عتمة واحتجاجات ومصارف مُغلقة.. الأزمة اللبنانية تزداد قتامة

عتمة واحتجاجات ومصارف مُغلقة.. الأزمة اللبنانية تزداد قتامة


29/06/2021

تزداد يوماً بعد يوم قتامة الأزمة الاقتصادية التي تشدّ على خناق اللبنانيين مع انهيار العملة الوطنية بنحو 2000 ليرة إضافية في غضون 48 ساعة فقط؛ ليلامس سعر صرف الدولار سقف 18 ألف ليرة، تزامناً مع ارتفاع معدلات التضخم وازدياد حدة الأزمة التي يشهدها قطاع الطاقة، فضلاً عن نقصٍ في الإمدادات الطبية والغذائية، ما دفع نحو التحركات الاحتجاجية في العاصمة بيروت بالإضافة إلى مناطق في الشمال والجنوب.

العتمة الشاملة تُهدّد البلاد

وتفاقمت أزمة شح المحروقات وانقطاعها من الأسواق؛ ما أدّى إلى تهاوي قطاعات وإلى توقف مولّدات كهربائية عن العمل، الأمر الذي هدّد مناطق لبنانية مختلفة بالعتمة الشاملة في ظل التقنين القاسي لمؤسسة كهرباء لبنان.

وفي التفاصيل، توقفت، يوم أمس الإثنين، كل المعاملات في مركز الأمن العام في السوديكو بسبب انقطاع التيار الكهربائي وحصول عطل في المولدات الكهربائية، كما توقفت أنظمة أجهزة الكمبيوتر التابعة لوزارة المالية في قصر عدل بيروت، ما تسبّب بوقف كل معاملات استيفاء الرسوم.

تفاقمت أزمة شح المحروقات وانقطاعها من الأسواق

وفي المطار، توقفت صناديق الجمارك عن قبض الرسوم بسبب عدم توافر الأوراق والمحابر، ما أسفر عن مشكلة في حركة الشحن.

هذا الانقطاع الشامل في التيار الكهربائي، ليس سببه التقنين القاسي المعتمد من قبل شركة كهرباء لبنان والناتج أزمة تأمين الفيول (الوقود) اللازم لمحطات التوليد فحسب، وإنما المشكلة في البديل، وهي مولدات الكهرباء الخاصة التي تغطي تاريخياً للبنانيين عجز شركة الكهرباء وتقنينها، والتي انقطعت من مادة المازوت المفقودة من الأسواق نهائياً بسبب عمليات الاحتكار والإقبال الكبير على تخزينها بسبب الرفع الجزئي للدعم عن المحروقات.

 

 يعيش لبنان اليوم على تقنين يصل إلى 21  ساعة في اليوم وينقطع التيار الكهربائي لأيام كاملة في بعض المناطق

 

وعليه؛ يعيش لبنان اليوم على تقنين يصل إلى 21  ساعة في اليوم وينقطع التيار الكهربائي لأيام كاملة في بعض المناطق.

وتظهر أخطر أشكال الأزمة في المستشفيات والمنشآت الطبية، سيما وأنّها لا تزال تخوض معركة جائحة كورونا في البلاد، كمستشفى حاصبيا الحكومي الذي توقف العمل فيه نهائياً بسبب انقطاع الكهرباء ونفاذ مادة المازوت، وفق ما أوردته وكالات أنباء محلية.

اقرأ أيضاً: انتهاك جديد لحزب الله اللبناني بحق الصحفيين

كذلك بالنسبة إلى أكبر مستشفيات لبنان الحكومية، مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، حيث أعلن مديرها فراس الأبيض عبر حسابه في موقع تويتر أنّ "وضع تغذية الكهرباء للمستشفى غير مقبول. انقطاع لأكثر من ٢١ ساعة في اليوم. الفيول غير متوفر، وإذا توفر، نعاني مشاكل سيولة. المرضى لا يستطيعون تغطية الفروقات. أخذنا قراراً بإيقاف أجهزة التكييف إلا في الأقسام الطبية رغم موجة الحر. لا داعي لاستعمال المخيلة أو للتهويل، نحن في جهنم حقاً".

وتتخطى درجات الحرارة في بيروت خلال هذا الأسبوع عتبة الـ 30 درجة مئوية، مع نسبة رطوبة تلامس الـ 70 في المئة.

المصارف اللبنانية تُغلق أبوابها

وقرّرت جمعية المصارف اللبنانية إقفال كافة المصارف اليوم الثلاثاء، وذلك استنكاراً لاعتداء طال موظفي ومقرّ الإدارة العامة للبنك اللبناني السويسري في بيروت.

وقالت الجمعية في بيان لها: إنّ "إقفال كل فروع المصارف العاملة في لبنان اليوم الثلاثاء تضامناً مع إدارة البنك اللبناني السويسري وموظفيه واحتجاجاً على الاعتداء المستنكر والمدان".

 

أعلنت وزارة الاقتصاد منذ عدة أيام رفع سعر الخبز المدعوم إلى 3250 ليرة بسبب إلغاء مصرف لبنان دعم السكر الذي يدخل في صناعة الخبز

 

وكانت إدارة البنك اللبناني – السويسري أعلنت في بيان مساء أمس الإثنين، إقفال المصرف بالكامل ابتداء من اليوم الثلاثاء، استنكاراً لاعتداء تعرّض له المصرف والموظفون فيه من قبل حوالي مئة رجل تابعين لجمعية "بنين"، وذلك على خلفية إقفال حساب مصرفي للجمعية، حيث احتلوا مبنى الإدارة العامة للمصرف واعتدوا على الموظفين بالضرب، وجرح ثلاثة منهم، أحدهم دخل المستشفى بسبب كسرين في وجهه.

اقرأ أيضاً: وسط انهيارات اقتصادية غير مسبوقة.. جرحى وأعمال عنف في مختلف محافظات لبنان

إلى جانب ذلك، أعلنت جمعية مصارف لبنان إدانة كل أشكال العنف الجسدي والمعنوي الذي لحق بالعاملين في البنك اللبناني السويسري، والأبرياء الذين كانوا في مكان الحادثة، وشجب أعمال التخريب والتلف التي طالت ملفات البنك على أيدي المعتدين، وتمني الشفاء العاجل للموظفين المصابين في المستشفيات.

الصدمة الثالثة

وتتسارع وتيرة السقوط الشامل في لبنان لكل مقومات الحياة وأساسياتها؛ فإلى جانب أزمة الكهرباء، ومعها أزمة المحروقات، يعيش اللبنانيون أزمة الأدوية والسلع الغذائية وارتفاع الأسعار، وما من جهة مسؤولة تتحرّك، والمشكلة نفسها تتكرر في مختلف القطاعات، وتتجه اليوم من السيئ إلى الأسوأ.

وأظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بيع الخبز في لبنان بالرغيف الواحد؛ فقد أظهرت صورة لافتة في محل لبيع الخبز كتب عليها "رغيف الخبز بـ 500 ليرة"، في إشارة واضحة إلى عدم قدرة نسبة لا يستهان بها من اللبنانيين على شراء ربطة الخبز كاملة.

وكانت وزارة الاقتصاد قد أعلنت منذ عدة أيام عن رفع سعر الخبز المدعوم إلى 3250 ليرة بسبب إلغاء مصرف لبنان دعم السكر الذي يدخل في صناعة الخبز، في وقت تشهد فيه البلاد أسوأ أزمة اقتصادية ومالية ومعيشية.

ويقول مدير "مرصد الأزمة"، أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأمريكية في بيروت، ناصر ياسين، إنّ لبنان يدخل اليوم "مرحلة الصدمة الثالثة للانهيار" موضحاً: "سبق أن مرت البلاد بخضتين كبيرتين، الأولى مع الانهيار المالي وارتفاع الأسعار في صيف 2020 الذي شهد أيضاً انفجار المرفأ وتداعياته، أمّا الخضة الثانية فكانت خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث قفز الدولار قفزة نوعية جديدة، ترافقت مع اشتداد في الأزمتين؛ السياسية والاجتماعية، وهي المرحلة التي اتضح فيها أنّه لا يمكن المتابعة بالوضع القائم لناحية إجراءات دعم المواد والسلع الرئيسية".

 

تتسارع وتيرة السقوط الشامل في لبنان لكل مقومات الحياة وأساسياتها؛ فإلى جانب أزمة الكهرباء ومعها أزمة المحروقات، يعيش اللبنانيون أزمة الأدوية والسلع الغذائية

 

وأضاف: "اليوم تدخل البلاد المرحلة الثالثة التي ترافق رفع الدعم الحتمي، وبدأت تظهر بوادرها بالارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار، ما يشير إلى أنّ الأزمة المعيشية ستتضاعف أكثر مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وفي ظل وقف الدعم بهذه الطريقة غير المنظمة، دون خطة دعم بديلة، وبأسلوب عشوائي".

ويتوقع خبراء آخرون أن تكون هذه المرحلة قاسية جداً؛ حيث إنّ تحرير أسعار السلع والمواد الأساسية في البلاد سينعكس على كافة النواحي الحياتية، فيما قدرة مصرف لبنان تتلاشى في تأمين الدولارات اللازمة للحفاظ على دعم جزئي لسلع مُحدّدة، ما يعني أيضاً أنّ دعمه لمؤسسات الدولة كشركة الكهرباء التي يزودها بنحو مليار ونصف المليار دولار في العام سيتلاشى، إضافة إلى نحو مليار دولار يؤمنها المصرف لمصاريف الحكومة بالعملة الصعبة كأعمال الصيانة واللوجستيات والمحروقات والسلك الدبلوماسي وغيرها ستنخفض وتتراجع تدريجياً، وفق ما أورد موقع الحرة.

يُذكر أنّ أسعار اللحوم والدواجن ارتفعت بشكل كبير بالتوازي مع ارتفاع سعر صرف الدولار.

الشارع يغلي

واحتجاجاً على هذا الواقع المتردّي، ساد الغليان في الشارع وتمدّد على مختلف الأراضي اللبنانية من الشمال إلى بيروت فالجنوب والبقاع مروراً بجبل لبنان، وسُجّل قطع المزيد من الطرقات الحيوية اعتراضاً على الأزمات الحياتية والمعيشية وغياب الأمان الاجتماعي.

تمّ نشر قوات الجيش اللبناني في نهاية الأسبوع لحراسة المؤسسات الرئيسية للدولة في مدينة طرابلس

وتمّ نشر قوات الجيش اللبناني في نهاية الأسبوع لحراسة المؤسسات الرئيسية للدولة في مدينة طرابلس، شمال البلاد بعد ما خلّفت أعمال شغب جرحى في صفوف المحتجين والجيش.

 

تم نشر قوات الجيش اللبناني في نهاية الأسبوع لحراسة المؤسسات الرئيسية للدولة في مدينة طرابلس، شمال البلاد، بعد ما خلّفت أعمال شغب جرحى في صفوف المحتجين والجيش

 

وفي محاولة لاحتواء غضب الشارع؛ أعلن قصر بعبدا أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون تابع منذ الصباح الباكر تطوّر أزمة المحروقات في البلاد والمعاناة التي تواجه المواطنين، لا سيما أمام محطات الوقود، فأجرى اتصالات شملت وزير الطاقة والمياه ريمون غجر والإدارات المعنية في الوزارة، وطلب اتخاذ إجراءات سريعة وصارمة من أجل المساهمة في التخفيف من حدة الأزمة المفتعلة ووقف استغلال المواطنين.

وتجري كل هذه الأزمات في وقت لم يُسجّل بعد أي تقدّم على صعيد تشكيل الحكومة، مع استمرار المراوحة والمكابرة السياسية التي تعطّل تشكيل حكومة، في الوقت الذي يجوع فيه المواطن ويتجرّع كأس الذل للحصول على احتياجاته الأساسية، ممّا يُهدّد بانفجار الأمن الاجتماعي في ظل غياب المعالجات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية، وعدم وضع حلول للأزمات المتوالدة من بعضها البعض.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية