ظل الإخوان في السودان.. هل تعود الجماعة لتصدر المشهد السياسي؟

ظل الإخوان في السودان.. هل تعود الجماعة لتصدر المشهد السياسي؟


08/06/2020

عرف تاريخ الإخوان المسلمين في السودان، خطاً يبدو مغايراً بعض الشيء، لتاريخ الجماعة في البلدان المجاورة، من حيث تعدد الانشقاقات، وخروج عديد التيارات من نفس العباءة، وإن احتفظ الخارجون بنفس النهج الأيديولوجي، إلا أنّهم تنازعوا على السلطة، وتقاسم الغنائم في أوقات التمكين.

وتبدو اللحظة الراهنة كاشفة لواقع التنظيم، الذي تآمر بكل أطيافه مع حكم الإنقاذ البائد، واستدعى الحلفاء في قطر وتركيا، لتقديم السودان لقمة سائغة، مقابل البقاء واستمرار الهيمنة، حتى ولو كان المقابل تفكيك الدولة، وانفصال أقاليمها، وسفك دماء أبنائها.

 

 

من يحكم الإخوان في السودان؟

عقب سقوط حكم الإخوان في مصر في تموز (يوليو) 2013، وفرار عدد من أعضاء التنظيم إلى السودان، كان حريّاً بالقوى الإقليمية الداعمة الدعوة إلى توحيد جناحي التنظيم، عقب الانقسام الأخير الذي جرى في العام 1991، ونتج عنه وجود جماعتين للإخوان في السودان: جماعة "الإخوان المسلمين"، ويرأسها الشيخ علي جاويش، وجماعة "الإخوان المسلمين- الإصلاح" برئاسة الشيخ صديق علي البشير، وبناء على جهود قطرية، وتوسط الداعية يوسف القرضاوي، أعلن في السادس عشر من كانون الثاني (يناير) 2016، قرار الوحدة بين الجماعتين، واختيار الشيخ، على جاويش، مراقباً عاماً للإخوان المسلمين في السودان، ويبدو أنّ القرضاوي كان له دور في الدفع بجاويش، والذي تزعم حملة في العام 2014، لمطالبة الإنتربول الدولي بتجاهل مذكرة توقيف تقدمت بها السلطات المصرية، لاعتقال القرضاوي، الذي وصفه جاويش بمجاهد يدافع عن الإسلام، والذي بات مستهدفاً باستهداف رمزه الكبير، في مرحلة ميلاد الشعوب، على حد تعبيره.

عرف تاريخ الإخوان المسلمين في السودان خطاً يبدو مغايراً لتاريخ الجماعة في البلدان المجاورة

احتضن التنظيم الجديد فلول إخوان مصر الهاربين إلى السودان، وعلى الفور شرع التنظيم في تنفيذ أجندة إصلاح قطرية، اعتمدتها كافة الأذرع السياسية للإخوان المسلمين في المنطقة، وفق تراتبية، يتقاسم من خلالها مجلس شورى الجماعة، والمكتب التنفيذي، السلطة مع المراقب العام، والهدف الواضح من هذه التراتبية، تدريب كوادر الجماعة على ممارسة العمل المؤسسي، وادعاء قدرتها على ممارسة الديموقراطية، وإيمانها بمبدأ تداول السلطة.

اضطلع الدكتور عوض الله حسن سيد أحمد، رئيس شورى الجماعة آنذاك، بالترتيب لإعداد المؤتمر العام، لاختيار المراقب العام بصورة ديموقراطية، ما أزعج الشيخ على جاويش، الذي أراد أن يكون مراقباً عاماً أبدياً، وقد كشفت الكواليس تحركات تسعى إلى الإطاحة به في المؤتمر العام، مع رفع حزب المؤتمر الحاكم دعمه له، في ظل تزايد الضغط الداخلي والخارجي، وعدم قدرة نظام البشير على تحمل تبعات مواجهة النظام الجديد في مصر، عقب الإطاحة بحكم الإخوان، وهو الاتجاه الذي كان يدفع إليه الشيخ على جاويش، ربيب إخوان مصر وصنيعتهم.

 

 

هذه التوترات الداخلية، كشفت النقاب عن طبيعة تفكير القيادات الإخوانية، ونزوعها نحو الهيمنة، وعدم قدرتها على تمثّل النموذج الديموقراطي داخل التنظيم، فبعد أقل من خمسة أشهر على الوحدة، قام المراقب العام، الشيخ علي جاويش، بتجميد المكتب التنفيذي، وحل مجلس الشورى، وإلغاء المؤتمر العام، ما دفع مجلس الشورى إلى عقد جلسة طارئة، قام فيها بإقالة الشيخ على جاويش، وانتخب الشيخ الحبر يوسف نور الدائم، مراقباً عاماً مكلفاً، لحين انعقاد المؤتمر العام.

التوترات الداخلية كشفت النقاب عن طبيعة تفكير القيادات الإخوانية ونزوعها نحو الهيمنة

من جانبه، استنكر على جاويش ومجموعته القرار، بل وأنكر جاويش وجود مجلس شورى الجماعة، ليدخل الفريقان في صراع قانوني لدى مجلس شئون الأحزاب، الذي رفض الطعن المقدم من مجلس شورى الجماعة، في العام 2016، وهو ما أحدث حالة من الارتباك، خاصة وأنّ مجموعة جاويش كانت قليلة العدد، وقد فشلت وساطة الحركة الإسلامية في الولايات، لعقد مصالحة بين الطرفين، لينعقد المؤتمر العام، والذي اختار الدكتور عوض الله حسن سيد أحمد، مراقباً عاماً، بينما واصل الجناح الأم، محدود العدد، رفضه لمسار الأحداث، إلى أن توفي الشيخ على جاويش، في 23 كانون الأول (ديسمبر) 2018، ليخلفه الدكتور عادل على الله إبراهيم.

اقرأ أيضاً: هل تسعى قطر لإعادة الإخوان إلى السلطة في السودان؟

يذكر أنّ مجموعة جاويش ترتبط بعلاقات قوية بإخوان مصر، وكان جاويش تلقى في العام 2012، عقب تولّيه منصب المراقب العام، تهنئة من المرشد العام للإخوان المسلمين، محمد بديع، كما كان في مقدمة مستقبلي الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، عندما زار السودان في العام 2013، وطالبه بالعمل على إزالة العقبات بين الشعوب العربية، والسعي للوحدة بين مصر وليبيا والسودان، وكان كذلك من أبرز المعارضين لفض الارتباط الإداري بين الجماعة في مصر والسودان، ومحاولات عوض الله متابعة نهج الترابي، بالاستقلال ولو شكلياً بالتنظيم، لكن مجموعة جاويش، ورغم دعم الإخوان في مصر لها، لم تحظَ بدعم قطري كبير، بسبب قيام الأخير بإفساد محاولة توحيد التنظيم.

 

 

هذا الارتباك الذي يعيشه الإخوان في السودان، بين مجموعة محدودة تحافظ على ولائها للتنظيم الأم في مصر، وتؤكد ارتباطها بالتنظيم الدولي، حتى إنّها نظمت تظاهرات رافضة لعزل مرسي، لكنها ترفض مبدأ تداول السلطة داخلها، وتحافظ على تدعيم بنيتها الراديكالية دون أي تغيير، وبين مجموعة أكبر عدداً، وأكثر تنظيماً، يتزعمها عوض الله حسن سيد أحمد، وتقدم نفسها باعتبارها التيار الإصلاحي، الذي يقوده المراقب العام الشاب، القادر على حل تناقضات التنظيم الداخلية، من خلال المناورات السياسية، وإعلان إنفصال الجماعة تنظيمياً عن إخوان مصر، مع الارتباط ضمناً بمشروعها الدولي، ومحاولة تأكيد وجود الجماعة عقب إسقاط البشير، كما يحتفظ عوض الله بعلاقات طيبة بالدوائر التركية، ويحرص على فتح خطوط التواصل مع الدوحة باستمرار.

عادل على الله إبراهيم ومحنة الظل المكسور

منذ انتخابه في كانون الثاني (يناير) 2019، يعيش الدكتور عادل على الله إبراهيم، حالة من التهميش، في أوساط الإخوان، اللهم سوى من تبقى معه من مجموعة علي جاويش، مع دعم القواعد النشطة المحدودة في مصر، وفلول الهاربين منها إلى السودان، لكنّ ظلَّ الإخوان المكسور بات يفتقد الدعم المالي، مع انفضاض غالبية أنصار الجماعة في الولايات عنه، وانضوائهم تحت لواء عوض الله حسن، الأكثر ذكاءً وقدرة على اللعب على كافة المتناقضات.

في 22 كانون الأول (ديسمبر) 2019، وجّه عادل على الله، نداءً أكد فيه أنّه يؤيد الأصوات المنادية بالوحدة، في ظل التحديات التي تواجه العمل الإسلامي في السودان، رافضاً مبدأ المحاصصة بين التنظيمين، داعياً إلى الاندماج الكامل تحت ولايته، لكن دعوة أستاذ التفسير بجامعة الرباط بالخرطوم، لم تلقَ أيّ استجابة، فعاد إلى انتهاج استراتيجية جديدة، تقوم على استدعاء شرعية ربانية، بوصفه رجل دين، يمتد إليه خط القداسة، إلا أنّ المتغير الذي أحدثته الثورة السودانية، أسقط تلك الحيل التي استنفذها نظام البشير وحلفاؤه، طيلة ثلاثة عقود.

 

 

في أيّار (مايو) 2020، وفي ظهور مفاجئ، أصدر ما يعرف بالجناح الأم لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، بياناً حمل توقيع المراقب العام، عادل على الله إبراهيم، هاجم فيه مؤيدي الجيش الوطني الليبي وقائده خليفة حفتر، داعياً مجلس السيادة والجيش السوداني، إلى إجراء تحقيق حول التقارير التي تزعم وجود مرتزقة سودانيين، في صفوف الجيش الليبي.

احتضن التنظيم الجديد فلول إخوان مصر الهاربين إلى السودان وعلى الفور شرع التنظيم في تنفيذ أجندة إصلاح قطرية

وربما أراد عادل على الله، سحب البساط من تحت أقدام عوض الله حسن، والذي ينتهج سياسة شديدة الحذر، فيما يتعلق بالقضايا الخارجية، وخصوصاً الأزمة الليبية، رغم تضامنه المعلن مع ميليشيات الوفاق، لكنّه يولي قضايا الداخل أهمية قصوى، وهو يحاول تبييض سمعة التنظيم، وتمهيد الطريق أمام الحليف القطري للعودة من جديد.

ولكن، هل يمكن يمكن للإخوان المسلمين العودة إلى صدارة المشهد السياسي في السودان؟ وللإجابة على السؤال يقول الباحث السوداني المهتم بشؤون القرن الأفريقي، ياسين محمد عبد الله، إنّه "يفضل تعبير مجموعات الإسلام السياسي؛ لأنّ هناك مجموعات كثيرة تلتقي في الهدف الاستراتيجي، وعلى رأسها الحركة الإسلامية التي كانت تحكم السودان، وقد بدأت تضعف قبل سقوطها النهائي، وهي تلقت ضربة كبيرة بخسارتها للسلطة، بكل ما يعنيه هذا من خسارة للموارد المالية، والنفوذ وسلطة الدولة".

لكنّ ياسين في حديثه لـ "حفريات"، لا يعتقد أنّ هذا التيار سوف يختفي نهائياً من المسرح، "ويمكنه أن يعود باسم آخر، أو ببرنامج معدل، لكن فرصته في القفز الى السلطة مرة أخرى، ضعيفة جداً، إلا أنّ قدرته على لعب دور سياسي ستكون أكبر، في ظل حكم دكتاتوري، والحركة تمتلك خبرة تنظيمية وإدارية، وموارد مالية كبيرة، لكن ينقصها الدافع الأخلاقي والمعنوي، في ظل اتهامات الفساد التي طالت كبار قادتها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية