ضريبة كورونا: ماذا يعني خسارة 1,8 ترليون ساعة دراسية حول العالم؟

ضريبة كورونا: ماذا يعني خسارة 1,8 ترليون ساعة دراسية حول العالم؟


27/09/2021

"الذهاب إلى المدرسة والتعلّم، هو حقّ مركزي من أجل نماء كلّ طفل وسلامته وعافيته"، انطلاقاً من هذا الحق بدأت اليونيسيف حملتها تحت عنوان: "أعيدوا فتح المدارس"، موجّهةً الأنظار إلى العداد التراكمي لفقدان الساعات الدراسيّة الناتجة عن "كوفيد 19" الذي يشير إلى خسارة الأطفال "1,8 ترليون" ساعة دراسيّة (وجاهيّة) حول العالم، وبالطبع ما يزال العدد في ازدياد.

اقرأ أيضاً: لماذا لم يتسع العالم للجميع؟

هذه الخسارة الكميّة لساعات الدراسة لا يمكن أن نلمس خطورتها إلا من خلال تقصّي الأهمية الكيفيّة للتعليم، وقد نتمكن مع "كريشنا مورتي" في كتابه "التعليم وقيمة الحياة" تقديم وترجمة "ظبية خميس"، أن نذهب إلى أبعد وأعمق مما تبدو عليه هذه الخسارة؛ فعلى رغم القِدم النسبي لكتاب "مورتي"، بتعبير المترجمة حيث يرجع إلى منتصف القرن الماضي، إلّا أنه يحمل إضاءاتٍ عميقةً على مأزق التربية في مجتمعات اليوم.

تأتي أهميّة كتاب "التعليم وقيمة الحياة" إلى كونه ينظر إلى التعليم كناتج عن التربية لا العكس

"إنّ التعليم ليس مجرد تحصيل للمعرفة، ليس تجميعاً وتنسيقاً للوقائع والحقائق، إنّه أن نرى قيمة وأهمية الحياة ككلّ"، في الحقيقة إنّ "كوفيد 19"، ما يزال فرصةً مناسبةً لإعادة التفكير بقيمة الحياة وأهميّتها، إذ إنّ كوفيد قبل أن يكون تهديداً للاقتصاد وسوق العمل، هو تهديدٌ للحياة البشرية، ولكن إذا كان كلّ ما يعنينا في التعليم هو تنسيق الوقائع وتجميعها، أي تحصيل المعرفة، فنحن نرى أنّه على الرغم من كلّ المعارف المذهلة التي توصّلنا إليها، لم نكن على قدرٍ من الكفاءة اللازمة لانحسار هذا الوباء، الوباء الذي هو صنيعتنا، أو ما يمكن اعتباره ناتجاً واقعيّاً لمردود التعلّم والنهج المعرفي لنظام التعليم.

اقرأ أيضاً: هل من أفقٍ للتربية الإعلامية في مجتمعاتنا؟

"يتوجب على التعليم أن يوقظ القدرة على الوعي بالذات، وليس مجرد الانغماس في إرضاء هواجس التعبير عن الذات"، إنّ هواجس التعبير عن الذات دون صيرورة وعيها، هي الحليف الأساسيّ لتنامي العُصاب المعاصر عند الفرد والجماعات، إذ إنّ القدرة على وعي الذات، تساهم في الحدّ من تنامي الرغبات القسرية التي تدعمها الأنظمة التربوية خفيةً، فالقيمة الاعتبارية والتراتبيّة التي يصنّف المجتمع من خلالها الأفراد وأهميتهم، تنشأ من عدم السماح لوعيهم أنّ يتشكل خارج حدودها، بمعنى أنها تعترف بهم فقط حين يتنازلون فعليّاً عن ذواتهم، ومن ثم سيعيش الأفراد حياتهم في محاولة يائسة للعثور على الذات في المكان الخاطئ.

هذه الخسارة الكميّة لساعات الدراسة لا يمكن أن نلمس خطورتها إلا من خلال تقصّي الأهمية الكيفيّة للتعليم

 "إنّ النوع الصحيح من التعليم يتكوّن من فهم الطفل كما هو، دون إرغامه على مثال لما نفكر أنه يتوجب أن يكون عليه، فأن نضعه في إطار محدد لنموذج أو مثال، هو أن نشجعه على القولبة، التي تولّد الخوف وتنتج في داخله تضارباً مستمراً ما بين ما هو وما يتوجب عليه أن يكونه"، هذا ما يعنيه بالضبط أن ينقلب التعليم على وظيفته، فما يتوجب أن يكون يصبح أهم بكثير مما هو كائن، والنماذج التي نحاول تسويقها من خلال المناهج، ستعطّل عملية الفهم تعطيلاً كاملاً، سواء فهمنا للطفل أو فهمه لذاته، فحيث ينعدم الفهم، ينعدم الحب، وحيث ينعدم الحب ينعدم الإبداع، ستبدأ الصور بابتلاع الواقع كاملاً، ثم ستترك كل شيء خلفها جافاً وفاقداً للحياة.

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين غياب التربية الجنسية والعنف ضد المرأة؟

"التعليم الصحيح يساعد الطالب أن يلحظ ويكسر بداخله كل التمييز الاجتماعي والتعصب، وأن يقلل من أهمية السعي وراء التملك للقوة والسيطرة"، إنّ أهميّة دراسة التاريخ، تتلخّص في ألّا نكرر الأخطاء نفسها، ممّا يعني تربية الفكر النقدي، لإلغاء أيّ شكل من أشكال التحيّز والاصطفاف والتمترس، هذا الجانب الأخلاقي التربوي لا يناسب الكثير من المجتمعات التي تعاني عقدَ نقصٍ أو عقدَ تفوق على السواء، إذ لا يمكن في الحقيقة أن نفهم معنى الحياة ككلّ، من دون القدرة على تفكير نقدي مسؤول، كما "لا يمكن أن نفهم الحياة من دون فهم أنفسنا"، وهذه هي الوظيفة الأساس للتعليم، والتي أدى تجاهلها والتلاعب بها، إلى جعل العالم ما هو عليه.

حيث ينعدم الفهم ينعدم الحب وحيث ينعدم الحب ينعدم الإبداع

 "إنّ التعليم الصائب لا يُعنى بالأيديولوجيات بغض النظر عما تعد به من يوتوبيا مستقبلية، ولا هو وسيلة لبرمجة الفرد بطريقة أو كيفية محددة، إنّ التعليم بالمعنى الحقيقي هو مساعدة الفرد لكي يكون ناضجاً وحراً"، فالحرية والنضج، كمسؤوليتين أساسيتين للتعليم، لا تنموان في حيّز التدخل الإملائي والتقريري الذي يهمل الفوارق والاختلافات، بل بمساعدة الطفل على وعي رغباته وتفتحها، أي ضمن اعترافٍ صريحٍ بإمكانياته وقدراته، ومن دون قذف العملية التعليميّة إلى مثاليّة فارغة، تعمل على تعزيز الانقسام والتشظي داخل الفرد والمجتمع، "إن المثاليات لا مكان لها في التعليم لأنها تمنع استيعاب الحاضر، فأن يكون لدينا تصميم لمجتمع مثالي وكامل، هو أن نصارع ونذرف الدماء من أجل ما يتوجب أن يكون، متجاهلين ما هو كائن".

اقرأ أيضاً: "IQ" هل هو مقياس لذكائنا أم لغبائنا البشري؟

تأتي أهميّة كتاب "التعليم وقيمة الحياة"، إلى كونه ينظر إلى التعليم كناتج عن التربية لا العكس، بالتالي إلى المراقبة المستمرة لمآلاته، حيث ترتبط المعرفة بالنضج ولا تنفصل عن المحبّة، فالهدف من التعليم: "هو تنمية العلاقة الصحيحة ليس بين الأفراد فقط ولكن بينهم وبين المجتمع، فبدون احترام للحياة البشرية، فإنّ المعرفة تقود فقط إلى الخراب والبؤس". إن تغليب الجوانب اللاعقلانيّة وإضفاء لبوس منطقي عليها يبدو في غاية التماسك، هي لعبة الإلهاء الشاملة، التي يتمّ الاستثمار فيها لصالح غاياتٍ ما دون إنسانيّة، أسهمت على الدوام في خلق علاقات متوترة وقلقة، مما يعني تكريس الحرمان والفقر والخوف، لذلك يُناط بالتعليم "أن يسهم في وضع العلاقات الإنسانيّة في سياقها الطبيعي والحرّ، حيث يشكّل هذا المناخ، الفرصة الوحيدة للنمو والاستقرار والازدهار".

الحرية والنضج كمسؤوليتين أساسيتين للتعليم لا تنموان في حيّز التدخل الإملائي والتقريري

 إذا كانت الخسارة تُعرّف على أنها وقتٌ ضائع وطاقة مهدورة، أو بتعريفٍ آخر: فقدان ما نملك أو ما كان بحوزتنا، فإنّ ما طرحه مورتي عن التعليم الصحيح يساعدنا بأن نفكر بما كنا نملكه بالفعل، وبناءً عليه يمكننا أن نقف على واقع الخسارة الكيفية للتعليم ما قبل وما بعد كوفيد19، إنها فرصةٌ لمراجعة هذه الخسارة وطبيعتها، حيث تدفعنا لنعيد تقييم ما قامت به البشرية حتى الآن ومراجعة الآليات التي تنتهجها، ومن ضمنها أنظمة التعليم، فإعادة الإنسان إلى مكانه المناسب، هو الاستثمار الحقيقي للوجود، حيث إنّ كل استثمار خارجه يهدد الوجود أصلاً: "فالهدف من التعليم ليس مجرد إنتاجٍ للأكاديميين والتقنيين وقناصي الوظائف، لكن رجالاً ونساءً متجانسين ومتحررين من الخوف، لأنه فقط بوجود مثل هؤلاء البشر يمكن أن يكون هنالك سلام دائم وممكن".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية