عيد الأضحى في السودان.. فرحة مضاعفة أم منقوصة؟!

السودان

عيد الأضحى في السودان.. فرحة مضاعفة أم منقوصة؟!


12/08/2019

لأنّ عيد الأضحى يمثل بالنسبة إلى السودانيين حدثاً عظيماً، ويسمّونه "العيد الكبير"، فما إن يقترب حتى تنقلب الحياة اليومية الروتينية رأساً على عقب، إلا أنّه هذا العام يأتي في ظلّ ظروف سياسية شديدة التعقيد، فبقدر ما تعمّ الفرحة الجميع بتحقيق بعض أهداف الثورة، والمضيّ قُدماً نحو الدولة المدنيّة، إلا أنّ الفرحة لن تكتمل بالنسبة إلى الكثيرين من الشباب بشكل خاص، ما لم يتمّ التحقيق في مذبحة القيادة العامة، ليلة 3 حُزيران (يونيو) الماضي، فيما يعتقد آخرون أنّ الفرحة ستكون مضاعفة بعد انتصار الثورة، والتوقيع على الوثيقة الدستورية، والذهاب بالبلاد من حالة السيولة إلى حكومة انتقالية مدنية، تهيّئ لانتخابات عامة خلال ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر.
تحايا العيد بعد الصلاة

صعوبة تناسي الحزن
تقول نسرين عبد الفتاح السُنّي، ناشطة سياسية؛ إنّها وكافة الثُوّار يشعرون بحُزنٍ شديد على رفاقهم الذين قضوا في مذبحة القيادة العامة بالخرطوم، وكلّ من استشهدوا في بقية المدن السودانية، منذ اندلاع الثورة وإلى حادثة قتل تلاميذ المدارس الثانوية في مدينة الأُبيِّضْ، وسط السودان، "لذلك فإنّ فرحتنا بالعيد ستكون ناقصة أو منعدمة، ما لم يُحاكم الذين ارتكبوا جرائم القتل المُروِّعة بحقّ المُحتجين العُزّل".

يأتي العيد هذا العام على السودان في ظلّ ظروف سياسية شديدة التعقيد

وأضافت في حديثها لـ "حفريات": "حتى الفرحة التي عمّت البلاد بعد التوقيع على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية تعتبر مؤجلة بالنسبة إلينا، فالكثير من الثوار، خاصة الذين كانوا موجودين في ساحة القيادة العامة، ليلة مجزرة  29 رمضان، قرّروا ألا يفرحوا إلا بعد الاقتصاص من القتلة.. حينها سنحتفي بانتصار الثورة وبعيد الأضحى معاً".
من جهته، يتفق الباحث الاجتماعي عثمان الأمين مع السني، مؤكداً لـ "حفريات" أنّ السودانيين لا يمكن أن يتناسوا الحزن العميق على الشهداء الذين قتلوا أثناء الثورة؛ "فأسرهم وأصدقاؤهم لن يحتفلوا بالعيد بطبيعة الحال، هذا علاوة على الأوضاع الاقتصادية الصعبة والغلاء الفاحش، وعدم توافر السيولة النقدِّية وارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام".  

اقرأ أيضاً: الأضحى في تونس: طقس للتواصل والمتعة وطرد الجن والشياطين
ويمضي الأمين موضحاً "سيكون هذا عيداً مختلفاً، لم يشهد السودان مثله في تاريخه، ولربما تحوّلت فعالياته المعتادة إلى حفلات سياسية وندوات فكرِّية وثقافية، وهتافات ثورية، فكثيرون من الشباب يعدّون لذلك منذ الآن".

سوق الماشية

حلّة زاهية وعادات
هذه الأوضاع الاستثنائية غالباً لن تنال من الطقوس التي اعتادها السودانيون منذ مئات السنين في استقبال عيد الأضحى والاحتفاء به؛ فمُبكّراً، ومنذ الأول من ذي الحجة، تشرع الأسر السودانية في توفير مستلزمات عيد الأضحى، وتُشكّل خلايا عمل تُقسِّم المهام بينها؛ فبعض النساء يتولين مهمة الذهاب إلى الأسواق وشراء البهارات والبخور والستائر والملاءات الجديدة، وأخريات يتولّين الشؤون الداخلية، فيُشْرِفْنَ على اختيار ألوان الطلاء الجديد وأعمال النظافة الشاملة، وما إلى ذلك من تجهيزات، مثل شراء ملابس جديدة لهنّ ولأطفالهنّ.

اقرأ أيضاً: الأضحى في غزة: لا مشترين للمواشي ولا شحذ للسكاكين
واعتاد السوداني أن يحتفي بالعيد؛ بالاستيقاظ من نومه قبل صلاة الفجر للتجهيز لصلاة العيد؛ حيثُ يلبس الجميع أثواباً بيضاء جديدة، ويضع كثيرون العمامة على رؤوسهم، يلفونها بعناية فائقة، ويخرجون إلى صلاة العيد التي تؤدَّى في الساحات المكشوفة، لا في المساجد، برفقة أطفالهم.

يذهب كثيرون أنّ فرحة العيد ستظل منقوصة ما لم يتم الاقتصاص من قتلة الثوار

وبعيد انتهاء الصلاة يتبادلون التهاني والتبريكات فيما بينهم، ثم يتجه كلّ واحد منهم إلى منزله لذبح الأضحية؛ ونادراً ما تجد سودانياً لا يضحي، وبعد عملية الذبح و(توضيب) اللحمة، يخرج الرجال مجدداً لزيارة الجيران ريثما يتم إعداد الشواء، وزيارة الجيران والأقارب عادة سودانية متجذرة في الأعياد لا يتخلون عنها أبداً، كما يقدّمون التهاني بمناسبة العيد لكلّ من يقابلونه في الشارع العام.
وتتميز مائدة عيد الأضحى في السودان، بأطباق الشواء والسلطات والشوربة، والكمونية والمرارة والشربوت. أما المرارة؛ فهي خليط من قطع صغيرة من كبد الخروف ورئته وكرشه، تغسل بعناية فائقة، وتتبَّل جيداً، وترشّ بسائل العصارة الصفراوية (المرارة)، والليمون والقليل من الخلّ، وتُؤكل نيئة بمسحوق الفلفل الأحمر الحار المخلوط بزبدة الفول السوداني (الدكوة)، المُذابة في عصير الليمون والمرشوشة على البصل.

الشربوت
أما الكمونية: فتتكون من أجزاء (قِطع) من الكلى والكبد والأمعاء والكرش تُنظَّف وتُتبل، وتُطبخ، أو تُقلى بالزيت، إلى جانب الشواء المعتاد. 
فيما يتعلق بـ (الشربوت)، الذي لا يكاد بيت في شمال ووسط السودان يخلو منه، فيما يقلّ استخدامه في شرق السودان وغربه؛ فهو عبارة عن مشروب محلي (منقوع التمر)؛ حيثُ يتم وضع التمر على الماء المغلي قبل يوم أو اثنين من العيد، مضافاً إليه العديد من البهارات، مثل: القِرفة، والهيل، والزنجبيل، والكمون، وخلافها، ثم يوضع في إناء بلاستيكي، أو غيره، ويغلق جيداً حتى يتخمر الخليط ويطيب مذاقه، ويعتقد أنّه يساعد على هضم الطعام، وعلى الاسترخاء أيضاً.
ولم يكن الشربوت موضع جدل ديني في السودان؛ حيث كان الجميع في شمال ووسط السودان وسكان المُدن في الشرق والغرب يصنعونه ويشربونه؛ نساء ورجالاً وأطفالاً، لكن في حقبة حكم الإخوان، أثيرت حوله العديد من الشبهات، وتمّ تحريمه من قبل بعض الجماعات السلفية المتشددة، إلا أنّ هيئة علماء السودان التابعة لجماعة الإخوان أصدرت فتوى قالت فيها إنّه يظلّ حلالاً طيباً طالما لم يُذهب العقل، فإذا أسكر فهو حرام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية