عزوف الناخب العراقي عن الانتخابات: مسارات الاستقطاب المزمنة

عزوف الناخب العراقي عن الانتخابات: مسارات الاستقطاب المزمنة


09/09/2021

تشكّل الانتخابات العراقية، المزمع إجراؤها في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، لحظة مفصلية أو "مصيرية"، بحسب وصف رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي؛ إذ إنّ الاستحقاق الانتخابي الذي يبرز صراعات جمّة، إثر حالة الاستقطاب القصوى السائدة بين التيارات السياسية، يتزامن وتصاعد حوادث أمنية، مثيرة ولافتة، ينفّذها تنظيم داعش الإرهابي، مؤخراً.

اقرأ أيضاً: هل تنجح زيارة وزير الموارد المائية العراقي إلى تركيا في حل أزمة المياه؟

كما تمّ الكشف عن شبكة لتزوير الانتخابات، فضلاً عن عمليات الابتزاز والتهديد التي تقوم بها عناصر من فصائل الحشد الشعبي، ومن بينها جمع بطاقات انتخابية لمنتسبي التنظيم المدعوم من إيران، بهدف ضمان الأصوات الانتخابية.

محاولات إعاقة الاستحقاق الانتخابي

وفي أعقاب الهجوم الإرهابي الذي نفّذه تنظيم داعش الإرهابي، في محافظة كركوك، وأسفر عن مقتل 12 عنصر أمني، رأى رئيس الحكومة العراقية؛ أنّ هناك "جهات" تسعى لخلق "فتنة" بالعراق، بغية وضع العراقيل أمام الانتخابات "المصيرية"، وقد دان الكاظمي "سوء الإدارة والتقصير" لدى بعض القيادات الأمنية، الأمر الذي نجمت عنه "خروقات كبيرة"؛ لذلك طالب بضرورة تدشين آليات لتفادي تكرار مثل تلك الحوادث.

وشدّد الكاظمي على ضرورة إجراء عمليات أمنية استباقية ضدّ التنظيم الإرهابي في محافظة كركوك، والتي تعرّض فيها حاجز أمني لهجوم مباغت، لجهة ضمان منع "الخلايا النائمة من إعادة التشكل وتكرار الخروقات"، وبالتبعية أمر بـ "تفعيل دور الأجهزة الاستخبارية، وإيجاد آليات تنسيق فاعلة بين مختلف المؤسسات الأمنية والعسكرية بهدف تجنب الخروقات".

رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي

واللافت أنّ الانتخابات العراقية تنذر بصراعات عديدة ومتباينة؛ حيث تتزايد مخاوف الأحزاب والقوى السياسية من تداعيات ومخرجات الاستحقاق الانتخابي، الذي جاء كاستجابة ضرورية للاحتجاجات المندلعة في بغداد، منذ تشرين الأول (أكتوبر) العام 2019، وقد طالبت بإنهاء الفساد، والسلاح المنفلت بيد المجموعات الولائية لإيجاد بيئة انتخابية آمنة.

الواقع الحالي لخريطة المرشحين يشير إلى أنّ التيار الصدري قد يفوز بنحو 67 مقعداً، كما أنّه من الصعب التكهن بعدد المقاعد لكلّ كتلة سلفاً

ففي ظلّ الفوضى والسيولة الأمنية المتسببة في صعوبة تحقيق القانون على مرتكبي الجرائم الميليشياوية، ومن بينها الاغتيالات بحقّ النشطاء والصحفيين، فقد دفعت احتجاجات "تشرين" باتجاه تعديل قواعد المحاصصة بين القوى السياسية، وعمدت إلى طرح قانون انتخابي جديد، يعتمد مبدأ الدوائر المتعددة عوضاً عن الدائرة الواحدة، وذلك بهدف حلحلة التأثيرات والضغوطات التي تفرضها الكتل السياسية والطائفية على قواعدها، فضلاً عن وجود مراقبة دولية.

هل يحلحل القانون خريطة التحالفات التقليدية؟

وفي ضوء تعديل قانون الانتخابات الأخير، برزت خريطة انتخابية مضطربة، مصحوبة بمؤشرات الصراع الانتخابي الأفقي بين الكتل ذات اللون الواحد، بحسب الباحث العراقي، الدكتور مهند العزاوي، كما يظهر حراك انتخابي مختلط لم تألفه الانتخابات السابقة من قبل، وتديره الكتل السياسية نفسها، وإن بدّلت أسماءها وتحالفاتها، وقد تجلّى ذلك بتحوّل بوصلة التحالفات أفقياً بين كتل كردية وأخرى شيعية وسنيّة.

اقرأ أيضاً: هل أعاد داعش تنظيم صفوفه في العراق؟.. آخر عملياته

 ويضيف العزاوي، في دراسته المعنونة "الانتخابات العراقية بين الواقع والمأمول": "يبرز في الخريطة مسار تقارب بين مرشحي الكتل وفق توافقات تقليدية تتعلق بتوزيع المناصب، بعد انتهاء العملية الانتخابية، ومن الممكن أن تتغيّر التحالفات بعد الانتخابات وعند الدخول إلى البرلمان، وتتحوّل عصا القيادة نحو الكتلة الكبرى، بالمقارنة مع ما تحققه من نتائج".

 الدكتور مهند العزاوي

واستجابة لطلب الحكومة العراقية، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2576، في 27 أيار (مايو) الماضي، بهدف تمديد عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" لعام كامل، وتوسيع نطاق اختصاصها والتفويض المعطى لها، ليشمل مراقبة الانتخابات العامة العراقية، كما طالبت وزارة الخارجية العراقية جامعة الدول العربية بإرسال مبعوثين لمتابعة سير العملية الانتخابية المقبلة.

اقرأ أيضاً: اتفاق على تعزيز التعاون الأمني بين السعودية والعراق

ويرى الباحث العراقي في دراسته؛ أنّ الآليات الانتخابية في العراق تفتقر إلى تطبيق بعض بنود الدستور، تحديداً المادة (7)، التي تنصّ على "حظر كلّ كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرّض أو يمهّد أو يمجّد أو يروّج أو يبرّر له"، والأمر ذاته بالنسبة للمادة (9)، التي تنصّ على أنّه "يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة"، فضلاً عن عدم تطبيق فقرات قانون الأحزاب السياسية والذي يحظر وجود جناح مسلح لأيّ حزب سياسي.

مسارات محتملة للانتخابات

وفي حديثه لـ "حفريات"، لا يرجّح الباحث العراقي، الدكتور محمد نعناع، حدوث تغيير في مسارات الاستقطاب المزمنة، خلال الموسم الانتخابي الحالي، فالدواعي الطائفية المغطاة بالخدمة المناطقية، هي المسار التقليدي الذي تتخذه أغلب الكيانات السياسية.

الباحث العراقي الدكتور محمد نعناع

ويردف نعناع: "القوى السنية تركز على إعمار المناطق المحررة، وتخليص سكانها من الميليشيات التي تنتمي إلى الأحزاب الشيعية، كما أنّ القوى الشيعية تحرّض وتستقطب المواطن الجنوبي والفراتي والبغدادي، وذلك بواسطة المطالبة بحقّه كأغلبية مظلومة تعيش في مناطق محرومة".

اقرأ أيضاً: هل يوقف قانون التجنيد الإلزامي تمدد الميليشيات الإيرانية في العراق؟

ومن جهتها، تسعى الكتل الكردية باتجاه كسب أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، بحسب الباحث العراقي، وذلك حتى تتمكن من التفاوض مع الحكومة العراقية على المكتسبات والامتيازات التي تصرّ عليه، مثل نسبة إقليم كردستان في الموازنة، وكذا اتفاق تصدير النفط، بينما تراهن الكتل الوطنية و"التشرينية" على فشل النّظام في تلبية احتياجات المواطنين.

وفي النصف الثاني من آب (أغسطس) الماضي، أكّدت رئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، جينين هينيس بلاسخارت، على أهمية الانتخابات التشريعية العراقية، وشدّدت على أنّ نجاح الانتخابات القادمة تعد مسؤولية كافة الأطراف السياسية العراقية المعنية، وكذا السلطات الرسمية، كما رأت أنّ مقاطعة هذا "الاستحقاق الجوهري، ليست إستراتيجية فعّالة ولن تقدّم أيّة حلول".

الباحث العراقي د. محمد نعناع لـ "حفريات": القوى السنية تركز على إعمار المناطق المحررة، وتخليص سكانها من الميليشيات التي تنتمي إلى الأحزاب الشيعية

وقالت بلاسخارت؛ إنّ "إجراءات الأمم المتحدة لمراقبة الانتخابات المقبلة تسير على قدم وساق"، لافتة إلى "إكمال التعاقد مع معظم أعضاء الفريق التحضيري الذين يتمّ إيفادهم إلى بغداد فى هذه الأثناء"، وتابعت: "وسوف تتبعهم قريباً الفرق الإقليمية المتوقع تواجدها على الأرض، في الأسبوع الأول من أيلول (سبتمبر) الحالي. وستمهد هذه الفرق الإقليمية الطريق لوصول خبراء لمدد قصيرة".

وبدوره، قال سرهد فتاح، نائب مندوب العراق الدائم لدى الأمم المتحدة، إنّ الحكومة العراقية تواصل نشاطها "بأقصى إمكانياتها" لإنهاء التحضيرات الممكنة لتدشين "انتخابات مبكرة، حرّة ونزيهة، والحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب وجائحة "كوفيد-19"، والفساد وتحقيق الإصلاحات الاقتصادية الملحة"، مشيراً إلى أنّ حكومة الكاظمي وضعت ضمن أولوياتها استعادة الثقة مع الشعب العراق.

جينين هينيس بلاسخارت

الدراسة الصادرة عن مركز "تريندز" للبحوث والدراسات؛ كشفت أنّ الحراك السياسي للتحالفات المشاركة في الانتخابات يشير إلى رؤى ونظريات حول هندسة سياسية لواقع ما بعد الانتخابات، بعد فرضيات الفوز بمقاعد تؤهلهم لتصدر المشهد السياسي، كما يبرز تنافساً شديداً على منصب رئاسة الوزراء بين الكتل السياسية الدينية الشيعية.

وأضافت: "الواقع الحالي لخريطة المرشحين يشير إلى أنّ التيار الصدري قد يفوز بنحو 67 مقعداً، كما أنّه من الصعب التكهّن بعدد المقاعد لكلّ كتلة سلفاً، خاصّة في حال عزوف الناخب العراقي عن المشاركة، أو تدنّي نسبة المشاركة أو عدم إجرائها؛ وعليه فستكون النتائج غير مرضية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية