عبد الخالق عبدالله: دروس دول الخليج من أفغانستان

عبد الخالق عبدالله: دروس دول الخليج من أفغانستان


كاتب ومترجم جزائري
25/08/2021

ترجمة: مدني قصري

بعد عشرين عاماً من القتال اليومي والاستثمارات الضخمة في الجيش الأفغاني، اِنسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، المهزومة عسكرياً وسياسياً، بطريقة لا تناسب القوة العظمى الوحيدة في العالم.

بعد عشرين عاماً من جرائم الهروب والمعارك في كهوف تورا بورا(1)، ومن التسلل إلى أحياء مدنية نائية، واللجوء في كثير من الأحيان إلى أعمال إرهابية شنيعة، عادت جماعة طالبان المتشدّدة إلى العاصمة الأفغانية كابول، منتشية بانتصارٍ مماثل لِما حقّقه العديد من المقاتلين في الثمانينيات على الاتحاد السوفييتي.

لقد كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان أحمق ومتسرّعاً وكارثياً من حيث انعكاساته على صورتها وسمعتها، في وقت تتزايد فيه الشكوك حول قدرتها على حُكم العالم في القرن الحادي والعشرين.

اقرأ أيضاً: هل قادة طالبان "جواسيس" لأمريكا؟

تستيقظ واشنطن الآن على جدل سياسي ساخن في مراكز تفكيرها، وجامعاتها وأروقة السلطة حول الكيفية التي خسرت بها أمريكا أفغانستان.

هل كان قرار مغادرة أفغانستان مخطّطاً له بعناية وتعمّد، أم إنّه خطأ إستراتيجي كارثي سيتعيّن على الرئيس الأمريكي جو بايدن دفع ثمنه في الانتخابات المقبلة، إذا قرّر الترشح مرة أخرى عام 2024؟

ستظلّ هذه الأسئلة بلا إجابة مع مرور الوقت، لكنّ السؤال الأهمّ بالنسبة إلى دول الخليج العربي، الواقعة على بعد 2000 كيلومتراً فقط من أفغانستان، هو: "ما هي انعكاسات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعواقبه على أمن دول الخليج؟".

هل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مجرد مقدّمة لِخطةٍ طويلة الأمد، أي أنّه تمهيد لانسحابٍ عسكري تدريجي من الخليج العربي؟

أمام دول الخليج العربي خيارات كثيرة؛ إنها حسّاسة جداً لِعقلية الولايات المتحدة، وبعضها يدعو إلى الانسحاب من الصراعات الخارجية، وهي تعي جيداً ما يجري وراء الكواليس في واشنطن؛ حيث يقال إنّ منطقة الخليج لم تعد منطقة حيوية كما كانت من قبل.

هذه الدول لديها خيارات كثيرة، لعلّ أوّلها وأهمّها إمكانية تطوير قدراتها الدفاعية الذاتية، وتجنّب خطأ بناء جيش مشلول، كالذي سقط في أفغانستان خلال الحرب في أوّل مواجهة حقيقية مع حركة طالبان، دون مساعدة أمريكية.

التعاون القديم مع الولايات المتحدة، والذي كان ملائماً لظروف القرن العشرين، قد لا يناسب ظروف القرن الحادي والعشرين، أو ظروف ظهور الخليج كقوة صاعدة

إنّ تجربة الإمارات في بناء جيش قادر على القتال والردع تجربةٌ مهمّة في هذا السياق، إذ يبدو أنّها ترقى إلى مستوى مواجهة هذا التحدي. صفقة "F-35" مع الولايات المتحدة ليست سوى خطوة أولى مشروع الدفاع الوطني المستقبلي.

إضافة إلى تطوير قدرات الدفاع الذاتي؛ فإنّه من المهم أن تعطي دولُ الخليج الأولويةَ لتعزيز التعاون العسكري في الخليج، وأن تربط جيوش الخليج ببعضها، عملياً ومؤسّسياً، لقد أصبح جيش الخليج الموحّد حاجةً ملحة بشكل متزايد، ولا شكّ في أنّ التنسيق الأمني ​​يجب أن يتم بشكل إستراتيجي وسياسي، ممّا سيُعزّز ويسَرّع مسارات المصالحة، ويعزّز مسار الخليج في مجال التعاون الأمني.

لكنّ أمنَ الخليج العربي ليس مسؤولية دول الخليج فقط، لطالما كان له بُعدٌ دولي، بسبب موقعه الإستراتيجي في منطقة غنية بالنفط، أصبح الوجود الدولي في المعادلة الأمنية الخليجية ضرورياً بعد التطورات الأخيرة في أفغانستان، ومُجاراة واشنطن للانتهاكات الإيرانية، فضلاً عن تصاعد الأنشطة التخريبية حول مضيق هرمز.

 لا بدّ من أن تعوَّض جميعُ حالات الفراغ الأمريكي بوجودٍ عسكريٍّ بريطاني وفرنسي وأوروبي، وكذلك بوجودٍ عسكريٍّ صيني وهندي وكوري جنوبي، بحكم قيمة المنطقة في الشرق أصبحت الأهمية الدولية لأمن الخليج خياراً في حقبة ما بعد الخليج الأمريكية.

على أيّ حال، يشير الانسحاب السريع للولايات المتحدة من أفغانستان، والعودة القوية لطالبان إلى العاصمة الأفغانية، وتصاعد التهديد الإيراني، إلى أنّ معادلة أمن الخليج ستكون مختلفة جداً خلال هذا القرن، عن سابقتها، لقد تحمّلت الولايات المتحدة مسؤولية أمنه، وجعلته "خليجاً أمريكياً" بالمعنى الإستراتيجي، فقد لا يظل الوضعُ على حاله خلال العقود الخمسة المقبلة.

ستحتفظ واشنطن بما تبقى من قوتها العسكرية والسياسية والمالية في حقبة ما بعد أفغانستان، لكن لا شكّ في أنّ المزاج الأمريكي يميل إلى معارضة المغامرات الخارجية بقوة

الولايات المتحدة، بعد هزيمتها أمس في فيتنام، سرعان ما استعادت دورَها كزعيم عالمي، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن ها هي اليوم تنسحب من أفغانستان بهزيمة موجعة، كما أنّ مشروعها فشل أيضاً في العراق.

ستحتفظ الولايات المتحدة بما تبقى من قوتها العسكرية والسياسية والمالية في حقبة ما بعد أفغانستان، لكن لا شكّ في أنّ المزاج الأمريكي العام يميل إلى معارضة المغامرات الخارجية بقوة، ثمّ إنّ العالم الآن يدخل حقبة ما بعد أمريكا، وهي الحقبة التي تستطيع واشنطن، ولا تريد، أن تدير العالم بمفردها.

"الترامبية"، عقيدة الرئيس السابق دونالد ترامب، و"البايدنية" التي تلتها، كلاهما راسختان في المنطق الذي يرى أنّ المحلي أكثر أهمية من الأجنبي.

اقرأ أيضاً: مفوضية حقوق الإنسان تحذر طالبان.. لماذا؟

للولايات المتحدة الحقّ في اتخاذ القرار الأفضل لمصلحتها الوطنية، لكنّ هذا القرار لن يتم اتخاذه في أمريكا، فالثمن القاتل للأخطاء الأمريكية لن تدفعه الولايات المتحدة، بل يدفعه أصدقاؤها وشركاؤها، مثل أفغانستان.

لقد كانت أخطاء الولايات المتحدة كارثية في الآونة الأخيرة، وستحتاج دول الخليج إلى التعلم منها، حان الوقت لتقليل اعتماد واشنطن على المجال الإستراتيجي.

إنّ الثقة في الولايات المتحدة تحتاج أيضاً إلى إعادة النظر فيها؛ إذ هناك حاجة إلى فحصٍ عميق وشامل، حتى التعاون القديم مع الولايات المتحدة، والذي كان ملائماً لظروف القرن العشرين، قد لا يناسب ظروف القرن الحادي والعشرين، أو ظروف ظهور الخليج كقوة صاعدة في المنطقة العربية.


هامش:

(1) وقعت معركة "تورا بورا" معركة عسكرية في أفغانستان في الفترة بين 6 كانون الأول (ديسمبر) 2001 إلى 17 كانون الأول (ديسمبر) 2001 ، خلال المراحل الأولى للحرب في أفغانستان التي أطلقتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر). اعتقدت الولايات المتحدة وحلفاؤها أنّ أسامة بن لادن  مؤسس تنظيم القاعدة، كان يختبئ في جبال تورا بورا.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:

تحليل للكاتب عبد الخالق عبد الله - أستاذ العلوم السياسية في الإمارات




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية