صراع الأجنحة في إيران يقود إلى فشل في إدارة أزمة كورونا

كورونا

صراع الأجنحة في إيران يقود إلى فشل في إدارة أزمة كورونا


26/04/2020

مازالت إيران في قائمة الدول الأكثر تضرراً بفيروس كورونا المستجد، وذلك في ظل تنامي الوباء، وارتفاع أعداد المصابين والمتوفين، بحسب ما أعلنت عنه بيانات وزارة الصحة الرسمية، على لسان الناطق الرسمي باسم الوزارة، كيانوش جهانبور، حيث بلغ إجمالي عدد الوفيات، في 20 نيسان (أبريل) الجاري، نحو 5118، وازداد عدد المصابين إلى 82 ألفاً و211 حالة، لافتاً، في الوقت ذاته، إلى تسجيل نحو 1343 إصابة جديدة. كما وصف الناطق باسم وزارة الصحة الإيرانية حالات نحو 3456 من المصابين بأنها "حرجة".
هل تخفي طهران الحقائق؟
في حين تبدو الأرقام المعلن عنها من جهات رسمية في إيران مرتفعة وفي تزايد مستمر، فإنّ ثمة إحصائيات أخرى، كشفت عنها جهات حقوقية وصحفية، تبرز تفاوتاً شديداً في مستوى حالات الإصابة والعدوى والوفيات، جراء انتشار الفيروس التاجي، بينما تتهم الحكومة في طهران بإخفاء الحقائق والمعلومات، فضلاً عن الإخفاق في إدارة الأزمة؛ إذ كشفت منظمة مجاهدي خلق، المعارضة للنظام الإيراني، بأنّ الوفيات تزيد عن عشرين ألفاً.

اقرأ أيضاً: "من الاستبداد الديني إلى العسكري".. الحرس الثوري يستغل كورونا لفرض سيطرته على إيران
ومن جهته، يشير مركز أبحاث البرلمان الإيراني، إلى أنّه حذر، قبل أسبوع، من تداعيات عدم الالتزام بإجراءات العزل الصحي. وأفاد أنّ ذلك سيترتب عليه أنّ الفيروس قد يصيب نحو 75 بالمئة من إجمالي السكان في إيران، كما سينجم عنه وفاة ما يصل إلى 30 ألف إيراني، بينما في حالة تنفيذ الإجراءات الوقائية والالتزام بها، فإنه قد يصل عدد الوفيات إلى ستة آلاف شخص.

حالات نحو 3456 من المصابين حرجة
يبرز فيروس كورونا المستجد ضمن أحد أعراضه وتداعياته السياسية، حالة التصعيد بين الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والمرشد الأعلى، علي خامنئي، حيث فاقمت الأزمة الصراع القديم والتقليدي الناشئ بين الرئيس والمرشد، منذ وصول الأول في العام 2013 إلى منصبه؛ إذ احتدمت الخلافات بينهما، مؤخراً، على خلفية محاولات الحرس الثوري الإيراني تهميش دور الحكومة، ومن ثم، السيطرة التامة على أزمة الفيروس التاجي، سواء فيما يتصل بالعلاج والمكافحة الصحية، وكذا، تخصيص المستشفيات التابعة لـ "الباسيج" للخدمة العلاجية، مروراً، بالمعلومات والإحصائيات المعلن عنها حول حالات الإصابة والعدوى والوفيات، وصولاً إلى القرارات المختلفة الخاصة بالإجراءات الاحترازية.

الحرس الثوري يهمش الحكومة
توغلت قبضة الحرس الثوري على القطاع الصحي، وتعمقت سيطرته على نظام الرعاية الصحية منذ انتشار الفيروس التاجي، حيث يستحوذ بالفعل على قطاع هائل من المستشفيات العسكرية التابعة له، فضلاً عن الأطباء المنتمين لقواعده الطبية، ذات الطابع العسكري؛ حيث وجه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية بضرورة تدشين قاعدة طبية خاصة بمكافحة الوباء، وهو ما خلق فجوة وصراعاً جديداً بين الحرس الثوري ووزارة الصحة المدنية، حيث تم تجاهل الأخيرة في إدارة الأزمة والتعاطي معها.

اقرأ أيضاً: كيف أعاد فيروس كورونا تشكيل العلاقة الإيرانية العراقية؟
كما تصاعدت حدة التوتر، مرة أخرى، على الساحة السياسية الإيرانية بعد التقرير الذي أعدته هيئة الرقابة المالية، منتصف الشهر الجاري؛ إذ أشار التقرير إلى أن 4.8 مليار دولار من الأموال التي كانت مخصصة لاستيراد السلع الأساسية من الخارج (31 مليار دولار) ما زالت مفقودة، وكشف أنّ أحد الأسباب التي يمكن أن تفسر ذلك، يكمن في تخصيص هذا المبلغ بسعر حكومي منخفض لتجار لم يستوردوا أي شيء بل استحوذوا عليه، أو تجار قاموا باستيراد سلع أخرى، مثل السيارات بدلاً من السلع الأساسية.

فصل جديد من الصراع بين المرشد والرئيس
وهنا، كان لافتاً أنّ الرئيس روحاني حرص على الانخراط سريعاً في هذا الجدل، بحسب مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، حيث اتهم هيئة الرقابة المالية باتباع "سياسة انتقائية"، في إشارة إلى تغاضيها عن مراقبة الحسابات المالية للحرس الثوري، والسلطة القضائية، والمؤسسات الثورية، التي تعمل في إطار هيئات خيرية اجتماعية وتخضع لإشراف المرشد الأعلى للجمهورية مباشرة.

الأزمة الفيروسية وإدارتها السيئة في ظل الثنائية التي يعاني منها النظام الإيراني فرضت تأثيراتها السلبية على شعبية روحاني والإصلاحيين

كما لا يمكن فصل هذا التصعيد، بحسب المصدر ذاته، عن الجدل الدائر حول الأداء العام للمؤسسات الرئيسية في الدولة إزاء التعامل مع انتشار فيروس كورونا المستجد، خاصة، وأنه جرى بالتوازي مع توجيه انتقادات مستمرة للإجراءات التي تتخذها الحكومة، سواء في التعامل مع انتشار الفيروس أو مع العقوبات الأمريكية، حيث تم شن حملة واسعة للترويج للأدوار التي تقوم بها المؤسسة العسكرية، ممثلة في الحرس الثوري والجيش، في مكافحة انتشار الوباء، بل إنّ بعض وكالات الأنباء القريبة من الحرس الثوري بدأت في الإشارة إلى أنّ بعض التنظيمات الموالية لإيران، مثل حركة "النجباء" العراقية، تشارك في جهود مكافحة الفيروس في محافظة قم، تحديداً.
وفي إطار الصراع والخلاف المحتدم بين مؤسسات الحكم بإيران، برزت ملاسنات واتهامات بين أطراف عديدة، حيث قام إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية في إيران، والمقرب من المرشد الأعلى، بتوجيه هجوم ضد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، يرقى إلى حد تحميله المسؤولية المباشرة بتفشي الفيروس، والاتهام بعد القدرة على احتواء الأزمة، حيث قال: "كان من الممكن أن يتم احتواء فيروس كورونا بسرعة أكبر في حال لو تم الاعتماد على رأي خبراء وزارة الصحة بتطبيق التباعد الاجتماعي في وقت مبكر".
فساد الطغمة الحاكمة
ومن بين أبرز الوقائع التي تعكس حالة الصراع بين التيار المحافظ والأصولي، من جهة، والتيار المعتدل، من جهة أخرى، وما ترافقها من شبهة فساد مالي وصفقات تربح، هو قيام القوات البرية في إيران بزعم أنها اكتشفت جهازاً يقضي على فيروس كورونا، مما أثار حملة من الهجوم والسخرية ضدها.

اقرأ أيضاً: إيران على قائمة سوداء جديدة.. والسبب تمويل "التنظيمات الإرهابية"
الأمر ذاته، تورط فيه الحرس الثوري الإيراني، الذي أعلن بواسطة قائده، حسين سلامي، عن وجود جهاز اخترعته قوات الباسيج، بمقدوره الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا عبر مسافة تقدر بنحو متر وفي غضون 5 ثوان.
وفي تصريح بثته وسائل الإعلام المحلية في إيران، قال قائد الحرس الثوري: "إن ما ترونه ظاهرة جديدة وفريدة، حيث اخترعه بعض العلماء المخلصين في الباسيج بعد انتشار فيروس كورونا في البلاد"، موضحاً: "إن العمل الأساسي للجهاز مبني على إنشاء مجال مغناطيسي، أي من خلال تعبئة فيروس ثنائي القطب في الجهاز"، دون أن يوضح معنى التوصيف الجديد الذي يستخدمه عن الفيروس "ثنائي القطب".
وإلى جانب السخرية التي نالها الحرس الثوري، وكذا، القوات البرية، فقد أعلنت وزارة الصحة، عدم تأييدها لهذه الأجهزة المزعومة، فضلاً عن الجمعية الإيرانية للعلوم الفيزيائية التي أبدت شكوكاً حول الجهازين.

إخفاق في إدارة الأزمة
بيد أنّ شركة "إيركان مهر" الإيرانية، أوضحت في أعقاب الإعلان عن الجهازين، عن وجود شبهة فساد في وزارة الصحة الإيرانية والحرس الثوري، ومؤسستين أخريين تحت إشراف المرشد الإيراني، ذاته، تتصل باستيراد "أجهزة الكشف عن كورونا" من كوريا الجنوبية.

رئيس السلطة القضائية في إيران هاجم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وحمّله المسؤولية المباشرة عن تفشي الفيروس

وإلى ذلك، يرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، محمود أبو القاسم، أن فيروس كورونا فاقم من أبعاد الأزمة الداخلية في إيران بكافة جوانبها، بعدما تحولت البلد إلى بؤرة للوباء في الشرق الأوسط، وأصبحت تحتل مركزاً متقدماً من حيث معدلات الانتشار والوفاة، بينما اتهم النظام المعارضة وأطرافاً دولية أخرى بإخفاء حقيقة الضحايا، بالإضافة إلى التشكيك في الإحصائيات الرسمية، حيث توضح المعارضة بأنّ عدد الوفيات بلغ نحو عشرين ألفاً.
ويضيف لـ"حفريات": "تفاوتت تصريحات المسؤولين في إيران حول كورونا؛ فمن جانبه، وصف المرشد، علي خامنئي، وقائد الحرس الثوري، حسين سلامي، بأنّ الفيروس بمثابة هجوم إرهابي بيولوجي قامت بتصنيعه الولايات المتحدة، بينما تناقضت وزارة الصحة الإيرانية، من جانب آخر، مع تلك التصريحات جملة وتفصيلاً، وكشفت على لسان وزير الصحة الإيراني عن تحذيرها المبكر من وجود الفيروس وانتشاره، قبل الإعلان عنه بنحو شهرين، ما يعني عدم وجود تنسيق بين مؤسسات الدولة في التعاطي مع الأزمة".

اقرأ أيضاً: هذا ما كشفه فيروس كورونا في إيران
ويختتم الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، بأن الأزمة الفيروسية وإدارتها السيئة في ظل الثنائية التي يعاني منها النظام الإيراني، قد فرضت تأثيراتها السلبية على شعبية روحاني والإصلاحيين، بيد أنها زادت من فرص الجناح المتشدد والأصولي داخل النظام، حيث تراجع الرئيس الإيراني عن تحمل مسؤولية إدارة اللجنة المعنية بإدارة الأزمة، بسبب محدودية سلطته في مواجهة المؤسسات الموازية والمؤسسات العسكرية وتوتر علاقاته بها، بقيادة المرشد، والذي لطالما حمله مسؤولية إخفاق السلطة، خلال الأعوام الأخيرة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية