غرب الجزائر.. شرق المغرب: حكاية عائلة فرّقتها السياسة

الجزائر والمغرب

غرب الجزائر.. شرق المغرب: حكاية عائلة فرّقتها السياسة


04/09/2019

"ماما كيف حال يوسف، ماما، هل أنتم بخير؟!" تصرخ حنان، وهي تُلوّح بيديها لتحية والدتها التي تتواجد خلف السياج الحدودي بمدينة مغنية غرب الجزائر.
مشهد يتكرر كلّ يوم لعائلات في مدينة وجدة، شرق المغرب، اعتادت على الوقوف خلف سياج الحدودي "زوج بغال"؛ أي بغلان، لتبادل التحية مع أقاربهم في الجزائر.

تقول حنان، لـ "حفريات": "هي فقط أمتار قليلة تفصلني عن رؤية عائلتي ولا أستطيع، وإذا أردت رؤيتهم يجب أن أنتقل من وجدة إلى مطار الدار البيضاء وأتكبّد تكلفة الرحلة إلى الجزائر".

احتجاجات للمطالبة بفتح الحدود بين المغرب والجزائر

"أجسادنا في وجدة وقلوبنا في الجزائر"
ترى حنان؛ أنّه من المجحف إغلاق الحدود، مضيفة: "أجسادنا هنا في وجدة وقلوبنا في الجزائر، إنّهم أهلنا، دماؤنا تجري في عروقهم، فبأيّ حقّ يغلقون الحدود، ويحرمون تلك العائلات من زيارة أقاربهم"؟    
حالة حنان لا تختلف كثيراً عن آلاف المواطنين من البلدين، الذين يأملون في أن تنجلي سحابة التوتر المخيمة على العلاقة بين المغرب والجزائر.

اقرأ أيضاً: سجال محتدم بين قدماء المحاربين وجبهة التحرير الجزائرية
ترفض حنان الحديث عن الصراع السياسي بين البلدين، الذي أسفر عن إغلاق الحدود، وتتابع بنبرة محتجّة: "أنا لا أفهم في السياسة، ما أفهمه؛ أنّ خلف السياج توجد والدتي وجدتي وأقاربي، ومن حقّي رؤيتهم".

فاطمة: توفي والدي ولم أره
وتعيش العديد من العائلات الجزائرية والمغربية حالة من الشتات، منذ عام 1975، وكانت السلطات الجزائرية قد طردت ما بين 35 و45 ألف مغربي من ترابها.
وكانت "فاطمة غ" تبلغ 3 أعوام حين طردتها السلطات الجزائرية برفقة والدتها وشقيقها من ولاية بشار الجزائرية.

اقرأ أيضاً: الجزائر ونهاية المرحلة الانتقالية
تقول "فاطمة غ" أستاذة مادة الإنجليزية بمدينة الدار البيضاء: "عانينا كثيراً جراء ذلك الحادث، عجز والدي حينها عن الالتحاق بوالدتي؛ بسبب ظروفه الصحية، وأيضاً كان من الصعب على والدتي تحمّل مسؤوليتنا وحدها".
تضيف "فاطمة غ"، في تصريحها لـ "حفريات": "توفي والدي ولم نره، كان ذلك مؤلماً بالنسبة إلينا".
إغلاق الحدود انعكس سلباً على وضعية السكان في شرق المغرب وغرب الجزائر، وساهم في ارتفاع أرقام البطالة والهجرة غير الشرعية؛ بسبب اعتماد سكان هذه المناطق على الاقتصاد الحدودي.
الحدود بين المغرب والجزائر

مدن مهجورة
الصحفي المغربي المختص في الشأن الجزائري، ميلود بوعمامة، يرى أنّ إغلاق الحدود جعل من مدن كانت نابضة بالحياة وتشهد رواجاً اقتصادياً تتحول إلى مدن مهجورة بسبب الفقر.
بوعمامة أبلغ "حفريات": " كان يجب على الدولة المغربية قبل إغلاق الحدود بين البلدين أن تخلق مشاريع بديلة؛ لأنّ السكان يُعانون من الفقر والبطالة، والحال نفسه في المدن الواقعة غرب الجزائر".
الحراك في الجزائر وفتح الحدود
ويرى الصحفي المغربي أنّ ما يجمع بين المغرب والجزائر "هو ارتباط روحي وعلاقة مصاهرة؛ فنحن أخوة، ونحمل الأسماء نفسها، ولا يُوجد أيّ اختلاف بيننا".

الناشط الجزائري قادر المصطفاوي: نفرح لما يفرح به المغاربة وما يضرّهم يضرنا وتجمعنا معهم العروبة والإسلام والتقاليد

ويضيف ميلود بوعمامة: "لدينا العادات والتقاليد نفسها، وحتى الأهازيج الموسيقية، هناك شبه كبير بين شرق المغرب وغرب الجزائر".
ويعتقد بوعمامة؛ أنّ "الحراك في الجزائر أعطى حرية لبعض المثقفين والنقابيين والإعلاميين الجزائريين للتعبير عن رأيهم في المغرب، وإطلاق حملات، وتوقيع عرائض، ووقفات احتجاجية تُطالب بفتح الحدود".
ويرى المختص في الشأن الجزائري: أنّ "الصراعات السياسية بين البلدين يتجاوزها المثقفون والإعلاميون الجزائريون، وأيضاً الشعب، وخير دليل على ذلك؛ إقبال عدد كبير من السياح الجزائريين على زيارة المغرب".
عودة النقاش
ويُشار إلى أنّ تجدّد النقاش حول ملف فتح الحدود المغربية الجزائرية، بدأ مع تصريحات بعض المرشحين الجزائريين للانتخابات الرئاسية الماضية، وأبرزهم الجنرال السابق، علي غديري، الذي دعا إلى إعادة بناء اتحاد المغرب العربي.
وكان غديري قد تحدث للموقع الجزائري TSA" عربي"، حول ملف إعادة فتح الحدود الجزائرية المغربية، مشيراً إلى "أنّها ليست نقطة جوهرية بقدر ما يتطلب الوضع حالياً إعادة بناء صرح المغرب العربي الكبير، حتى يكون للمنطقة مكانتها وكلمتها بين الأمم".
وانطلقت مسيرات احتجاجية في البلدين، للمطالبة بفتح الحدود، وأعرب مغاربة وجزائريون عن رغبتهم في تجاوز الصراع السياسي بين البلدين.

اقرأ أيضاً: مأزق الحراك والسلطة يشتدّ في الجزائر
ومن جهته، يقول الفاعل الجمعوي الجزائري، قادر المصطفاوي: "نحن الجزائريين نفرح لما يفرح به المغاربة وما يضرّهم يضرنا". 
ويُضيف في حديثه لـ "حفريات": "تجمعنا مع المغاربة العروبة والإسلام والتقاليد، ونُطالب بفتح الحدود بين البلدين".
وكان ملك المغرب، محمد السادس، قد دعا، في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، إلى خلق آلية سياسية للحوار والتشاور بين بلاده وجارتها الجزائر.
عائلات جزائرية ومغربية تطالب بفتح الحدود

خطاب ملك المغرب وردّ الجزائر
وأضاف العاهل المغربي، في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لما يطلق عليه المغرب اسم "المسيرة الخضراء": "الهدف من الآلية المقترحة تحقيق ثلاثة أهداف: طرح القضايا الثنائية العالقة على الطاولة بشفافية ومسؤولية، والتعاون الثنائي بين البلدين في المشاريع الممكنة، إضافة إلى كيفية التنسيق حول بعض القضايا الكبرى المطروحة، كمشاكل الإرهاب والهجرة".

اقرأ أيضاً: الجزائر: أزمة ثقة بين السلطة والمعارضة. من يحاور من؟
وفي المقابل؛ وجّهت الجزائر دعوة مفاجئة إلى اتحاد المغرب العربي، من أجل تنظيم قمة مغاربية في أقرب الآجال على مستوى وزراء الخارجية.
تاريخ التوتر بين المغرب والجزائر
ورغم التأييد والدعم اللذين قدّمهما المغرب لجبهة التحرير الجزائرية، خلال حرب التحرير ضدّ المستعمر الفرنسي، كانت القيادة الجزائرية بعد الاستقلال متخوفة من نوايا المغرب، ومن مطالبته بمنطقتَي بشار وتندوف.
واتهم المغرب فرنسا بمحاباة الجزائر، عقب وضعها الحدود بين البلدين، ونشر المغرب، منتصف عام 1962، قواته في منطقة تقع خارج خطّ الحدود التي حدّدتها فرنسا بين البلدين.
وبين عامَي 1963 و1964؛ تصاعدت وتيرة التوتر بين البلدين، وتطورت إلى مواجهة عسكرية، في تشرين الأول (أكتوبر) 1963، واستمرت الاشتباكات إلى غاية العام 1964، وتدخلت الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي لإيقاف الحرب.

كانت فاطمة تبلغ 3 أعوام حين طردتها السلطات الجزائرية مع والدتها وشقيقها: توفي والدي ولم نره وكان ذلك مؤلماً

وتأزمت العلاقات بين البلدين جراء تنظيم المغرب ما يعرف بــ "المسيرة الخضراء"، عام 1975؛ حيث شارك حوالي 350 ألف شخص في مسيرة إلى مناطق بالصحراء الغربية لتحريرها من المستعمر الإسباني.
وفي عام 1976؛ أعلنت الجزائر دعمها لجبهة البوليساريو، ما أدّى إلى مناوشات عسكرية بين البلدين.
وعام 1991؛ وصلت الجبهة الإسلامية إلى الحكم في الجزائر، وعاشت البلاد ما عُرف بـ "العشرية السوداء"؛ التي قتل فيها أكثر من 100 ألف شخص على مدى عقد من الزمن.
وتراجعت حدّة التوتر بين البلدين، ولم يعد المغرب يرى في الجزائر خصمه، كما نجح المغرب في الحفاظ على أمنه، ومنع انتقال أعمال العنف إلى أراضيه، كما أُغلقت الحدود بين البلدين بعد وقوع تفجيرات في مدينة مراكش المغربية، عام 1994، وهي أول تفجيرات إرهابية تهزّ المغرب، كان فندق "أطلس أسني" بمراكش مسرحاً لها، وفرض الملك الراحل، الحسن الثاني، على الجزائريين التأشيرة لدخول المغرب، وردّت عليه الجزائر بغلق الحدود البرية، واصفة قرار فرض التأشيرة بــ "أحادي الجانب".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية