عواطف الهُوية التركية وأحلام أردوغان الإمبراطورية

عواطف الهُوية التركية وأحلام أردوغان الإمبراطورية


كاتب ومترجم جزائري
30/08/2020

ترجمة: مدني قصري

بالتذكير بأنّ الإسلام قد غزا كنيسة القسطنطينية، يحرك أردوغان، الحليف الانتخابي لليمين المتطرف، عواطفَ الهُوية التركية وأحلامه بالإمبراطورية.

اسطنبول

في 29 أيار (مايو) 1453، يوم الاستيلاء على القسطنطينية، عبَر السلطان محمد الثاني المدينة على ظهر الخيل إلى آيا صوفيا؛ حيث صلى بالمسلمين، هذا العمل التأسيسي حوّل البازيليك البيزنطية القديمة إلى مسجد، وفي سنّ الـ 21 حقق "الفاتح" حلم سلالته؛ فأسّس هيبته وعزّز عهده، الذي استمر لمدة ثمانية وعشرين عاماً أخرى.

في الوقت الذي يشدّد فيه قبضته على المجتمع التركي، يضاعف أردوغان عدد الصولات والجولات على الساحة الدولية: شراء نظام دفاع روسي مضاد للطائرات، وتدخلات عسكرية في سوريا وليبيا، وسواها

تُرى، فِيمَ يفكر رجب طيب أردوغان، بعد 567 عاماً، وهو يدخل تاريخ جمهورية تركيا كزعيم أعاد آيا صوفيا إلى الإسلام؟ هذا الذي بعد ثمانية عشر عاماً في السلطة، يبتهج اليوم بتحقيق "حلم طفولته الأعظم"، وبِتسديد "دَيْنِه للتاريخ"؟

وقد حذّر اردوغان، في 14 تموز (يوليو)، الغاضِبين المتذمّرين، من أنّ إدانة هذا القرار (قلة في تركيا من أعلنوا تذمّرهم علانية) تعني "الخجل من غزو إسطنبول"، وهو "شعور لا ينبغي أن يوجد عند أيّ شخص يطلق على نفسه اسم تركي ومسلم".

قميص عثمان التركي

القومية الإسلامية، أو الإسلام القومي، هي قميص عثمان الذي يُشهِره رجب طيب أردوغان منذ عدة أعوام، وغالباً ما ننسى أنّه لم يعد يترأس وحده مصائر بلاده، فلإقرار قوانينه، يعتمد اردوغان اليوم على دعم حزب اليمين المتطرف، حزب الحركة القومية (MHP). لقد حدّدت كلماتُ زعيمه، ديفليت بهجيلي، نغمةَ السياسة الداخلية والخارجية التركية بصيغة الرئيس نفسها تقريباً.

في الخطاب الرسمي، لا يتم الاحتفال بآيا صوفيا كصرح إسلامي فقط، ولكن أيضاً كسلعة تركية مكتسبة بشكل أساسي، وكعلامة على السيادة، توظَّف آيا صوفيا في تمجيد هذه القومية الإسلامية، التي لم يكن طيب أردوغان مخترعها أصلاً.

تتويجٌ للقومية التركية

صرنا نعرف اسم المسجد 3272 في اسطنبول: "مسجد آيا صوفيا"، بفحص شكوى من جمعية إسلامية، ألغى مجلس الدولة التركي، يوم الجمعة، صفة متحف للمبنى الألفي العريق.

يستطيع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من الآن فصاعداً، استخدام حُكم قضائي لتحقيق حلم الإسلامويين الأتراك، استعادة رموز إسطنبول هذه، دينياً وسياسياً.

يؤكد إتيان كوبو (Étienne Copeaux)، المؤرخ المتخصص في شؤون تركيا؛ أنّ "أردوغان لا يجسّد القطيعة، إنّه نتاجُ تطوّرٍ طويل، ما انفكّ يحدّد الأمة التركية، منذ البداية، كأمة مسلمة، إنّ تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يمثل إذن تتويجاً للقومية التركية".

اقرأ أيضاً: كيف يحارب أردوغان الأكراد بورقة النفط السوري؟

ويوضح المؤرخ إتيان كوبو، قائلاً: "من المسلّم به أنّه "لغاية مجيء أردوغان، لم تَصُغْ سلطاتُ الدولة هذا التعريف على هذا النحو"، "إني أقارن هذا بِنَبْتةٍ ظلت تنمو تحت الأرض لمدة قرن، ثم خرجت إلى النور، بدون تعقيد، مع أردوغان، الذي يتمتع بمدة طويلة في الحكم؛ حيث إنّ سلطته استمرت أطول فترة في تاريخ الجمهورية".

الأمة والسيادة

وبعبارة أخرى؛ من وجهة نظر تركيا، يتمحور الجدل القائم حول آيا صوفيا حول مفاهيم الأمة والسيادة، أقل ممّا يدور حول مفاهيم الإسلام والعلمانية، أو بالأحرى، هو يتمحور حول توظيف هذه المفاهيم من قبل السلطة الحالية، للأغراض الانتخابية.

من المفارقات أنّه خلال الأعوام الأولى لحكمه، بدا رجب طيب أردوغان مستعداً لتحدي تابوهات (محرّمات) الحقبة الجمهورية، وصاية الجيش والمسائل الكردية والأرمينية و...إلخ، ففيما يخصّ هاتين النقطتين الأخيرتين، انقلب أردوغان واستدار، وفي هذا السياق، يقول إيتيان كوبو: "لا شكّ في أنّ أردوغان أدرك أنّه إذا تمّ الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، وإذا تمّت تسوية المشكلة الكردية بالكامل، فمن الضروري عندئذ إعادة النظر في تعريف الأمة، وإقصاء العنصر الديني فيها، على وجه الخصوص"، فبينما يتعثر نظامه، فإنّ أردوغان، بلا شكّ، قد اختار الطريقة السهلة أيضاً، مع الأخذ في الاعتبار أنّه من الأفضل أن يضع نفسه في "الجانب الجيد" (من الناحية العددية) للثغرات التي تشوب المجتمع، المسلم سنيّاً والتركي عرقياً في أغلبيته.

توطيد قاعدته

في هذا السياق؛ علّق الصحفي التركي، روزن شاكر، مؤخراً، وهو أحد أفضل الخبراء في العالم، المتخصص في الإسلام السياسي التركي: "لعلّ هناك من يعتقد أنّ أردوغان أعاد فتح آيا صوفيا للصلاة؛ لأنّه شعر أنّه قوي بما يكفي على الساحة الوطنية والدولية للقيام بذلك"، لكنّ الواقع، هو العكس. يفعل أردوغان ذلك بالتحديد لأنّه ضعيف".

اقرأ أيضاً: أردوغان والثقب الأسود

إلى استطلاعات الرأي التي تشهد بانهيار ناخبيه، خاصة رفض الشباب له، والاستياء وخيبة الأمل من قبل جزء من الطبقة الوسطى المحافظة، تضاف علامات تحذير ملموسة لأردوغان: "فقدانه للمدن الكبيرة، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة، في الانتخابات البلدية لعام 2019، والأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب الوباء، وظهور حزبين في الأشهر الأخيرة، وُلدا من انقسام في تشكيلته، حزب العدالة والتنمية".

توطيد قاعدته السياسية، مع تعذّر استقطاب ناخبين جدد، هذه هي أولوية رئيس الدولة من الآن وحتى الانتخابات المقبلة، المقرّر إجراؤها عام 2023.

اقرأ أيضاً: معلّق إنجليزي: تركيا دولة مارقة محتملة وأردوغان متنمّر

 جميع الوسائل جيدة لخنق المعارضة وتمجيد الهوية الوطنية التي تنوي الحكومة تجسيدها، مباشرة بعد تحوّل آيا صوفيا إلى مسجد، تبنّى حزب العدالة والتنمية، وحليفه حزب الحركة القومية MHP""(1) قانونًا يُضعف نقابات المحامين، شخصيات الدفاع عن بقايا سيادة القانون، وقد وضع الحزبان للتوّ قانوناً آخر يضاعف بشكل كبير المراقبة على وسائل التواصل الاجتماعي.

في الوقت الذي يشدّد فيه قبضته على المجتمع التركي، يضاعف رجب طيب أردوغان عدد الصولات والجولات على الساحة الدولية: شراء نظام دفاع روسي مضاد للطائرات، وتدخلات عسكرية في سوريا وليبيا، والتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، فأينما استطاع لذلك سبيلاً، يسعى الزعيم التركي لفرض ما يسميه "المصلحة الوطنية التركية"، على الأوروبيين الذين أصبحوا أكثر انقساماً من أن يسعهم الردّ عليه، وعلى الولايات المتحدة، التي تناوره وتسايره وتتحفظ معه في الوقت الحاضر.

صحفي تركي: لعلّ هناك من يعتقد أنّ أردوغان أعاد فتح آيا صوفيا للصلاة؛ لأنّه شعر أنّه قوي، لكنّ الواقع، هو العكس. يفعل أردوغان ذلك بالتحديد لأنّه ضعيف

هنا مرة أخرى، التناقض صارخ مع أيام ولاية رجب طيب أردوغان الأولى، عندما أعطت تركيا، أثناء سعيها للنفوذ الإقليمي، الأولوية للمبادرات الدبلوماسية، يقول سولي أوزيل "Soli Özel"، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس في إسطنبول: "اليوم، حتى لو استمرّت تركيا في استغلال قوتها الناعمة، من خلال الادعاء بدورها كزعيم العالم الإسلامي السنّي، يمكننا أن نرى بوضوح أنّ تركيا تعتمد أكثر فأكثر على القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها".

وتؤكد الأرقام ذلك؛ لقد زادت ميزانية وزارة الدفاع التركية بنسبة 16٪ هذا العام (وهو رقم قياسي بعد وزارة الصحة)، بينما انخفضت ميزانية الشؤون الخارجية، أما بالنسبة إلى هيئة الشؤون الدينية، التي تتبع لها آيا صوفيا الآن، فقد قفزت ميزانيتها بنسبة 335٪ خلال عشرة أعوام.

هامش:

حزب الحركة القومية "MHP" (باللغة التركيةMilliyetçi Hareket Partisi ويعرف أيضاً بالعمل القومي، حزب سياسي قومي  يميني تركي، حصل الحزب على 14% من الأصوات في الانتخابات التركية العامة 2007، يتزعمه حالياً  دولت بهتشلي، والحزب من أشدّ معارضي انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

مصدر الترجمة عن الفرنسية: lefigaro.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية