"عرائس الفاتيكان" تثير الجدل.. ما القصة؟

"عرائس الفاتيكان" تثير الجدل.. ما القصة؟


14/12/2021

محمد مصطفى

يُعرفن باسم عرائس المسيح. تدخلن عالم الأديرة المغلق، بعيدًا عن الأعين والرقابة لتقضين معظم أوقاتهن في الصلاة والأعمال الدينية، لكن الحقيقة تكون مختلفة، بعدما ثبت تعرضهن لسلسلة من أشكال الإيذاء النفسي والعاطفي، والجنسي أحيانًا.

في كتاب نشر حديثًا باسم «حجاب الصمت: الإساءات والعنف والإحباط في الحياة الدينية للمرأة»، يعرض الصحفي سالفاتور سيرنوزيو، المختص بتفاصيل الفاتيكان، تفاصيل الإيذاء النفسي والجسدي والقمع والعنصرية التي تتعرض لها الراهبات، والتي تُعتبر معاملتهن واحدة من أكثر القضايا الخفية داخل الكنيسة الكاثوليكية.

يعتمد سيرنوزيو على قصص 11 راهبة من خلفيات مختلفة ومن بلدان في جميع أنحاء العالم، تعرضن لأشكال من الإساءة اللفظية والجسدية، والتي وصلت إلى حد الانتهاك الجنسي، أثناء وجودهن في تجمعات دينية.

تختلف القصص من حيث مرتكبي الانتهاك وردود فعل الضحايا والسياق الثقافي. لكن الكتاب يجادل بأن القصص تشترك في نهج مشترك من التسلسل الهرمي.

وبحسب الكتاب، كان مصير كل القصص واحدًا «نقل الراهبة المعتدى عليها بتهمة إغواء الكاهن، بينما يبقى الكاهن في مكانه ليواصل نشاطه من دون أي عوائق».

خفايا التطويع في الأيام الأولى

تروي مارسيلا، وهي امرأة من أمريكا الجنوبية انضمت إلى منظمة الراهبات في إيطاليا قبل 20 عامًا عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها، كيف كان التلقين صارمًا، لدرجة أن الراهبات الأصغر احتجن إلى إذن للذهاب إلى الحمام، وطلب المنتجات الصحية خلال فترات الحيض.

وعندما اقترحت مارسيلا تغييرات في الروتين اليومي، صرخت الرئيسة الأم في وجهها: «أنت دائمة الشكوى. هل تردن أن تكن قديسات أم لا».

تريزا، راهبة فرنسية أخرى، قالت إنها شكت من آلام في الظهر تطلبت تخفيف الجهد البدني اللائي يبذلنه. فكانت نصيحة القساوسة أن «تواصل الألم من أجل المسيح». وهو ما أكدته شهادة أخرى للأسترالية إليزابيث: «فهمنا أننا جميعًا مثل الكلاب. يأمروننا أن نجلس فنجلس، وننهض فننهض، ونتدحرج ونتقلب».

حلقات الكتاب تضاف لقصص أخرى كشفتها صحيفة الفاتيكان أوسرفاتوري رومانو في 2018، فيما يتعلق بـ«محنة الراهبات الأجنبيات» اللاتي أرسلن قسرًا للعمل كخادمات منازل للكاردينالات والأساقفة في روما بأجر ضئيل أو من دون أجر.

الصحيفة وصفت التفاصيل بـ«متلازمة الإرهاق»؛ إذ تدخل الراهبات فيما يشبه معسكرات التدريب المتمثلة في تكليفهن بمهام وضيعة، ظاهريًا، لغرس الانضباط والطاعة.

الاغتصاب محتمل جدًا

في 2019، أجرت الإذاعة الأمريكية العامة حوارًا مع دوريس واجنر، وهي كاثوليكية متدينة من ألمانيا، تبلغ من العمر 24 عامًا. حكت واجنر عند انضمامها إلى الدير في عام 2003، وتعرضها للاغتصاب هناك في عام 2008. تقول: «دخل الكاهن الغرفة، وأغلق الباب خلفه، وكان جالسًا على يدي اليمنى على الأريكة. ثم بدأ للتو في خلع ملابسي».

عندما أخبرت رؤساءها، قالت إن القس لم يُعاقب، مما سمح له باغتصابها مرات ومرات. وطوال هذا الوقت، كان الجاني لا يزال يعيش في نفس المكان. كان يعظ في الكنيسة. ويعطيها «القربان المقدس» بينما تتكفل هي بِكيِّ زيه الديني.

وبينما وضع الفاتيكان ما يقرب من 4% من التجمعات الدينية قيد التحقيق بسبب مزاعم مشابهة، وفقًا لبيانات من مجمع الفاتيكان لمعاهد الحياة المكرسة، يقول الكتاب، إن التحقيقات لا تغطي إلا «غيضًا من فيض».

فهناك العديد من الحالات المُبلّغ عنه عن تعرض الراهبات حول العالم لإساءة معاملة وراء الأسوار المقدّسة؛ في الهند، ألقي القبض على أسقف في 2018 بتهمة انتهاك راهبة 13 مرة على مدى عامين. بينما وجد تحقيق استقصائي أجرته وكالة «أسوشيتد برس» 2018 أن إساءة معاملة الراهبات «عالمية ومنتشرة بفضل التقاليد العالمية لوضعهن في الكنيسة الكاثوليكية وخضوعهن المتأصل للرجال الذين يديرون أمورهن».

في تقريرها، سردت «أسوشيتد برس» قصة راهبة أجبرها كاهن إيطالي على ممارسة الجنس بينما كانت في جلسة اعتراف حول خطاياها في فصل دراسي بالجامعة منذ ما يقرب من 20 عامًا.

وبحسب التقرير، فإن الراهبة حينما أخبرت مسؤولاً كنسيًا آخر أجبرها على الصمت بسبب ثقافة السرية للكنيسة الكاثوليكية، وعهودها بالطاعة.

ووجد التقرير أن الحالات ظهرت في أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا.

وفي يوليو 2020، نشرت المجلة اليسوعية «Civiltà Cattolica» تقريرًا عن حالات الاعتداء على الراهبات.

في التقرير، قالت المجلة، إن «عادة استيراد الراهبات من البلدان الأخرى تسهّل المسألة؛ إذ لا تملك القادمات الجُدد في الغالب أي إمكانية للدفاع عن أنفسهن، بسبب صعوبة اللغة والعجز المطلق عن مغادرة السكن الديني، ليصبح مجتمعًا مثل السجن».

وأضاف المجلة، أنه حتى لو قررن التخلي عن حياة الرهبنة، والذي يكون صعبًا، تواجه الراهبات من المعاناة، ليس فقط بوقف أي شكل لمساعدتهن في بلاد غريبة عن موطنهن الأصلي، بل ببذل كل الجهود الممكنة لمنعهن من العثور على سكن.

الأزمة تصبح أكبر إن حملت الراهبة، وفق أسوشيتد برس. لكن عمليات الإجهاض- التي ترفضها الكنيسة الكاثوليكية أصلًا- تصبح الحل حينها. حيث يسمح الكاهن المتورط بخضوع الراهبة لها، حتى لو تكررت أكثر من مرة، على أن يتحمل هو التكاليف.

مرسوم بابوي بلا أي أثر

مدى إساءة معاملة الراهبات غير واضح، على الأقل خارج الفاتيكان. قال الخبراء لوكالة «أسوشيتد برس» إن الضحايا يترددن في الإبلاغ عن الإساءة بسبب مخاوف مبررة من عدم تصديقهن. بينما يتردد قادة الكنيسة في الاعتراف بأن بعض الكهنة والأساقفة يتجاهلون ببساطة وعود العزوبية، وهم يعلمون أن أسرارهم ستُحفظ.

في 2019، أثناء عودته من زيارة دينية إلى الشرق الأوسط، اعترف بابا الفاتيكان، فرنسيس، بواقع الانتهاكات التي تعرضت لها العديد من الراهبات. وصفها بـ«فضيحة مستمرة» وقال، إن كنيسته أوقفت بالفعل بعض رجال الدين المتورطين في قضايا مشابهة.

في نفس العام، أصدر فرانسيس مرسومًا يُعرف بِاسم «الملكية الخاصة»، أدخل إجراءات جديدة لمكافحة الاعتداء الجنسي، وألزمت الكهنة والراهبات بإبلاغ السلطات المختصة عن حالات الانتهاك.

لكن، وفق الكتاب، قالت راهبة- حملت اسمًا كوديًا «إليزابيث» خوفًا من الكشف عن هويتها الحقيقية- إنها مُنِعَتْ عن الإبلاغ عن انتهاك رئيسها العام لراهبة زميلة رغم المرسوم البابوي، واصفة معاناة الراهبات بـ«المحتجزات في الأسر».

راهبة أخرى- حملت اسمًا كوديًا الأخت ألكساندرا- قالت إنها تعرضت للاعتداء الجنسي من كاهن تعاونت معه في مشروع لدعم الشابات الراغبات في أن يصبحن راهبات. وعندما أبلغت رئيسها بالواقعة، قيل لها، إنها ليست الشكوى الأولى، لكن- إن صحت- فبالتأكيد سببها أن «الراهبات أغوين الكهنة».

عقاب كسر الصمت

في 2012، رفع قس دعوى على أسقف في غرب أوغندا علقه وأمره بالتوقف عن التعامل مع أربع راهبات على الأقل. الكاهن، الذي نفى هذه المزاعم، خسر الدعوى، وسحبت الراهبات لاحقًا دعوتهن ضد الأسقف.

في 2013، كتب القس أنطوني موسالا في كمبالا، أوغندا، ما سماه رسالة مفتوحة إلى أعضاء المؤسسة الكاثوليكية المحلية حول «حالات عديدة» من العلاقات الجنسية المزعومة لقساوسة، بما في ذلك مع الراهبات، فيما وصفه بـ«سر مكشوف» مفاده أن العديد من القساوسة الكاثوليك وبعض الأساقفة، في أوغندا وأماكن أخرى، «لم يعودوا يعيشون عُفافًا عُزابًا».

حديث ماسالا ليس جديدًا في المجتمع الأوغندي، فصحافة ذلك البلد لا تتوقف عن نشر حالات قساوسة ألقي القبض عليهم في مغامرات جنسية، حتى أن حبكة شبيهة من هذه المغامرات أصبحت عِماد رواية شعبية تُدرس في المدارس الثانوية.

رئيس الأساقفة جون بابتيست أوداما، زعيم مؤتمر الأساقفة الأوغندي المحلي، قال لوكالة «أسوشيتد برس» إنه لا ينبغي استخدام المزاعم التي لم يجر التحقق منها ضد كهنة أفراد لتشويه الكنيسة بأكملها، معتبرًا أن «حالات فردية قد تكون حدثت. ولو حدث، يجب التعامل معها كحالات فردية».

واستقالت لوسيتا سكارافيا، المحررة السابقة لمجلة «Women Church World» الشهرية التي تُنشر جنبًا إلى جنب مع صحيفة الفاتيكان L’Osservatore Romano، في 2019، قائلة إن الفاتيكان حاول منعها من نشر قصص عن إساءة معاملة الراهبات.

الهروب إلى الدعارة

ومع وصم الراهبات الفارات بـ«خائنات العهد»، يصعب عليهن للغاية الحصول على وظائف خارج الكنيسة.

العام الماضي، كشف الكاردينال جواو براز دي أفيز، الذي يرأس قسم الفاتيكان المشرف على التجمعات الدينية، أن البابا فرانسيس قد فتح منزلًا في روما للراهبات السابقات اللاتي هجرن الأديرة، بعدما صدم أن هناك حالات اضطرت فيها الراهبات السابقات للجوء إلى الدعارة لكسب العيش.

عن "إضاءات"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية