صيادو غزة يواصلون حياكة الشِباك.. فبماذا ترد إسرائيل؟

فلسطين

صيادو غزة يواصلون حياكة الشِباك.. فبماذا ترد إسرائيل؟


01/08/2018

في ميناء غزة البحري؛ يجلس الصياد محمد الهسي (33 عاماً) وسط كومة من شباك الصيد، يتفقد بيديه الشباك التي تعرضت للتلف بعد عودة إحدى رحل الصيد التي قام بها الصيادون للميناء، ليقوم بخياطتها، حتى تصبح هذه الشباك صالحة للقيام بعمليات صيد الأسماك القادمة.

يقول الهسي لـ "حفريات": إنّه "يعمل في حياكة شباك الصيد منذ أكثر من 15 عاماً، وقد تعلّم هذه الحرفة عن والده، الذي كان يمتهنها منذ أعوام؛ حيث يمكث ما يقارب من 12 ساعة يومياً لتصليح وصيانة شباك الصيد، باعتبارها مصدر الرزق الوحيد، له ولعائلته، ولا يستطيع الاستغناء عنها وتركها رغم صعوبة العمل بها".

منع الاحتلال إدخال الماكينات لصناعة الشباك أنعش مهنة حياكتها يدوياً

إغلاق المعابر يُنعش حياكة شباك الصيد

وأضاف: "يتم استخدام صنارة خشبية أو بلاستيكية وفي طرفها خيط حريري أو من النايلون المقوّى، للقيام بغزل الشباك وصيانتها يدوياً؛ حيث تتطلب الدقة والصبر أثناء العمل بها، كما أنّ هذه المهنة لا تخلو من الأضرار الصحية التي تحدثها للشخص الذي يعمل بها؛ فهي تؤدي إلى إصابته بآلام مزمنة في أسفل الظهر، نظراً للانحناء لفترات طويلة أثناء عمليات ترميم الشباك، إضافة إلى إحداثها ضعفاً حاداً في البصر نتيجة لضيق فتحات الشباك التي يتم تصليحها غالباً، وذلك حتى نتمكن من إعادة هذه الشباك صالحة للقيام بعمليات الصيد مرة أخرى".

اقرأ أيضاً: مهن موسمية تنعش جيوب الغزيين العاطلين عن العمل

وأشار الهسي إلى أنّ: "إغلاق المعابر بغزة ومنع السلطات الإسرائيلية من إدخال الماكينات الحديثة والمتخصصة في صناعة الشباك، أدّى إلى انتعاش مهنة حياكة شباك الصيد يدوياً، التي تتميز بالدقة والمتانة عن مثيلاتها من الشباك التي يتم تصنيعها إلكترونياً، والتي يتمّ شراؤها، أو التي تأتي كمساعدات خارجية من عدة دول لمساندة ودعم الصيادين بغزة".

ما يزال الصيادون في غزة يمتهنون هذه الحرفة ويورثونها لأبنائهم رغم الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ومصادرة قواربهم وتمزيق شباك صيدهم

وتعدّ تكلفة صيانة شباك الصيد "باهظة جدا"ً، وفق الهسي الذي يرجعها إلى  "ارتفاع أسعار المواد الخام اللازمة لعمليات الترميم والحياكة، التي يصعب توافرها داخل القطاع، ويتم الحصول عليها إمّا من خلال تهريبها عبر الأنفاق الحدودية مع مصر، أو من خلال السوق السوداء، الذي تباع فيه المواد اللازمة لحياكة الشباك بأثمان مضاعفة عن سعرها الأصلي ليشكل ذلك عبئاً مضاعفاً على الصيادين بغزة، في ظلّ محدودية مساحة الصيد التي يمارسون عملهم فيها بفعل المضايقات الاسرائيلية عليهم".

ويبين أنّ "أسعار شباك الصيد تختلف، حسب أحجامها وأنواعها، سواء كانت محيكة بخيوط حريرية أو من النايلون؛ حيث يبلغ سعر شبكة الصيد الواحدة، التي تتكون من ست صَفَّات، إلى أكثر من 9000 دولار أمريكي؛ فهي تمثل رأس مال الصياد لمزاولة مهنته وبقائه بها، أما تكلفة تصليح الشباك؛ فهي تختلف، بحسب مساحة الشباك الممزقة، التي تعرضت للتلف والمراد خياطتها، وبحسب البلات أو الخيوط التي تستهلكها عمليات الصيانة والحياكة".

مهنة متوارثة في القطاع

يمتهن حياكة شباك الصيد مجموعة كبيرة من الصيادين من مختلف الأعمار، لتداعب أصابعهم هذه الشباك أثناء نسجها وترميمها بعد تعرضها للتمزق أثناء القيام بعمليات الصيد، في مشهد يدل على المهارة والإبداع اللذين يتمتع بهما هؤلاء الصيادون، الذين عاشوا مع البحر، وعملوا في هذه المهنة لأعوام طويلة، بعد أن قاموا بمنحها جُلّ أوقاتهم وحياتهم للحفاظ عليها، وأضحت هذه الحرفة تعني كلّ شيء بالنسبة لهم، وذلك لضمان بقائهم مستمرين في عملهم، وكسب قوت يومهم.

300 صياد فقدوا مصدر رزقهم الوحيد لينضموا لقائمة العاطلين عن العمل بعد قيام البحرية الإسرائيلية بمصادرة مراكبهم وتدميرها

وتعدّ حياكة شباك الصيد من أقدم المهن التقليدية التي عرفتها فلسطين قديماً، والتي انتقلت من الآباء إلى الأبناء منذ مئات السنين، وما يزال الصيادون في قطاع غزة يمتهنون هذه الحرفة، ويتمسّكون بها، ويرفضون التخلي عنها، ويحاولون توريثها لأبنائهم حفاظاً على هذا الإرث العريق من الزوال والاندثار، رغم كافة الصعوبات والتحديات التي تواجههم، المتمثلة في المضايقات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة عليهم، ومصادرة قواربهم، وتمزيق شباك صيدهم وحرقها في عرض البحر.

ويبلغ عدد الصيادين في قطاع غزة 4000 صياد، يعتاش من هذه المهنة ما يقارب 70 ألف مواطن، 300 صياد منهم فقدوا مصدر رزقهم الوحيد بشكل تام لينضموا لقائمة العاطلين عن العمل بغزة، بعد قيام البحرية الإسرائيلية بمصادرة مراكبهم ومحركاتهم وتدميرها، فيما قتل صيادان اثنان، وجرح أكثر من 47، واعتقل عدد منهم خلال العام 2017.

يبلغ عدد الصيادين في قطاع غزة 4000 صياد

الاحتلال الإسرائيلي يمزق الشباك ويحرقها

أما الصياد محمود أبو ريالة (29 عاماً)، الذي يعمل في حياكة شباك الصيد منذ 8 أعوام، فيقول لـ "حفريات": إنّه "منذ ساعات الفجر الأولى يذهب لميناء غزة لترميم شباك الصيد التالفة، وهي مهنته التي لا يتقن غيرها، ليحيك بمهارة وخفة الأجزاء الممزقة، فيتنقل بين فتحة وأخرى ليجمع قطع الشباك ببعضها، لتصبح صالحة لصيد الأسماك".

سيطرة حماس على غزة والحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال على القطاع قليص مساحة الصيد إلى ثلاثة أميال بحريّة

ومن أسباب تمزق الشباك أثناء عمليات الصيد؛ بحسب أبو ريالة: مهاجمة الأسماك الكبيرة لها وتمزيقها، أو نتيجة ارتطامها بالصخور المنتشرة على طول ساحل قطاع غزة، غير أنّ مصادرة الاحتلال الإسرائيلي للشباك وتمزيقها وحرقها أحد أهم الأسباب التي قد تدفع الصياد للعودة إلى الشاطئ دون ثروته الرئيسة، وهي شبكة الصيد، وفق قوله.

وبيّن أبو ريالة: "حياكة شباك الصيد شهدت ازدهاراً كبيراً في قطاع غزة قديماً، وما تزال هذه الحرفة مستمرة إلى الآن، حتى أننا نضطر كثيراً للمبيت خارج منازلنا لإنجاز مهامنا وأعمالنا في الوقت المناسب؛ حيث ينتظر الصياد بفارغ الصبر الانتهاء من حياكة الشباك لكي يقوم بعمليات الصيد في عرض البحر، رغم قلة مساحة الصيد المسموح للصيادين العمل بها، والتي تتقلص تدريجياً، يوماً بعد يوم، إلا أنها تعدّ مصدر رزقهم الوحيد، ولا تتوافر بدائل لهم غيرها في ظلّ ارتفاع معدلات البطالة والفقر داخل القطاع لمستويات كبيرة".

اقرأ أيضاً: في غزة: مساجد بملايين الدولارات وفقراء بلا مأوى

ويشرح أبو ريالة: توجد أنواع مختلفة من الشباك التي تتم حياكتها وتصليحها، وهي عادة ما تستخدم في أوقات معينة من السنة، حسب تكاثر الأسماك داخل البحر، فهناك الشباك ذات الفتحات المتوسطة، التي تستخدم لصيد الأسماك الصغيرة؛ كالسردين والفريدي وغيرها، أما الشباك ذات الفتحات الكبيرة، التي تستخدم بالغالب من قبل قوارب "الجر"، فهي تقوم باصطياد الأسماك الكبيرة؛ كالوكس والغزلان والقروش، إضافة إلى استخدام الشباك الضيقة، التي تقوم باصطياد الأسماك الكبيرة والصغيرة على حد سواء، والتي يحظر تداولها وفق القوانين البحرية؛ لأضرارها الكبيرة على الثروة السمكية، إلا أنّ غياب الرقابة على الصيادين تجعلهم يستخدمون هذه الشباك بكثرة في اصطياد الأسماك.

اقرأ أيضاً: بعد تقليص خدمات الأونروا: صحة الفلسطينيين وتعليمهم في خطر

وينوه إلى أنّ "هذه المهنة، رغم صعوبتها، إلا أنّها تُشعر صانعها بمتعة وفرح كبيرين، خاصة عندما يتم إنجازها بالشكل المطلوب وبدقة وحرفية متناهية، كما أنّ ذلك سيمكننا من تحقيق عائد مالي جيد نستطيع من خلاله الإيفاء بتأمين متطلبات المعيشة الأساسية، في ظلّ الأزمات الاقتصادية المتتالية التي يعانيها ويعيشها سكان القطاع منذ عدة أعوام".

وبحسب اتفاقية أوسلو، الموقعة بين الجانبين؛ الفلسطيني والإسرائيلي العام 1993، التي نصّت على أنه "من حقّ الصيادين بغزة الوصول إلى عمق 20 ميلاً (32 كيلومتراً) لمزاولة مهنة الصيد"، لكن بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، عام 2006، والحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، والمضايقات والاعتداءات المستمرة التي تفرضها على سكانه، كلّ ذلك أدّى إلى تقليص مساحة الصيد إلى ثلاثة أميال بحرية فقط، وهي مسافة لا تلبي طموحات الصيادين؛ لخلوّها من الأسماك، والصخور التي تنمو وتتكاثر بجوارها الأحياء البحرية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية