عودة "الحسن بن علي".. من أبو أبوظبي!

عودة "الحسن بن علي".. من أبو أبوظبي!


05/12/2018

في هذا العالم المليء بالحرب والمعاناة، كان لافتاً وجديراً بالحفاوة تغريد دول قليلة من دولنا العربية خارج السرب، وهي التي يبقي نهضتها واستقرارها وأوّلياتها على شيء من الأمل، بعد أن اجتاح الخراب أجزاء واسعة من الأرض العربية والإسلامية.

وفي هذا الحقل دائماً تجيء الإمارات في المقدمة، بعد أن أضحت مثلاً ونموذجاً لمحيطها وأمتها يتمنى الكل أن يصاب بعدواها سراً أو علانية.

اقرأ ايضاً: ملتقى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة يقطع الطريق على التطرف

ولا تتوقف الأخبار السعيدة في عاصمتها أبوظبي وأخواتها عند احتفائها بذكرى وحدتها الـ 47، وعام زايد الذي طغى على المشهد بأفكاره التي استحالت جداول وأنهاراً تسر الناظرين، ولا عند تحقيق الجواز الإماراتي قبل أيام المرتبة الأولى ليس عربياً ولا إقليمياً ولكن عالمياً، فتبارك الله أحسن الخالقين.

إضافة إلى كل ذلك تستقبل أبوظبي هذه الأيام حشداً كبيراً من الشخصيات الدينية والسياسية والفكرية والاعلامية، قدّرها المنظمون بـ800 شخصية، لنقاش مبادرة "حلف الفضول: فرصة للسلم العالمي"، بوصفه موضوعاً أساساً للملتقى الخامس الذي ينظمه "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، برعاية وزير الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وإشراف رئيس المنتدى العلامة عبدالله بن بيه.

المنتدى يعيد الاعتبار إلى شخصية إسلامية عريقة هي الحسن بن علي، وحقه الطبيعي في التداول والدرس والتأسي

لكنّ الأخبار المتفائلة الآتية من دار زايد لم يفرغ ما في جعبتها، ذلك أنه على هامش المنتدى سيتم تكريم الشخصية الفائزة بجائزة "الحسن بن علي للسلم الدولية"، وهي الفكرة محور النقاش في هذه المساحة، فأن تجتمع كل تلك المناسبات تحت غطاء إماراتي في هذا الوقت الوجيز، والظرف العربي الصعب، أليس داعياً للغبطة؟

وعوداً على بدء، فإنّ الحديث عن الإمام الحسن ونهجه بالنسبة إلى غالبية المسلمين، سنة وشيعة ظل شبه غائب، فيستدعى غالباً عرضاً فقط عند تناول شقيقه الحسين واستدعاء غريم والده وخلفه معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهم جميعاً. بغض النظر عن كيفية التناول ومراده وأهدافه.

وهكذا استأثر الحسين ومعاوية بالصدى والنقد والتحليل، باعتبارهما مثلاً للخروج على الحاكم، بحجة ما، هي عند معاوية الانتصار للمظلوم (عثمان)، وعند الحسين انحراف الخليفة (يزيد)، بينما ظل الحسن الذي اختار طريقاً آخر أكثر إيجابية، هو "التنازل والصلح"، غير حاضر في شق التنظير والتطبيق وإن بشكل متفاوت.

اقرأ أيضاً: مؤتمر في واشنطن يربط الحريات الدينية بالسلم الاجتماعي

زاد الأمر وضوحاً عندما أتيحت الفرصة لبعض التيارات الإسلامية أن تخوض معارك مع غرمائها في السلطة، مثلما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن ولبنان وتركيا والعراق، وحينها لم يتضح أنها مرت يوماً على تعاليم الدين التي بشرت بها في حفظ الضرورات، واتباع سنة آل البيت، والإيثار، والتسامح، والتنازل عن حظوظ النفس، في سبيل مصلحة أكبر هي "حقن الدم"، الذي ترى أدبياتها أنها أولى وأكرم.

ومع أنّ الجهة المقابلة التي مثلتها أنظمة وحركات أخرى، كانت أشرس في الدفاع عن حظوظها، كما يفعل النظام السوري الآن، وفعل الليبي من قبل، إلا أنّ آخرين من بينهم حسني مبارك وعلي عبد الله صالح، تنازلوا بعض الشيء، ناهيك عن كون الحركة ذات المرجعية الإسلامية أحرى بلزوم تعاليمها، ولا يجوز أن تحتج بسلوك فريق له منطق آخر.

تستقبل أبوظبي حشداً كبيراً من الشخصيات الدينية والسياسية والفكرية والاعلامية، لنقاش مبادرة "حلف الفضول: فرصة للسلم العالمي"

وربما أنّ ظهور هذا التناقض، هو الذي أحرج شخصيات تقليدية هذا العام في إيران، ودفعها إلى إحياء جزء من تاريخ الحسن، عبر مؤتمر رعاه الرئيس حسن روحاني قبل أعوام، وزعم الانتصار له بالقول: "الحاجة اليوم تدعو إلى سلوك طريق الإمام الحسن من أجل الحفاظ على أرواح المسلمين ودمائهم وترسيخ دعائم الصلح والسلام في العالم الإسلامي"، مضيفاً أنه "ينبغي أن لا يتصور أحد أن سلوك طريق أهل بيت النبي الكريم يفضي إلى الخلاف والفرقة، بل على العكس من ذلك، يعد هذا السبيل من دعائم الوحدة بين المسلمين".

وهذا السلوك الشائع بين حركات العنف والإسلام السياسي، هو ما التقطه العلامة الموريتاني عبد الله بن بيه، وجعله حجة أسّس عليها مبادرة "تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة". وهو بذلك علاوة على أنه أعاد للإسلام جانباً من سماحته المسلوبة، أعاد أيضاً الاعتبار إلى شخصية إسلامية عريقة هي الحسن بن علي، وحقه الطبيعي في التداول والدرس والتأسي، وهو من توثق المدونات الشرعية قول جده، صلى الله عليه وسلم، عنه "ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين". وترجم الحسن ذلك عملياً عام 41 هـ، عندما أنهى أطول صراع (وفتنة) بين الصحب الكرام، وتنازل عن السلطة لغريمه معاوية بن أبي سفيان، فسمي "عام الجماعة".

اقرأ أيضاً: التربية على التسامح: مفتاح الحكمة في موسوعة السلم

ويرى بن بيه أنّ الثورات في الدول العربية نتيجة "شارع لا مشروع"، مشيراً إلى أنها نجحت في الهدم، لكن لم تكن لديها خطة للبناء ولم تكن لها قيادات فكرية، لافتاً إلى أنها "ثورات عمياء وجرّافة تجرف كل ما أمامها من دون تمييز".

وأضاف في حوار معه "أستغرب تغييبنا مفهوم السلم الذي يعد من المفاهيم الأصيلة في الثقافة الإسلامية، ذلك أنّ الحرب لا تحقّق العدل وإنما تحقّق القتل، لذلك سُميت المعاهدات التي توقف الحرب فتحاً".

اقرأ أيضاً: 4 مبادرات لترسيخ التسامح أسلوب حياة

لكن الانتقائية التي يمارسها المتطرفون وبعض المحتجين بالتراث على شنائع، مثل القتل والسبي والنهب، لا تتوقف عند تغييب مدارس مضيئة، وانتقاء أجزاء من تجارب أخرى لأنها وافقت هوى وظرفاً، تخدم فيها مآرب، أقل ما يقال عن بعضها إنها انتهازية. وهذا فقط فصل منها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية