عسكرة السياسة الخارجية التركية، إلى أين؟

عسكرة السياسة الخارجية التركية، إلى أين؟


17/10/2020

جويس كرم

من الصومال إلى القوقاز مرورا بليبيا وقبرص وسوريا والعراق وقطر، تتخذ سياسة تركيا الخارجية منحى عسكريا وتوسعيا متزايدا مستفيدة من تراجع القوة العظمى الأميركية وتلكؤ الأوروبيين والبناء على تحالفات مع مرتزقة ومجموعات جهادية.

من أحمد داوود أوغلو، منظر السياسة الخارجية التركية الذي تولى وزارة الخارجية في العام 2009، إلى مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية الحالي، هناك نقلة دراماتيكية للسياسة الخارجية التركية. فبدل سياسة "صفر مشاكل" مع دول الجوار التي كان عرابها داوود أوغلو هناك اليوم سياسة "الكل مشاكل" في خوض أنقرة معارك ونزاعات لبسط قوتها التوسعية إقليميا.

صحيفة "واشنطن بوست" نقلت هذا الأسبوع أن 52 مرتزقا سوريا عادوا جثثا هامدة إلى أهلهم بعد القتال نيابة عن تركيا في ناغورنو قره باغ في النزاع بين أذربيجان وأرمينيا. ما الذي حوّل الكثير من شباب حلب ودير الزور وحمص وحماه ودمشق وغيرها من المدن السورية إلى مرتزقة بيد تركيا ورئيسها رجب طيب إردوغان؟ 

الأسباب عديدة، من أبرزها الحرب السورية والتفتت والتشتت السوري، وشعور أنقرة بوجود فرص يمكن انتهازها في السعي وراء مصالح نفطية وجغرافية وأخرى ذات طابع إسلامي. بعض هؤلاء المقاتلين ظنوا أنهم يحاربون إيران، والكثير منهم طامع بمبلغ شهري يعيل عائلته بعد سياسة القتل والتجويع من نظام بشار الأسد. لكن التحول في سياسة تركيا إلى استراتيجية عسكرية تم تدريجيا بعد الاختبار السوري.

فدخول تركيا، وبضوء أخضر أميركي من الرئيس دونالد ترامب، إلى الشمال السوري في 2019 كان منعطفا أفسح لإردوغان الدخول بعدها في ليبيا وتكثيف الضربات في العراق ومن ثم دخول القوقاز. تهديد واشنطن بعقوبات لامتلاك تركيا منظومة روسيا الدفاعية لصواريخ أس-400 لم يترجم بالكامل. هذا يعود لتردد إدارة ترامب واستمهال العقوبات وعدم المجازفة بمفاوضات التبادل التجاري وصفقة حجمها 100 مليار دولار يفاوضها وزير التجارة الأميركي ويلبر روس. أما الأوروبيين فالعقوبات التي لوحوا بها، لم تؤثر اليوم على إردوغان وهم لا يريدون فتح معركة حول اللاجئين والغاز مع أنقرة.

تركيا تنظر إلى خطواتها التوسعية وترى ردا أميركيا وأوروبيا ضعيفا بشكل يزيد من قناعتها بأنها قادرة على تجنيد مرتزقة سوريين والذهاب أبعد في سياستها التوسعية. لكن هذه الاستراتيجية، ولو أنها تبدو تحقق انتصارات في المدى القصير، فهي طائشة في المدى الأبعد.

اليوم، وحّد إردوغان خصومه من اليونان إلى أرمينيا إلى مصر وسوريا والخليج وروسيا حول استراتيجية لصد تركيا والتعاون بشكل أكبر في ملفات حقول الغاز. المكاسب العسكرية التي حققتها أنقرة ليست بالصغيرة في سوريا وليبيا، إنما غير مضمونة ومكلفة من دون رص تحالفات تحصنها في المدى الأبعد. هذا التوسع أيضا بدأ يؤذي أنقرة داخليا، فالاقتصاد التركي يترنح بين وباء كورونا وانخراط تركيا في أزمات المنطقة، ولا مؤشرات لتعافيه قريبا.

هذا التوسع أيضا يطرح تساؤلات حول موقع تركيا في حلف الشمال الأطلسي (الناتو) وهي اليوم على خلاف مع الكثير من أعضائه. فالولايات المتحدة أوقفت بيع طائرة الأف-35 لأنقرة، فيما كندا علقت مبيعات تكنولوجيا الطائرات من دون طيار لاستخدامها في أرتساخ، أما ألمانيا وفرنسا فخلافتهما مفتوحة مع إردوغان حول ملف اللاجئين وفي ليبيا.

تركيا بحاجة إلى مراجعة لسياستها الإقليمية فالمكاسب العسكرية لا تدوم من دون رؤية سياسية وتحالفات إقليمية. أما الرهان على غض واشنطن النظر وتراجع الأوروبيين، فهذا قد يتبدل بعد الانتخابات الأميركية في 3 نوفمبر ومع تزايد الضغوط الاقتصادية على أنقرة.

عن "الحرة"

الصفحة الرئيسية