتشرة في الدول الأوروبية، ومحاولة لغسل سمعتهم وتبييض وجوههم، في ظل مرحلة ارتباك يمر بها الداخل المصري جراء ضغوط الأزمة الاقتصادية عالمياً. 

عن "النهار العربي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية