شكل الشرق الأوسط عام 2018

شكل الشرق الأوسط عام 2018


01/02/2018

تواجه الباحثين والخبراء ورجال الأعلام والسياسة، المهتمين بالشأن العام، وبمتابعة التطورات المحلية والعالمية، أسئلة صعبة، بداية كلّ عام، حول الأحداث والاتجاهات والظواهر التي سيتابعونها، ويهتمّون بها، ويعتقدون بأنّها تستحق الاهتمام والمتابعة؛ ابتداءً من الفن والتكنولوجيا، وصولاً إلى الاقتصاد والسياسة، وليس انتهاء بالحروب والصراعات.

قد يبدو هذا الأمر سهلا ً في الظاهر، لكنّه معقد جداً، عند الذهاب إلى العمق، في متابعة الأحداث، وترتيب أهميتها.

لا شكّ في أنّ هذا السؤال يكوّن أوّل ملف على طاولة المناقشة، بداية كلّ عام، وسواء أكنت صحفياً، أو باحثاً أكاديمياً، أو خبيراً إستراتيجياً، أو أمنياً استخبارياً، أو محللاً مالياً أو مصرفياً؛ فإنّ مسؤولك المباشر سيطرح عليك هذا السؤال:

ماذا ستتابع هذا العام؟ ولماذا تعتقد أنه مهم؟ وبماذا سيفيد مصلحتك أو مؤسستك التي تعمل بها؟

في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، الذي ننتمي إليه هويّة، لكنّها تذوب، أو تكاد، في فضاءات سيرورة العولمة الطاغية، الكثير من الملفات الساخنة التي تستحق المتابعة والاهتمام.

التطورات المحتملة لعام 2018 متعددة، وربما تكون خطيرة ومهمة، فماذا سوف نتابع منها؟

ولعلّ من أهم الأحداث والاتجاهات (فرعية/عظمى)، التي يتوقَّع أن تتوسّع هذا العام 2018، بحسب اعتقادي، وسأهتم بها إذا كنت باحثاً أو مهتماً أو صحفياً، أو كنت مسؤولاً عن صحيفة أو مركز دراسات، أو حتى لو كنت مديراً لجهاز أمني أو استخباراتي، الأحداث والاتجاهات الآتية:

أولاً: اتجاه "فشل الدولة"، بكلّ ما تعنيه الدولة من معنى، سواء الدولة القطرية، أو القومية، أو الدينية.

يتجلّى هذا الاتجاه، في تسارع ٍ خطير في مسألة انزلاق وتحوّل عدد من الدول العربية والإسلامية، إلى "دول هشة" مثل: اليمن، وليبيا، والصومال، وأفغانستان، ولبنان، وسوريا، والعراق، رغم الانتصار العسكري على تنظيم داعش، الذي يتوقَّع أن يظلّ خطراً ماثلاً، خاصة في العراق. وستواجه العراق وسوريا ملفات خطيرة وصعبة، في مسألة بناء الدولة المدنية، ومسألة التعامل مع القوميات والعرقيات المختلفة، خاصة مسألة الأكراد؛ التي يتوقَّع أن تتحول إلى مسألة تأزيم في المنطقة، بديلاً عن ملف الإرهاب، الذي تم التقليل من خطره حالياً، ثم هناك مسألة إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين والنازحين، التي تعتمد على تسويات صلبة في قضايا تحقيق الأمن، والمصالحات الوطنية التي تضمن مصالح كافة الأطراف.

وأعتقد بأنّ هذا الملف هو الأخطر، من بين الملفات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الآن وفي المستقبل.

وترافق ذلك مع زيادة حدة الصراعات العسكرية، كما في الملف السوري، واليمني، والليبي، والصراع المحموم بين روسيا، وأمريكا، وإيران، وتركيا، على الساحات العربية، والتعصّب المذهبي، والطائفية، وارتفاع وتيرة الاستقطاب السياسي، كما في الملف الخليجي-القطري، والملف المصري–السوداني حول الحدود ومياه النيل، والمغربي-الجزائري حول الحدود، والتنافس العسكري-السياسي كما في الملف السعودي الإيراني.

يوجد تسارع ٍ خطير في مسألة انزلاق وتحوّل عدد من الدول العربية والإسلامية، إلى "دول هشة" مثل: اليمن، وليبيا، والصومال، وأفغانستان، ولبنان، وسوريا، والعراق

وهذه كلّها ملفات مرشحة لمزيد من التصعيد، خلال عام 2018.

ثمّ إنّ جمود عملية السلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتوجّه إدارته الصلف نحو تنفيذ ما يطلق عليه "صفقة القرن"، وفشل مشروع حلّ الدولتين.

مع ضرورة الإشارة إلى أنّ هذا الأمر، قد يعني، انسحاب أمريكا من عملية السلام، إذا استمرّ صمود الرفض الفلسطيني، ومعه الأردني، في وجه الضغوطات الأمريكية.  أو استمرار نهج أمريكي جديد بالتراجع في الشرق الأوسط، لكنّه يبقى من الملفات التي يصعب التنبؤ بها، خاصة في ظلّ وجود ترامب. 

ويبقى الإرهاب والتطرف الديني، من الملفات الخطيرة والملغمة في المنطقة، حتى في ساحات تبدو مُحصّنة ضدّ تمدده؛ إذ قد يمتدّ مع طول الحدود من العراق وسوريا، إلى الأردن والسعودية، خاصّة أنّ الأردن يمرّ بمرحلة مخاض اقتصادية –اجتماعية عسيرة، وسط إجراءات اقتصادية إصلاحية، صعبة وغير مسبوقة، مترافقة مع توتر علاقاته مع إسرائيل، بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. والسعودية التي تمرّ، الآن، بمرحلة انتقالية عميقة نحو الدولة المدنية.

وفي مصر؛ تبقى سيناء مصدراً للخطر وزعزعة الأمن الداخلي، نظراً إلى حدودها الطويلة مع بؤر التوتر والصراعات المسلحة، في ليبيا وغزة.

ويتوقَّع أن تتحول مسألة ترشح الرئيس السيسي للرئاسة، لفترة ثانية، واستقطاب الدولة العميقة، خاصة في المؤسسة العسكرية، إلى بؤرة للتوتر السياسي، حتى إن فاز السيسي، وهو متوقَّع، في الانتخابات.

إنّ الأوضاع في المغرب العربي، ليست بحالٍ أفضل من المشرق العربي، فهناك كثير من الملفات المهمة والخطيرة، أهمها: تبعات الربيع العربي غير المنجزة، ويتجلى ذلك في بلد ثورات الربيع العربي؛ تونس التي لا زالت تمور وتفور، من حينٍ إلى آخر، في اعتصامات واحتجاجات، وجدت طريقها إلى الجزائر والمغرب، حتى السودان. وفي ليبيا؛ التي تحوّلت إلى "دولة هشّة"، ومجرد ممرّ متوحّش للرقيق، والمهاجرين في قوارب الموت. 

خلال 2018، الإرهاب والتطرف الديني،  يبقيان من الملفات الخطيرة والملغمة في المنطقة، حتى في ساحات تبدو مُحصّنة ضدّ تمددهما

يبدو أنّ ملف الإرهاب، خاصة ملف المقاتلين العائدين من ساحات القتال في سوريا والعراق، سيكون ساخناً ومربكاً للسلطات المغاربية ودول الساحل، خاصة في تونس التي تحتضن العدد الأكبر من هؤلاء المقاتلين.

وهناك خشية من تحوّل دول الساحل الخمس، خاصة مالي، إلى أفغانستان أخرى في المستقبل، وقد تشهد المزيد من التورط الفرنسي في الملف، ممّا قد يدفع بأزمات ارتدادية، تتفجر من جديد على التراب الفرنسي نفسه، من خلال موجات أخرى من هجمات "الذئاب المنفردة"، كما حصل في السنوات الماضية. 

والمثير في الأمر للمتابع؛ أنّ كلّ هذه الملفات مفتوحة على كافة الاحتمالات، وتحمل كثيراً من المفاجآت.

الصفحة الرئيسية