صفحة مجاملات واشنطن لبغداد تكاد تطوى

صفحة مجاملات واشنطن لبغداد تكاد تطوى


24/04/2019

اعتادت واشنطن مجاملةَ الدولة الجديدة التي أنشأتها في بغداد بعد 2003 حتى لو ذهبت الأخيرةُ إلى سياساتٍ لا تتفق مع الأولويات الأمريكية وفي مجالات شتى. هذا كان عائداً بحسب إدارة الرئيس بوش (2000-2008)، إلى أنّ النظام الذي أوجدته في بغداد "نموذج" في المنطقة يستحق منها الرعاية والدعم وهو ما فعلته بقوة، وبحسب إدارة الرئيس أوباما (2008- 2016) فالعراق ليس من أولوياتها وهو "إرثٌ ثقيل" من الإدارة السابقة تريد التخلص منه بأيّ ثمن، فكانت تغض النظرَ عن كل ما يأتي من بغداد خيراً كان أم شراً.

اقرأ أيضاً: ما معنى الكلام عن تحوّل كبير في علاقة بغداد بالرياض؟

وإذا كانت السنة الأولى من إدارة الرئيس دونالد ترامب، صاحب فكرة "العراق لا تحكمه دولة بل مجموعة من السراق" التي ظل يرددها مطوّلاً خلال حملته الانتخابية، قد تميزت بالتعاون مع حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وتحديداً في حملتها على تنظيم داعش الإرهابي، فإنّ السنة الثانية لم تمض بالاتجاه ذاته، في وقت مضت فيه واشنطن إلى القطيعة مع النظام الإيراني الذي تنظر إليه قياداتٌ مؤثرةٌ واسعة في العراق على أنّه "مقدس" لا يمكن المساس به.

فزعة عادل عبدالمهدي للحرس الثوري الإيراني عنت مؤشراً لواشنطن التي ترتب أوراقها نحو تشديد العقوبات على طهران

هذه النظرةُ هي ما دفعت رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي للسعي "جدياً" إلى ثني واشنطن عن قرار إدراج الحرس الثوري الإيراني على "لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية"، معتبراً القرار "يعزز انعدام الاستقرار في المنطقة".

والرجلُ كان صادقاً بالقول "في حال حدث أي تصعيد بين الولايات المتحدة وإيران سنكون جميعاً خاسرين"، فالخاسرون هنا، حتى وإن أرادَ توسيعها لتشمل المنطقة، هم كل القيادات العراقية المرتبطة بإيران الذين وصلوا إلى السلطة بعد 2005 وبدعم واسع من طهران التي كانت قد رعتهم لأعوام طويلة للعمل ضد عدوها السابق، نظام صدام حسين، وبدونها لن يتمكنوا من الصمود أمام موجات غضب شعبي تبدو اليوم كامنةً ولا تريد الاصطام بـ"دولة عميقة" تكشّر عن أنيابها الإيرانية إذا ما تعلّق الأمر بوجودها.

اقرأ أيضاً: سؤال في واشنطن: هل ستطلق طهران النار على الأمريكيين في العراق؟

"فزعة" عادل عبدالمهدي للحرس الثوري الإيراني عنت مؤشراً لواشنطن التي ترتب أوراقها نحو تشديد العقوبات على طهران، فوزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، قال بعد يومين (حرارة حماس عبدالمهدي للحرس الثوري الإيراني لم تفتر بعد) إنّ "الحرس الثوري الايراني يتحكم بعشرين في المئة من الاقتصاد العراقي".

عادل عبدالمهدي: في حال حدث أي تصعيد بين الولايات المتحدة وإيران سنكون جميعاً خاسرين

بومبيو كشف الجانب المؤلم عند عبدالمهدي وغيره من القيادات الموالية لطهران، فقال رئيس الحكومة العراقية خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، الثلاثاء الماضي، إنّ "الحرس الثوري لايعمل في العراق، وبالتالي فإنّ ما صدر عن وزير الخارجية الأمريكي بشأن عمل الحرس في العراق غير صحيح".

وجاء الردُّ في واشنطن عن دور الحرس الثوري الإيراني واسعاً وحاسماً فهو الذي تسبب بمقتل مئات الجنود الأمريكيين داخل العراق، وهو ما أكده وزير الخارجية بومبيو، خلال جلسة استجواب في الكونغرس، مستنداً إلى أرقام أمريكية تشير إلى أنّ إيران كانت وراء مقتل أكثر من 600 جندي أمريكي عندما دعمت طهران المليشيات الشيعية التي ظلت تنفذ عملياتٍ منتظمة ضد الوجود الأمريكي.

هنا يعطي الموقف الأمريكي معادلة واضحة؛ فالحرسُ الثوري الإيراني في العراق يعني المليشيات الشيعية مطلقة الولاء لطهران، وهو ما يعني رفع الغطاء عن ذريعة ظلت بغداد تكررها بسماجة ألا وهي أن لا وجود للمليشيات فهي صارت جزءاً من القوات الأمنية العراقية، وعند واشنطن التي لم تعد تتردد عن الحديث حول مصادرة إيران للقرار العراقي، فتلك ذرائع لم تعد تستسيغها ناهيك عن عدم تصديقها.

اقرأ أيضاً: ما نتائج مفاوضات واشنطن وطالبان؟

وقد يشمل الامتعاضُ الأمريكي من مواقف "الحليف" العراقي قضيةَ تمديد الإعفاء الممنوح له من العقوبات المفروضة على إيران حتى لو ظلت بغداد تكرر "لا يمكننا أن نستغني عن استيراد الكهرباء من إيران إلى ثلاثة أعوام مقبلة".

وهذا الاعتماد العراقي على إيران غيرُ مريح بالنّسبة إلى الولايات المتحدة التي سعت لتقليص نفوذ طهران وإعادة فرض العقوبات على المؤسسات المالية الإيرانية وخطوط الشحن وقطاع الطاقة والمنتجات النفطية.

جاء الردُّ في واشنطن عن دور الحرس الثوري الإيراني واسعاً وحاسماً فهو الذي تسبب بمقتل مئات الجنود الأمريكيين داخل العراق

كما أنّ هناك مؤشراً مهماً آخر على توقف مجاملات واشنطن لبغداد، فبعد أن كانت الأولى تقدم المبالغَ الطائلة للثانية مباشرة، ها هي تبدأ نهجاً جديداً يعتمد تقديم المبالغ للجهات المنفذة للمشاريع دون المرور بالسلطات العراقية التي صار الفساد دالّاً عليها، فقد أعلن القائم بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد "جوي هوود" أنّ بلاده تعتزم تقديم 100 مليون دولار أمريكي إضافي للمساعدة في تحقيق استقرار المناطق المُحررة من سيطرة داعش.

وستقوم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتقديم المبالغ إلى برنامج الأُمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي نفّذ مشروعات تنمية وإعمار للبنى التحتية في الأنبار ونينوى وصلاح الدين، فيما لم يسجل أي دور للسلطة العراقية ممثلة بالحكومات المركزية والمحلية في إعمار ما تهدم على نطاق واسع في المناطق المحررة من داعش.

البرنامجُ الدولي سجل نشاطاً واضحاً في مجالات تأمين عودة النازحين إلى مناطقهم التي كانت محتلةً من قبل نظام داعش، فيما لم تعد تخفي السلطاتُ الأمريكية امتعاضَها من نفوذ المليشيات الشيعية المسيطرة على القرار الأمني والحكومي في تلك المناطق، وهو نفوذ ينعكس في مواقف معرقلة لعودة المواطنين بذريعة أنّهم كانوا مؤيدين لداعش.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية