عراقي أخفق في العبور لبيلاروسيا يروي لـ"حفريات" آلام الهجرة إلى الشمال

عراقي أخفق في العبور لبيلاروسيا يروي لـ"حفريات" آلام الهجرة إلى الشمال


20/12/2021

عادَ حسين الإيزيدي لموطنهِ بعد رحلةٍ شاقةٍ باءت بفشلِ الوصولِ إلى البلاد الأوروبية، حيث التطلع نحو الملاذِ الأمين والعيشِ الكريم. مستسلماً لمجرياتِ واقعهِ، الذي عصفتْ باستقرارهِ أحداث احتلال داعش لمدينتهِ سنجار (80 كم شمال غرب مدينة الموصل) قبل ثماني سنوات، الأحداث التي أسفرَ عنها هروب الآلاف من أبناء جلدتهِ إلى إقليم كردستان، طلباً للنجاةِ من الجماعة التكفيرية التي تلاحقهم.

وبحسبِ الإحصاءات الحكومية، يقطنُ مليون و250 ألف نازحٍ في إقليم كردستان العراق، بينهم سوريون، يتوزعون على مخيماتِ المدن الأربع (أربيل، ودهوك، والسليمانية، وحلبجة).

ومنذ تحرير محافظة نينوى (مركزها مدينة الموصل)، من عناصر تنظيم داعش، في يوليو (تموز) عام 2017، ما تزال بعض الأقضية والنواحي غير مأهولة بالسكان، جرّاء الخراب العمراني والصِدام المليشياوي بين فصائل الحشد الشعبي والبيشمركة، سعياً للنفوذِ والهيمنةِ على المدن الموصلية وبينها قضاء سنجار.

اقرأ أيضاً: إلى متى يبقى السوريون أسرى الهجرة واللجوء؟

ويأتي خيارُ الهجرةِ لأغلب العراقيينَ في المناطق الآمنةِ أو في مخيمات النزوح، لضعفِ الوارد الاقتصادي، وإحساسهم بضياعِ مستقبلهم في بلدٍ ما يزالَ يعجّ بالصراعات السياسية التي دائماً ما تنعكسُ على الواقع الأمني فيه.

دوافع الهجرة إلى أوروبا

وكان الإيزيدي (37 عاماً) أحد الشبان الذين فشلوا في الهجرة إلى أوروبا، بعد مكوثهم لأيام طويلة في بيلاروسيا، على أملِ الخلاص من موطن المخيمات والضياع، واستبدالهِ بأيِّ بلدٍ يؤمنُ لهم العيش الكريم.

إجمالي أعداد المواطنين العراقيين الذين تمّ إجلاؤهم بنجاح على متن طائرات الخطوط الجوية العراقية من الأراضي البيلاروسية إلى أرض الوطن، بلغ 3 آلاف و814 مواطناً

"حفريات" التقت النازح الذي ينتمي للمكون الإيزيدي، وسألتهُ عن بقائهِ في مخيماتِ النزوح، وعدم العودة لبلدتهِ سنجار: "نزحتُ عن مدينتي عام 2014، بعد اجتياح داعش لها، ومنذ ذلك التاريخ، وأنا أعيشُ في مخيماتِ النازحينَ بمحافظة دهوك"، مضيفاً: "فرحنا كثيراً بتحرير محافظة نينوى من التنظيم الإرهابي، وكنا نأمل العودة إلى المحافظة، لكننا فوجئنا بالصراعاتِ السياسيةِ فيها، وتحديداً قضاء سنجار".

اقرأ أيضاً: مجلس الأمن يجدد قراراً أممياً يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية من ليبيا.. ما بنوده؟

وتابعَ: "جاء قرار الهجرة خارج العراق، لأنني كنت بينَ نارين؛ نار الضياع في المخيمات، ونار الأمن المفقود في سنجار المحررة من الإرهاب، حيث تسيطر عليها الفصائل المسلحة المنتمية للحشد الشعبي وقوات الأمن الكردي، فضلاً عن خلايا التنظيم النائمة". 

عادَ حسين الإيزيدي لموطنهِ بعد رحلةٍ شاقةٍ باءت بفشلِ الوصولِ إلى البلاد الأوروبية

وبشأنِ معيشتهِ في المخيمات يقول: "أعيشُ أنا وزوجتي وعدد من الأسر الإيزيدية في المخيمات المخصصة لنا من قبل حكومة إقليم كردستان، لكنّ الواقع المعيشي هنا صعب جداً"، مبيناً أنهُ "قبل ثلاثة أشهر تعرضتْ عدةُ خيمٍ إلى الحرق، بسببِ تماسٍ كهربائي، كما أننا نفتقدُ لأبسطِ الاحتياجات الإنسانية، إذ نعاني من البردِ الشديد".
رواية الهجرة "الفاشلة"

وكعادةِ معظم النازحينَ عن مناطق التوتر الأمني والسياسي، تطلّعَ الإيزيدي إلى الهجرةِ صوبَ الدول "الراعية لحقوق الإنسان"، إذ يروي ما حصلَ لهُ: "اقترضتُ نحو 20 ألف دولار من أهلي وأقربائي وأصدقائي، وتمكنتُ من الخروج نحو بيلاروسيا، باعتبارها منطقة عبور للدول الأخرى"، ويضيف: "عشتُ شهرين في بيلاروسيا، وكانت الإقامة فيها مكلفة، والذهاب شبه اليومي إلى الحدود يكلفنا كثيراً، لعلّ هناك أملٌ للعبورِ من حدودها نحو بولندا".

اقرأ أيضاً: هل دخل لبنان موجة الهجرة الجماعية الثالثة؟

ويواصل حديثه: "كان محاولاتنا كثيرة؛ ففي حال تجاوزنا الأسلاك الحدودية في غفلةٍ من الشرطة البيلاروسية، نقومُ بحفرِ نفقٍ صغير تحت الأسلاك لغرضِ العبور، وفي محاولةٍ ما نجحنا في الوصول إلى بولندا، لكنّ المسؤول عن تهريبنا هناك خذلنا، بعد أن تركنا عراةً داخل الحدود".

وأكّد أنّ "الشرطة البولندية اكتشفت خطة الهروب التي نكررها طيلة الشهرين التي قضيناها في بيلاروسيا، وقد أرجعونا من حيث جئنا"، واستدرك قائلاً: "لكنّ بيلاروسيا رفضت استقبالنا، وقد بقينا في الأرض المحرمة لمدة 13 يوماً، في ظلِّ البردِ والجوع، لأنّ كلا البلدين رفضا استقبالنا بالنهاية". 
مهاجرون أغلبهم من كردستان

وكان حوالي 4000 مهاجر غير شرعي؛ استوطن بيلاروسيا بغية الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذ للعراق حصة الأسد من هؤلاء المهاجرين، لا سيما أنّ الكثير منهم من سكان إقليم كردستان، الذي يتمتع بالهدوء السياسي والأمن المستقر.

ويعلقُ عماد الشرع، وهو صحفي ومدوِّن، على الهجرةِ الشبابية الكردية، قائلاً: "تضاعف عدد الشبان الذين يهاجرونَ بشكلٍ  يوميٍّ من محافظات إقليم كردستان، وبالذات من محافظة دهوك، يعود لأسبابٍ مختلفة"، موضحاً لـ "حفريات" أنّ "بعض الشباب يهاجر لأجلِّ فرصِ عملٍ مناسبة، والبعض الآخر يشعر أنّ الصراع المستمر بين الإقليم والمركز، والذي انعكسَ على الميزانيةِ ورواتب واستحقاقات موظفي الإقليم، سوف تستمر".

اقرأ أيضاً: كيف يوظّف حزب أردوغان الهجرة واللجوء لتمرير أجنداته السياسية؟

وأشارَ إلى أنهُ "في كلِّ مرة تحصل مفاوضات لا تنتهي بما يناسب وحجم متطلبات الشباب في الاقليم، لذلك يجدون في الهجرة رغم قساوتها؛ الأمل في إيجاد مكانٍ آخر".
فيما يتساءل الباحث قصي الكعبي: "لماذا يهربُ أبناء كردستان من إقليمهم الذي صورهُ ساسةُ الإقليم على أنهُ الفردوس، وأنهُ يرقى إلى الحياة الأوروبية؟. وعادةً ما يتم الإشارة إلى العمران والحياة الآمنة في هذا الإقليم". ويتابع: "وإذا تأتي التقارير صادمة على لسان المهاجرين الأكراد، فهم يقولون إنّهم هاربون من جحيم الإقليم وسياسة الحديد والنار التي تنتهجها الحكومةُ هناك".

وفاة مهاجر بعد وصولهِ ألمانيا

لشدّةِ الواقع الذي عاشهُ المهاجرون غير الشرعيينَ على الحدود البيلاروسية البولندية، يعربُ الإيزيدي عن شعورهِ بالارتياح؛ لعودتهِ "سالماً" إلى أهلهِ ومخيمهِ بدلاً من الرعب الإنساني الذي عاشهُ في بلاد الاغتراب، "عدتُ إلى مخيميّ في دهوك مجدداً والحمدلله، بعد تعرّضنا لأزمةٍ إنسانية افتقدنا فيها إلى أبسط الحقوق، وهي الحصول على المرافق الصحية"، مبيناً أنّ "الهجرة أكثرُ مرارةً من العيش في المخيم".

النازح حسين الإيزيدي راوياً لـ "حفريات" تفاصيل هجرته: نجحنا في الوصول إلى بولندا لكنّ المسؤول عن تهريبنا هناك خذلنا بعد أن تركنا عراةً داخل الحدود

أما المهاجر الكردي باكستيار أنور، فقد نجحَ في الوصولِ إلى شرق ألمانيا، لكنّ حلمهُ لم يتحقق على الرغم من اجتيازهِ كل المصاعب، حيث انتهت بهِ الهجرة إلى الموت.

وفي مدينة السليمانية، وصلت الأخبار الحزينة للعائلة التي غادر ابنها المنزل في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، متجهاً إلى بيلاروسيا وبولندا حالماً بالوصول إلى ألمانيا.

وانتشرت صور جثتهِ على وسائل التواصل الاجتماعي وهو ملقىً على ظهره، كان الشاب الكردستاني متجمداً عند التقاط تلك الصور القاسية. وقضى باكستيار حياتهُ يائساً ويرغبُ في الهروبِ من الفقر واليأس، وفقاً لتصريح ابن عمه، موسى، لقناة "رووداو" الإخبارية الكردية، وأكّد الأخير أنّ ابن عمهِ المتوفى "كان يحلم بدراسة علوم الحاسوب".

10 رحلات لإجلاء العراقيين

وعلى الصعيد الرسمي، كشفت وزارة النقل العراقية؛ أنّ إجمالي أعداد المواطنين العراقيين الذين تمّ إجلاؤهم بنجاح على متن طائرات الخطوط الجوية العراقية من الأراضي البيلاروسية إلى أرض الوطن، بلغ 3 آلاف و814 مواطناً.

 وقال مدير عام الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية عباس عمران، إنّ "جميع الرحلات الإنسانية والاستثنائية العشر، التي تم من خلالها إجلاء هذه الأعداد؛ جاءت بعد الجهود الكبيرة التي بذلها وزير النقل ناصر الشبلي"، مشيداً بالمستوى العالي للتنسيق مع وزارة الخارجية العراقية والسلطات البيلاروسية لمساعد المواطنين العراقيين الذين كانوا عالقين بين حدود بيلاروسيا وبولندا ويعانون من أوضاع إنسانية صعبة.

وأكد أنّ "إدارة الشركة وجميع العاملين فيها كان لهم الشرف بالوقوف مع أبناء بلدهم في هذه المحنة"، مجدداً "استعداد الوزارة لتنفيذ رحلات إنسانية أخرى متى ما اقتضت الضرورة".

اقرأ أيضاً: اتفاق الهجرة.. ماذا جنت تركيا وماذا كسب الأوروبيون؟

في غضون ذلك، أوفدت وزارة الهجرة والمهجرين، وكيلها كريم النوري إلى بولندا، بهدف حل مشكلات العالقين، والتريث بعودتهم قصراً إلى العراق.

وأكد بيان للوزارة، أنّها تتواصل باستمرار مع الأمم المتحدة؛ لأنّ "أغلبَ الموجودين في المخيمات ببولندا، يرفضونَ العودة إلى العراق".

وأكدت أنّ "الوزارة والحكومة تمنعان العودة القسرية للمهاجرين، وتقفان مع خيار العودة الطوعية لهم". 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية