ضد الشعب: كيف عادى تنظيم الإخوان المسلمين الحركة الوطنية المصرية؟

ضد الشعب: كيف عادى تنظيم الإخوان المسلمين الحركة الوطنية المصرية؟


05/06/2021

حسن حافظ

قد يتعجب البعض من خفوت اهتمام عناصر جماعة “الإخوان” وكوادرها بواقع ما يجري في غزة بعدما ملؤوا الدنيا صراخا حول العدوان الإسرائيلي الأخير، فبعدما نجحت الدولة المصرية في إقرار وقف إطلاق النار الذي رحب به الفلسطينيون قبل أي طرف آخر، وظهر للجميع أن القاهرة تلعب دور الوسيط والشريك المدافع عن المواقف الفلسطينية، وسط ترحيب من حركة “حماس” وأهالي القطاع، انفض مولد “إخوان” مصر، فيما ظل البعض منهم يهاجم القاهرة بكلام أقرب للهذيان، في مشهد ليس غريبا عن تاريخ جماعة تأسست على فكرة شق مسار الحركة الوطنية، واختارت دومًا أن تلعب لمصلحتها على حساب المصلحة الوطنية، فلم تهتم يوما بفكرة الوطن ويبدو أنها لن تهتم، والتاريخ كعادته يسجل ويرصد وقائع خيانة الجماعة للقضايا الوطنية على مدار عقود.

العداء لكل ما هو مصري بات ملاحظا  من قبل “الإخوان المسلمين” ومن حذا حذوهم، كراهية غير عقلانية ولا يمكن مناقشتها، لأنها لا تنطلق من البحث عن الأفضل لمصر كوطن، بل تتمترس خلف مصالح الجماعة وأطماعها في احتكار السلطة، وهو موقف نتيجة عقود من التربية الإخوانية التي مسحت أي شعور بالوطنية عند أجيال الجماعة، في مقابل صناعة هوية تقوم على مشاعر لا وطنية، تحلم بدولة إخوانية تتسع لتبتلع العالم كله، أركانها أن “الإخواني” يمتلك الصواب المطلق، وأن من خارجها هو خارج سفينة الجماعة الناجية، لذا لم يكن غريبا أن تكون الذهنية الإخوانية غير وطنية في معظم المنعطفات التاريخية في مصر منذ تأسيس الجماعة وحتى الآن.

كيف جاءت بداية جماعة الإخوان بعيدا عن الحركة الوطنية بالتحالف مع الإنجليز والقصر؟

جاء حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان من أصول ريفية، وكان واقعا تحت تأثير صدمة سقوط “الخلافة” العثمانية بعدما قرر مصطفى كمال أتاتورك إلغائها، وإعلان الجمهورية التركية 1923، لذا أسس البنا الجماعة في سنة 1928، على أمل استعادة فردوس الخلافة المفقود، ورغب في أن يشكل ميليشيات شبه عسكرية، بحسب توصيف المؤرخ رؤوف عباس حامد في دراسته “الإخوان المسلمون والإنجليز”، وهو في ذلك يساير موضة تشكيل الحزب الفاشي في إيطاليا لميليشيات مسلحة لقمع المخالفين، وإن أضاف البنا صبغة دينية بديلا عن الطابع القومي لهذه الحركات، فمشروع البنا كان في منبته منقطع الصلة بقضايا الاستقلال والدستور والتحديث التي شغلت القوى السياسية المصرية وقتذاك وفي مقدمتها حزب “الوفد” الليبرالي وأكثر الأحزاب شعبية.

وعندما أصدر البنا مجلة “النذير” الأسبوعية العام 1939، كتب افتتاحية العدد الأول، والتي قال فيها صراحة: (سننتقل من دعوة الكلام وحسب، إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال، وسنتوجه بدعوتنا إلى المسؤولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وكل حكامه وشيوخه ونوابه وأحزابه، وسندعوهم إلى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا، فإن أجابوا الدعوة… آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة… فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق لاستعادة كلمة الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة). وبطبيعة الحال من يضع تعريف الإسلام هو البنا وجماعته بشكل حصري، كما يؤسس هنا لخطاب يعادي الأحزاب والحياة السياسية.

واللافت أن البنا اختتم الافتتاحية بإبداء أمل الجماعة في “جلالة الملك المسلم”، في إشارة إلى الملك الشاب فاروق الأول، ما يكشف التحالف القوي بين القصر والإخوان في تلك الفترة، خاصة أن الملك وحاشيته كانوا أجهزوا على الحياة السياسية وأطاحوا بحكومة الأغلبية، وهنا ظهر التحالف والتعاون بين الإخوان والقصر، والذي رصده بدقة رؤوف عباس حامد، فهو يرى أن التحالف بين القصر والإخوان تم تحت أعين قوات الاحتلال البريطاني، إذ رغبت في استخدام البنا وجماعته لتضييق الخناق على حزب الوفد رافع لواء المصالح الوطنية والداعي للاستقلال والحفاظ على الدستور الذي يحجم صلاحيات الملك.

وينقل رؤوف عباس عن تقرير للمخابرات البريطانية في عام 1942، رصد لندن أن (القصر بدأ يرى أن الإخوان مفيدون وأضفى حمايته عليهم)، هنا تلاقت أهداف الاستعمار والقصر، فبدأت بريطانيا جس نبض الإخوان وفتح قنوات اتصال مبكرة مع الجماعة، ووفقا للمؤرخ الإنجليزي مارك كورتيس في كتابه “التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين”، فإنه بحلول سنة 1942 بدأت بريطانيا في تمويل جماعة “الإخوان” بشكل قاطع، إذ عقد مسؤولو السفارة البريطانية اجتماعًا مع رجال الحكومة المصرية، المعينة من قبل الملك فاروق اجتماعًا في 18 مايو 1942، بهدف بحث عملية تمويل “الإخوان”، والعمل على تحجيم نفوذ حزب “الوفد” في الشارع المصري، لذا لم يكن غريبًا أن ينظم “الإخوان” مظاهرة عسكرية لاستقبال الملك فاروق العام 1937، وصفتها مجلة “الإخوان المسلمين” بـ “حشد لم يسبق له نظير في تاريخ مصر الحديث”.

لذا لم يكن غريبا أن لا تهتم الجماعة بإجراءات حكومة إسماعيل صدقي التي أدت لتأميم الحياة السياسية، وفي وقت انشغلت البلاد والقوى الحزبية والعمالية والطلابية للدفاع عن الدستور، لم تهتم “الإخوان” بهذا الحراك في تكريس لانفصالها عن الحركة الوطنية، وهو ما رصده المؤرخ عبد العظيم رمضان في كتابه “الحركة الوطنية”، إذ يقول: “وفي عام 1932، ومع أن البلاد كانت تخوض صراعا دمويا ضد عهد صدقي باشا ودستوره، إلا أن الإخوان أداروا ظهورهم تماما لهذا الصراع، وانصرفوا إلى شؤون العالم الإسلامي الخارجي يهتمون بما يدور فيه من خلافات”، لافتا إلى أن جريدة “الإخوان المسلمين” لم تكتب حرفا واحدا عن المعركة الوطنية والدستورية في مصر.

وفي ظل هذا الصراع صدرت جريدة الإخوان بصورة على الغلاف للملك فاروق، وذهب البنا ووفد من الجماعة إلى قصر عابدين لتقديم العدد هدية للملك، ليقدموا خدماتهم للملك في صراعه ضد الوفد ممثل الحركة الوطنية المصرية، وعندما دخل إسماعيل صدقي في صراع مع الحركة الوطنية العام 1946، ورفض مطالب القوى الوطنية بالحصول على الاستقلال التام لا التفاوض على معاهدة جديدة تقر الاحتلال البريطاني كما يرغب صدقي، لجأ الأخير إلى العنف والقمع ورد الطلاب والعمال بالتظاهرات التي أدت إلى سقوط قتلى، وأمام صعوبة الوضع لم يجد صدقي إلا الإخوان لشق وحدة الطلاب، فكونت الجماعة “الجنة القومية للطلبة والعمال” والتي رأى فيها الباحث مازن مهدي، “محاولة يائسة من قبل صدقي باشا والإخوان المسلمين بهدف ضرب الحركة الوطنية الطلابية، وشق وحدة الصف بين الطلبة والعمال”.

خدمات “الإخوان” في خيانة الحركة الوطنية لصالح القصر والإنجليز، انتهت نهاية “جزاء سنمار”، فالقصر وأحزابه بعد الانتهاء من استخدام الجماعة في مهاجمة حزب “الوفد”، بدأوا في التخلص من الجماعة نفسها التي دخلت في مرحلة استغلال التقارب مع القصر للتمكين لنفسها وتكوين ميليشيات شبه مسلحة، فكان قرار النقراشي باشا رئيس الوزراء وقتذاك، بحل جماعة “الإخوان” ديسمبر 1948، واستندت الحكومة في قرار الحل على مذكرة اتهام أعدتها وزارة الداخلية تتضمن جميع أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعة، وضمت المذكرة 13 مادة، وحاول البنا التملق للقصر والحكومة على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنه لما تأكد من النهاية أوحى لرجاله باغتيال النقراشي، فكان رد القصر باغتياله شخصيا، فمات وحيدا بعيدا عن الحركة الوطنية.

هل تغير الوضع بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952؟

لم تتعلم جماعة “الإخوان” وظلت حبيسة أطماعها الذاتية في احتكار السلطة والجلوس على عرش الدولة بشكل منفرد، فمحنة نهاية الملكية عمقت الشعور الذاتي بالمظلومية، فلما جاء أحداث 23 يوليو 1952، واستطاع ضباط الجيش تنفيذ انقلاب على النظام الملكي، سارع سيد قطب إلى إطلاق وصف “الثورة” على ما جرى، وكان “الإخوان” يرون في حركة الضباط الأحرار فرصة ذهبية للسيطرة على حكم مصر، فيما رأى الضباط الأحرار وهم يبدأون حكم البلاد في الجماعة أداة لتصفية الحياة الحزبية والحركة الوطنية، ولدينا شهادة خالد محيي الدين في مذكراته “والآن أتكلم”، التي أكدت وجود صلة بين الضباط الأحرار و”الإخوان”، في إطار سعي الضباط في بداية حكهم البحث عن القوى القادرة على حشد جزء من الشارع لصالح القوى الجديدة الصاعدة، بل أن بعض الإخوان تمادوا واعتقدوا أن الثورة التي أطاحت الملك فاروق هي ثورة إخوانية، ونظروا إلى قادة التنظيم نظرة تقدير وعرفان، وانتظروا منهم البدء في إقامة دولة إخوانية، فيما لم يكن الضباط الأحرار -وخاصة عبد الناصر- يدينون لأحد بما حققوه من نجاح إلا لأنفسهم فقط.

ووفقًا لعبد العظيم رمضان، في كتابه “الإخوان المسلمون والتنظيم السري”، فإن القيادي الإخواني صالح أبو رقيق كان أول من علم بميعاد الثورة قبل وقوعها، فوفقًا لشهادة عضو مجلس قيادة الثورة، ففي صباح اليوم السابق على الثورة مباشرة، ذهب عبد الناصر وكمال الدين حسين إلى صالح أبو رقيق، وكان من قادة الإخوان، وأخطراه حسب الاتفاق المسبق بموعد الثورة، بهدف كسب تأييد الإخوان لتحرك الضباط، فجاءت موافقة مرشد الجماعة حسن الهضيبي بالموافقة على دعم الضباط، فخرج بيان تأييد الجماعة لتحرك الضباط في 29 يوليو أي بعد قيام الثورة بستة أيام.

هكذا ربطت جماعة “الإخوان” نفسها بمجلس قيادة الثورة، واستمرت العلاقات الودية بين الطرفين بشكل أساسي في الشهور الأولى التالية على ثورة يوليو، حاولت الجماعة استثمار هذه العلاقة لفرض نفوذها على تنظيم الضباط، بدأت بمحاولة المطالبة بضرورة عرض القرارات الكبرى قبل إعلانها، وعرض محمد نجيب على الجماعة التقدم بأسماء ثلاثة أشخاص لضمهم للتشكيل الوزاري الجديد، وواصلت الجماعة خيانة التيارات الوطنية فلم تهتم بتصفية الحياة السياسية عندما صدر مرسوم حل الأحزاب ومصادرة أموالها، في 18 يناير 1953، وكان ثمن سكوت “الإخوان” هو استثناء الجماعة من القرار بحجة أنها جماعة لا ينطبق عليها ما ينطبق على الأحزاب من أحكام.

لكن كالعادة دفع “الإخوان” ثمن شبق السلطة سريعا، فعند الصراع بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر على قيادة البلاد، انحازت الجماعة لصف نجيب، فلما انهزم الأخير، حاولت الجماعة استعراض القوة في تظاهرة أمام جامعة القاهرة يناير 1954، وتجمعت معلومات بمحاولة “الإخوان” لتجنيد عناصر بالجيش والشرطة استعدادا للانقلاب على عبد الناصر، الذي رد بإصدار قرار مجلس قيادة الثورة بحل الجماعة، فنظم قادة التنظيم السري تظاهرة حاشدة أمام قصر عابدين في 28 فبراير، ومارس أنصار الإخوان الإرهاب وأطلقوا النار في قصر النيل، لكن تحركات الجماعة فشلت مرة أخرى وخرج محمد نجيب من المشهد، وانتصر عبد الناصر، هنا لجأت الجماعة إلى خيانة الأمة المصرية عبر التحالف مع الإنجليز مجددا.

كيف سعت جماعة “الإخوان” للتحالف مع الإنجليز ضد جمال عبد الناصر؟

لم يجد “الإخوان” فرصة لخيانة فكرة الوطنية إلا وانتهزوها، لذا لم يكن غريبا أن يكشف الباحث المؤرخ البريطاني مارك كورتيس في كتابه “التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين”، تاريخ العلاقات البريطانية الإخوانية، استنادًا لوثائق أصلية في الأرشيف البريطاني، وكيف استخدمت لندن الجماعة في تثبت أقدام الاحتلال في وادي النيل، لكن الأخطر والذي تكشفه الوثائق البريطانية، هو التحالف بين “الإخوان” ورجال الاحتلال لمواجهة زعامة عبد الناصر الصاعدة، ففي أوائل 1953، اجتمع مسؤولون بريطانيون مباشرة بمرشد الجماعة حسن الهضيبي، ويخلص ريتشارد ميتشل، صاحب أهم دراسة عن “الإخوان المسلمين”، إلى أن دخول “الإخوان” في مفاوضات الجلاء تم بطلب من البريطانيين وآثار صعوبات بالنسبة لمفاوضي الحكومة المصرية، موفراً “للجانب البريطاني أداة للتأثير”، وأشار كورتيس إلى أن البريطانيين في سعيهم لاستطلاع وجهات نظر “الإخوان”، كانوا يرغبون في استخدام الجماعة للتدخل في شؤون الأمة المصرية، وكان الهضيبي في موافقته على إجراء المحادثات، يدعم هذه الفكرة وبذلك يضعف موقف الحكومة.

وأكد محمد حسنين هيكل هذه الوقائع، كاشفاً في كتابه “ملفات السويس”، تلقي عبد الناصر لتقارير عن الاجتماعات التي عقدها الهضيبي في بيته مع المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، تريفور إيفانز، وأخبر الهضيبي البريطانيين رغبته في التحالف معهم حال الوصول إلى السلطة، على أن يمنح بريطانيا حقوقًا دائمة في قاعدة قناة السويس بعد الانسحاب الرسمي لقوات الاحتلال، وهو ما جعل عبد الناصر يستشيط غضبًا من هذه التقارير التي جاءت في وقت تتعثر فيه مفاوضات الجلاء مع الاحتلال البريطاني، وكانت الجماعة تتلاعب بالمواقف الوطنية من أجل تثبيت مكاسب خاصة بها، فالجماعة طوال تاريخها لم تهتم إلا بتحقيق مصالحها الشخصية، فالجماعة وفقا لشهادة المستشار طارق البشري، في كتابه “الحركة السياسية في مصر”، كان اهتمامها بالقضايا الوطنية ضعيفًا منذ الأربعينيات.

وتحتوي ملفات الأرشيف البريطاني على مذكرة تتضمن تفاصيل اجتماع عقد بين المسؤولين البريطانيين والإخوان في 7 فبراير 1953، أخبر فيه شخص اسمه “أبو رقيق”، المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، تريفور إيفانز، أنه: (إذا بحثت مصر في كل أرجاء العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا)، وفسرت السفارة البريطانية في القاهرة هذا التعليق بأنه يكشف عن وجود مجموعة داخل قادة الإخوان مستعدة للتعاون مع بريطانيا، لكن هذه الاتصالات أدت إلى توتر العلاقة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة، وجاء قراره بحل الجماعة التي ردت بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في المنشية أكتوبر 1954، وهي جريمة يبدو أن الإنجليز كانوا على علم بها، كما أن الجماعة بعد أن شعرت بـ “التمكين” في عهد محمد مرسي اعترف كوادرها بتدبير محاولة الاغتيال بعد عقود من الإنكار.

ويقر كورتيس الذي ألف كتابه في 2010 بأن الكثير من الملفات البريطانية الخاصة بأزمة “قناة السويس” قيد الرقابة رغم مرور عقود طويلة عليها، لكن بعض المعلومات تسربت على مر السنين حول مختلف المحاولات البريطانية للإطاحة بعبد الناصر أو اغتياله خصوصا في ظل أزمة السويس 1956، وانطوت واحدة على الأقل من هذه الخطط على التآمر مع “الإخوان المسلمين” لتنفيذ عملية اغتيال عبد الناصر وقلب نظام الحكم والمجيء بحكومة إخوانية متحالفة مع الإنجليز إذا ما نجح العدوان الثلاثي على مصر، وقد أجريت لقاءات سرية بين رجال المخابرات البريطانية وعناصر الإخوان في سويسرا من أجل هذا المشروع الذي يكرس نزعة الخيانة عند الجماعة التي أسست تاريخها كله على معاداة الوطنية المصرية.

هل تغير نهج الجماعة في عقد السبعينيات؟

لم تغير الجماعة نهجها أبدا، فهي ترى نفسها فوق أي شيء سواء الوطن أو الأحزاب، تعيش في وهم احتكار الصواب، لذا لم تجر أي مراجعة حقيقية لأخطاء الجماعة المتمثلة في خيانة الحركة الوطنية باستمرار، فكانت النتيجة الطبيعية هي تكرار نفس الأخطاء بسذاجة من لا يريد أن يتعلم من تجاربه الفاشلة، وهو ما تكرر في عصر أنور السادات، الذي أراد استخدام الإخوان والتيار الإسلاموي عموما في ضرب التيار الناصري القومي العروبي، مع تصفية المشروع الوطني المصري للتصنيع واستقلال القرار المصري، ولم يجد السادات أفضل من الإخوان لاستخدامهم، فهو يدرك أن شهوة الحكم لديهم ستعميهم عن الهوة التي يتوجهون إليها.

وطالت اعتقالات السادات الشيوعيين والناصريين، الذين رفضوا أجندة الرئيس المؤمن الاقتصادية بعنوانها الأبرز “الانفتاح”، والسياسية بمعاهدة السلام مع إسرائيل وتسلم أميركا جميع كروت اللعبة، فكان أن اختار إطلاق يد “الإخوان” لتكون الجماعة ذراعه خصوصا أنه اكتشف انهيار شعبيته بعد انتفاضة الخبز يناير 1977، وهي الانتفاضة الشعبية التي لم تشارك فيها الجماعة كتنظيم، فلا يهمها صراخ المصريين من غلاء أو فساد، طالما أن تجاهل صوت الشارع سيضمن لها مكانا في تركيبة السلطة الحاكمة.

وكشف المناضل اليساري كمال خليل في كتابه “حكايات من زمن فات” عن الدور الإخواني في إجهاض انتفاضة الخبز، وهو موقف معلن من الجماعة التي أفردت مجلة “الدعوة” صفحاتها لمقالات تهاجم التحرك الشعبي، وتصفه بـ “الفتنة”، والمطالبة بوأدها لأنها من تنظيم الشيوعيين أعداء الله، وحتى مواجهات الإخوان مع السادات في نهاية حياته كانت تدور حول رغبة الجماعة في مساحة أكبر من النفوذ لا دفاعا عن حقوق المصريين، وهو ما رد عليه السادات بشراسة، ليلقي بقيادات الجماعة في السجون ضمن حركة اعتقالات واسعة طالت معظم التيارات السياسية.

انتهازية “الإخوان” جعلتهم لا يشاركون تنظيميا في تظاهرات 25 يناير 2011، فضلوا الاحتفاظ بتحالفهم غير المعلن مع نظام حسني مبارك، على أن يشاركوا الجماهير الغاضبة ثورتها ضد الظلم والتردي الاجتماعي، لكن الأمور تغيرت عندما اتضح أن هناك ثورة شعبية، فقررت الجماعة انتهاز الفرصة والمشاركة بداية من 28 يناير، فالجماعة التي خرجت ببيانات تنفي فيها المشاركة في 25 يناير، وأكدت أنها ليست مع هذا الأسلوب -الأمر الذي أصاب شباب الجماعة بالإحباط والذين شارك البعض منهم في التظاهرات بشكل منفرد- عادت وخلعت ثوبها لترتدي ثوب الثورة وتتحدث باسمها، لتكشف في الواقع عن حقيقة هذه الجماعة التي لا تبحث عن مصالحها الذاتية غير المرتبطة بمصالح مصر والمصريين، في تكريس لتاريخ طويل من خيانة القضايا الوطنية لا تزيده الأيام إلا رسوخا ولا تزيده الحوادث إلا وضوحا.

عن "مركز الإنذار المبكر"

الصفحة الرئيسية