طرح حلمي الجزار نائباً للمرشد.. هل ينقذ ما تبقى من فلول الجماعة؟

طرح حلمي الجزار نائباً للمرشد.. هل ينقذ ما تبقى من فلول الجماعة؟


15/10/2020

 واقع مأزوم بات يفرض نفسه على جماعة الإخوان المسلمين؛ اشتد بعد القبض على القائم بأعمال المرشد محمود عزت، الرجل الأخطر داخل التنظيم، في آب (أغسطس) الماضي، أعقب ذلك حل مكتب شورى الجماعة وتأسيس لجنة لإدارة التنظيم، تحت مسؤولية إبراهيم منير، القائم الحالي بأعمال المرشد.

 

المتتبع لتاريخ الجماعة منذ تأسيسها الثاني في السبعينيات لن يبذل جهداً لإدراك سبب خلافها الحالي

منذ اللحظة الأولى للحديث عن أعضاء تلك اللجنة دبّت الخلافات داخل التنظيم، بين ما عُرف بالقيادات التاريخية للجماعة، والقيادات الشابة، وكانت اللبنة الأولى في ذلك الخلاف طرح اسم القيادي الإخواني حلمي الجزار، نائباً للمرشد، بجوار محمود حسين، الأمين العام السابق في المكتب المنحل، والمتتبع لتاريخ الجماعة منذ التأسيس الثاني لها، في السبعينيات من القرن الماضي، لن يبذل جهداً لإدراك سبب الخلاف.

الصقور والحمائم

انقسم الإخوان المسلمون بعد مقتل حسن البنّا، بحسب أدبيات الجماعة، إلى تيارين؛ أحدهما يشكل خط البنّا ذاته؛ أي التيار الوسطي، والتيار المتشدد المعروف بالتيار القطبي، نسبة إلى سيد قطب، وهو ينظر نظرة تكفيرية إلى الدولة والمجتمع باعتبارهما "جاهلية".

ارتبط التيار القطبي بعد إعدام سيد قطب، بالمرشد مصطفى مشهور، وصولاً إلى المرشد محمد مهدي عاكف، والمرشد محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ومحمود عزت، وصولاً إلى القائم بأعمال المرشد الحالي إبراهيم منير، أما أبرز ممثلي التيار الوسطي فكانا المرشدان حسن الهضيبي وعمر التلمساني.

 

يرى البعض أن مفهومي الإصلاحيين والمحافظين لا يختلفان إلا في الأساليب والتكتيكات

اصطدم أنصار كل تيار بالآخر خلال العقود الأخيرة عدة مرات، أخطرها ما حدث العام 2009. فبعد وفاة أحد أكبر أعضاء مكتب الإرشاد، وهو محمد هلال عن 90 عاماً، كان يُفترض، كما هو متّبع عرفاً، أن يتم تصعيد عصام العريان كي يحل محله، باعتباره الأحق وفقاً لنظام اللائحة الداخلية للجماعة، بيد أنّ التيار القطبي رفض ذلك متعللاً بعدم قانونية هذا الإجراء، وبعدم الحاجة إليه حينها لأنّ ثمة انتخابات جديدة لمكتب الإرشاد بعد ثلاثة أشهر.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون بين العزلة الشعورية وأرض الحياد: قراءة في خطاب ماكرون

على نفس النسق، تجددت في الأيام الأخيرة أزمة مشابهة، بعد طرح اسم حلمي الجزار نائباً للمرشد، وهو محسوب على التيار الإصلاحي، فهو مرفوض من التيار القطبي الذي بات مسيطراً على كل شيء داخل التنظيم، منذ بيعة المرشد الخامس للإخوان، مصطفى مشهور العام 1996.

اختلاف تكتيكي

بحسب دراسة للباحث هيثم مزاحم، ضمن كتاب "الإخوان وإيران توظيف الدين لمعركة السياسة" الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث، يبدو التمييز بين "الإصلاحيين" و"المحافظين" ضبابياً: "يرى البعض أن مفهومي: "الإصلاحيين" و"المحافظين" لا يختلفان في الأساس إلا في الأساليب والتكتيكات، فبينما يسعى "الإصلاحيون" إلى المشاركة السياسية المباشرة ويرغبون في الانخراط مع غير الإسلاميين لتوسيع قاعدتهم، فإنّ "المحافظين" يخشون من أنّ هذا النهج سيقلل من المصداقية الإسلامية للجماعة ومن ثم سيقوّض تكاملها التنظيمي".

ويضيف الباحث: "مع ذلك يشترك كلا الاتجاهين في الرؤية الأيديولوجية نفسها، فهم يسعون إلى أسلمة المجتمع كخطوة أولى نحو تأسيس الدولة الإسلامية، وفي النهاية تكوين "دولة إسلامية عالمية"، وفقاً لما ذكره نائب المرشد العام خيرت الشاطر".

عرف اسم الجزار بين أوساط جماعات الإسلام السياسي منذ السبعينيات، بداية من انخراطه ضمن طلبة الجماعة الإسلامية، في الجامعات المصرية، وتولّيه مسؤولية أمير أمراء الجماعة في مصر، مروراً بإعلان انضمامه لجماعة الإخوان، العام 1979، بعد 7 سنوات من الانخراط سرياً في الإخوان، وعدم الإفصاح لبقية أمراء الجماعة الإسلامية عن ذلك.

 

طرح حلمي الجزار نائباً للمرشد مرفوض من التيار القطبي الذي بات مسيطراً على كل شيء داخل التنظيم

وزامله في الانخراط داخل الإخوان من أمراء الجماعة الإسلامية سابقاً، عصام العريان، وعبد المنعم أبو الفتوح، ومنذ اللحظة الأولى ظهر أنّ تكتيكاً معيناً يتبعه من عُرفوا بالإصلاحيين، يعتمد على التّقية، وعدم المواجهة، وصولاً إلى التمكين المنشود، عكس ما يؤمن به أنصار التيار القطبي، القائم على تجهيل المجتمع وتكفيره، والمواجهة المباشرة.

أزمة التنظيم

الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي، منير أديب، يرى أنّ هناك أزمة بالفعل داخل الإخوان، غير أنّها ليست وليدة اللحظة، لكنها بدأت منذ التأسيس الثاني للتنظيم، في السبعينيات من القرن الماضي؛ من خلال وجود جناحين الأول: محسوب على فريق الإصلاحيين، أو الحمائم، والثاني: يتمثل في القطبيين والصقور.

اقرأ أيضاً: قانون ضدّ الانفصالية الإسلامية: المرشد العام للإخوان يتحدّى إيمانويل ماكرون

يضيف أديب في تصريحه لـ"حفريات": "تلك الأزمة عانى منها مرشد الإخوان عمر التلمساني، المنتمي للتيار الإصلاحي، ومعه عصام العريان وحلمي الجزار، وعلى الرغم من توليه أعمال المرشد، إلا أن السيطرة كانت للقطبيين داخل الجماعة".

يستكمل: "ويعتبر إبراهيم منير، القائم الحالي بأعمال المرشد، ومن ورائه محمود حسين، المرشح نائباً له، امتداداً لتلك المدرسة القطبية"، موضحاً: "هذا الصراع موجود طوال الوقت؛ غير أنّ الجماعة الآن، بعد ما مرت به من انشقاقات وأزمات شعرت أنها في حاجة لوجه ينتمي للتيار الإصلاحي، بعد أن أرجع شباب الإخوان، الإخفاقات التي مرت بها الجماعة، إلى سيطرة القطبيين".

 

مختار نوح: محاولات تصدير صورة سلمية عن الجماعة مجرد تكتيك تحاول من خلاله استعادة القبول الشعبي

يرى أديب أنّ طرح اسم حلمي الجزار هو محاولة لرأب الصدع، لكنها لا تعني إعطاء أي صلاحيات له: "لا أعتقد أنّ إبراهيم منير سيعطي الجزار الصلاحيات المطلوبة لنائب المرشد، وأظن أنّ الصراع الأكبر سيكون مع من يمثلون تيار الصقور؛ لأنهم أكثر من اصطدموا بالتيار الإصلاحي داخل الجماعة، بالأخص إذا وضعنا في الاعتبار معلومة أنّ محمود حسين كان أمين عام التنظيم داخل الجماعة في الفترة التي أعقبت 2011، وهي التي شهدت إقصاء آلاف الإخوان ممن عارضوا التيار القطبي، واختلفوا مع سياساته التي أعقبت ثورة كانون الثاني (يناير) 2011".

 

عماد عبدالحافظ: المحسوبون على الإصلاحيين هم من انتموا لجبهة محمد كمال التي انثبق عنها تيار العنف المسلح

تصعيد حلمي الجزار، يراه البعض محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد أن أصبح قيادات الإخوان، يتبادلون الاتهامات من خلال وسائل الإعلام التابعة للتيارات المختلفة داخل الجماعة، سواء في تركيا، أو قطر، أو أوروبا، غير أنّ القيادي الإخواني السابق، مختار نوح، ذكر في تصريحات صحفية، أنّ "محاولات تصدير صورة سلمية عن الجماعة، ما هو إلا تكتيك، يحاول من خلاله التنظيم الحصول على القبول الشعبي مرة أخرى، بعد أن فقدت الجماعة التأييد الشعبي في المنطقة العربية، الذي حظيت به على مدار عقود".

العنف مسار الجماعة

القيادي الإخواني السابق، والباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي، عماد علي عبد الحافظ يرى أنّ مسألة وجود تيارين في الجماعة، غير مقنعة، مضيفاً لـ"حفريات" أنّ "الواقع يؤكد أنّ كلا التيارين غير مختلفين في المنطلقات الفكرية، لكن تصدر الجماعة أنّ هناك مسارين، الأول ينتهج العنف، والثاني رافض له".

اقرأ أيضاً: التمويلات الهائلة لجماعة الإخوان… ملأت الدنيا وشغلت الناس

يتابع عبد الحافظ: "فكرة اللجوء إلى القوة عند البنّا واستخدامها واضحة جداً، ووضع لها ضوابط وشروطاً معينة، والدليل العملي على أنّ جبهة عزت لم ترفض مسار محمد كمال، الذي انتهج العنف بعد خلع الإخوان من حكم مصر، لم يكن رفضاً استراتيجياً، أو مبنياً على موقف فكري أو شرعي رافض للعنف، لكن كان عبارة عن موقف تكتيكي، يتحرك حسب مصلحة الجماعة".

وأوضح عبد الحافظ: "أستطيع أن أقول إنّ المسألة ليست انتماء طرف للتيار الإصلاحي وآخر للتيار القطبي؛ أرى أنّ المسألة هي رغبة كل طرف في ضم من يستطيعون السيطرة عليه، ورفض من هم خارجون عن السيطرة، مثلاً أعضاء الجماعة المحسوبون على الإصلاحيين هم أنفسهم من انتموا لجبهة محمد كمال التي انثبق عنها تيار العنف المسلح، وأصبح تيار القطبين ظاهريا رافض للعنف، السؤال هنا، هل رفض العنف من عدمه نابع من موقف فكري يرفضه بشكل مطلق".

 

منير أديب: طرح اسم الجزار محاولة لرأب الصدع ولا تعني إعطاء أي صلاحيات له

واستكمل القيادي الإخواني السابق: "هناك ثلاثة شواهد على أنّ رفض جبهة عزت لعنف جبهة محمد كمال كان تكتيكياً يدور مع مصلحة الجماعة؛ الأول: الجماعة بعد 2013 قبل أن يحدث انقسام داخلها، ومع الدعوات لمظاهرات 30 حزيران (يونيو) 2013 ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر، تسلّحت بشكل كامل، ولم يكن في ذهنها أنّ الجيش هو من سيتصدى لهم، كان استعداد الجماعة لتلك المظاهرات مبنياً على حشد كمية كبيرة من الأسلحة في مقراتها، ومقرات حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان، وذلك يدل على أنّ استخدام القوة كان مطروحاً قبل حدوث أي انشقاقات".

اقرأ أيضاً: قاض انشق عنهم يكشف.. "مافيا الإخوان وتجارتهم"

"الشاهد الثاني: أن اعتصام رابعة كان مسلحاً، لم يكن سلمياً، واستمر وجود السلاح حتى قبل إعلان الجيش المصري بيان خلع الجماعة من حكم مصر في 3 تموز (يوليو) 2013، هنا تغيرت الاستراتيجية، لأنّ الوسيلة الأنسب هنا أن يكون اعتصاماً سلمياً مثل ما حدث في كانون الثاني (يناير) 2011، بميدان التحرير، لكن ومع فض الاعتصام كانت الأوامر من مكتب الإرشاد المواجهة العنيفة، واقتحام مؤسسات الدولة، وكنائس المصريين الأقباط، وهو لم يكن تحركاً عشوائياً بل كان ممنهجاً؛ فلا يتحرك عضو الإخوان بشكل فردي إلا على سبيل الاستثناء".

وأضاف عبد الحافظ: "الشاهد الأخير، أنّ اللجنة الإدارية التي عزلتها جبهة محمود عزت، ظلت تعمل في مصر تحت عين جبهة عزت من 2014 وحتى 25 كانون الثاني (يناير) 2015، لم يكن هناك أي اعتراض، وجميع الأعمال النوعية التي تم تنفيذها حدثت في تلك الفترة، الاختلاف فقط كان حول تقييم هذا المسار، وهل العنف مفيد للجماعة من عدمه".

اقرأ أيضاً: "الإخوان وأمريكا".. ما الجديد الذي كشفته تسريبات بريد هيلاري؟

يرى عبد الحافظ أنّ مسألة التصالح الداخلي مستبعدة جداً، ولن تحدث: "سوف تزيد الأيام الجماعة انقسامات فوق انقساماتها، بدليل أنّ الجبهات المنقسمة رافضة للتصالح في العموم، حتى جبهة منير التي يشاع أنّها تسعى إلى ذلك، من خلال تصعيد حلمي الجزار نائباً للمرشد، وهو وجه إصلاحي مقبول، ينفي توجهها إلى ذلك حديث منير نفسه في لقاء على قناة الحوار، تحدث فيه صراحة عن استهدافه بمسألة لمّ شمل الأعضاء المنتمين إلى جبهته بعد أن حدثت بينهم بعض الخلافات، أو تجميد عضويات بعضهم، ولم يوجه حديثه إلى أي جبهة أخرى، وعندما جاء ذكر جبهة محمد كمال استبعدها منير صراحة من فكرة لمّ الشمل".

الصفحة الرئيسية