علاقات أنقرة بإسرائيل.. هل هي نموذج لتناقضات القيادة التركية؟

تركيا وإسرائيل

علاقات أنقرة بإسرائيل.. هل هي نموذج لتناقضات القيادة التركية؟


24/02/2019

رغم أنّ تركيا تبدو اليوم، وهي تحمل راية الدول الإسلامية للدفاع عن المقدسات الإسلامية في القدس، وتوجيه الانتقادات الحادة لإسرائيل، إلا أنّها تستحوذ، وحدها، على ما يربو عن الـ "70%" من حجم تجارة هذه الدول الإسلامية مع إسرائيل، وبحجم تبادل يتجاوز الأربعة مليارات دولار سنوياً، وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة حول حقيقة المواقف التركية، وفيما إذا كانت بالفعل هناك فجوات بين الخطاب السياسي والإعلامي المعادي لإسرائيل، ومدى الالتزام بهذا الخطاب وترجمته بأفعال حقيقية، في مجالات التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل.

إسرائيل تدرك بأنّ  أردوغان يمارس الهجوم عليها في إطار تحقيق الشعبية في الداخل التركي وفي العالم الإسلامي

فوفق تقرير نشرته صحيفة "زمان" التركية، نقلاً من مصادر اقتصادية حكومية تركية، في أواخر العام الماضي، تبين أنّ حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل، منذ تسلم حزب العدالة الحكم في تركيا عام 2002، ارتفع بواقع الضعفين ونصف الضعف، رغم منعطفات سياسية بين البلدين، أبرزها أحداث أسطول الحرية التركي، عام 2010، فيما ارتفع حجم التبادل التجاري التركي مع إسرائيل بحوالي 3%، بعد القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، عام 2017، فيما كانت الحكومة التركية قد أبرمت اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 2016.

ووفق تقديرات دوائر إسرائيلية، بما فيها مراكز دراسات أمنية وإستراتيجية؛ فإنّ هناك إدراكاً لدى إسرائيل بأنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يمارس الهجوم على إسرائيل، في إطار تحقيق الشعبية في الداخل التركي وفي العالم الإسلامي، في سياقات تنافس محموم مع السعودية وإيران على قيادة العالم الإسلامي، وأنّ القضية الفلسطينية والمقدسات توفر له مادة خصبة وأداة لخوض تلك المعارك، فيما تستمر علاقاته مع إسرائيل، خاصة الاقتصادية.

الانحياز التركي إلى جانب الإخوان والرهان على احتمال تسلمهم السلطة  أحد أبرز عناوين التناقض في المواقف التركية

التناقض بين الخطاب السياسي والإعلامي للقيادة التركية تجاه إسرائيل غير معزول عن سياسات القيادة التركية، المتناقضة تجاه الكثير من ملفات المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بما فيها العلاقة مع حركة حماس، والإسهام في تغذية الانقسام الفلسطيني، وتسويقها بالتوافق مع أطراف عربية بكونها بديلاً للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، والضغط عليها بتعديل ميثاقها بما يضمن الاعتراف بإسرائيل، وبما يحقق الأهداف التركية في التفاوض بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وبما يؤكد دورها الإقليمي وحجم تأثيرها.

وفي ملفات مكافحة الإرهاب؛ فإنّ هناك إدراكاً غربياً، وتحديداً من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، لتوجهات تركيا وطموحاتها بأن تكون جزءاً من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وبناء علاقات مع تنظيمات إرهابية، في سوريا والعراق في الوقت عينه، وإنّ تركيا تقصر تعريفها للإرهاب على فصائل كردية، أثبتت مصداقيتها في مواجهة داعش في العراق وسوريا.

اقرأ أيضاً: من كواليس الحرب المنسية بين مصر و"إسرائيل"

وفي العلاقة مع روسيا وإيران؛ فقد نجحت طهران وموسكو باستقطاب تركيا، في ظلّ علاقات متوترة مع الولايات المتحدة وأوروبا، في القضاء على الفصائل الجهادية في سوريا، من خلال إشراك تركيا في مفاوضات أستانة، وإنجاز مناطق خفض التوتر، والتي ظهرت تركيا فيها بكونها الداعم والراعي للفصائل الإرهابية، بما فيها جبهة النصرة، التابعة للقاعدة في سوريا، وقد أسفرت السياسات التركية المتناقضة في سوريا، عن وضعها اليوم بين سندانة الضغوط الروسية والإيرانية، ومطرقة الفصائل الإرهابية، على أبواب معركة إدلب التي تم تأجيلها غير مرة، لحسم تحرير آخر المحافظات السورية، وإعادتها لسيطرة الدولة السورية.

وربما كان الانحياز التركي إلى جانب الإسلام السياسي، ممثلاً بـ "جماعة الإخوان المسلمين"، والرهان على احتمالات تسلمهم السلطة، بعد "الربيع العربي"، أحد أبرز عناوين التناقض في السياسات والمواقف التركية، ولاحقاً انحيازه لدولة قطر ضدّ السعودية ومصر والإمارات، وهو ما حرم تركيا من إمكانية القيام بدور الوسيط، بما يعكس دور تركيا وثقلها الإقليمي، وبالتزامن فقط قطعت تركيا خطوط الرجعة بإمكانية مصالحة مع السعودية بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، بالإصرار على استثمار القضية خارج أطر الصراعات الدبلوماسية المعروفة، ووصولها لمستويات تستهدف التشكيك بمؤسسة الحكم السعودية، وهو ما لم تقدم عليه القيادة الإيرانية، التي كانت تشير التقديرات إلى أنّ خلافاتها مع السعودية أعمق مما هي عليه بين تركيا والسعودية.

اقرأ أيضاً: على خُطى تشاد.. مالي في سبيل تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"

ربما نجحت القيادة الإيرانية في اتّباع سياسة حافة الهاوية، بالتصعيد إلى أقصى حدود ممكنة، ثم تقديم تنازلات، والوصول إلى تسويات، وهو ما تم خلال الصراع قبيل التوصل للاتفاق النووي عام 2015، ورغم إلغاء الاتفاق إلا أنّ إمكانية التوصل لاتفاق جديد بين إيران وأمريكا ما تزال قائمة، وهو ما لم تدركه القيادة التركية، ولم تعمل على غراره، فإذا كانت أوروبا تحاول البقاء على مسافة من المواقف الأمريكية تجاه ايران، فإنّ ما تشهده العلاقات التركية مع عواصم القرار الأوروبية من مزيد من التشنج، وهو ما يتوافق مع التوجهات الأمريكية، كما أنّ علاقات تركيا مع روسيا وإيران، وعلى خلفية الأزمة السورية، تدخل منعطفاً حاداً، تضيق معه خيارات تركيا، فيما يزداد التصعيد في علاقاتها مع مراكز القرار العربي "القاهرة والرياض وأبوظبي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية