غلطة ترامب بحق القدس.. كارثة على العالم العربي والولايات المتحدة

غلطة ترامب بحق القدس.. كارثة على العالم العربي والولايات المتحدة


10/12/2017

في كل مرّة يبدو فيها أنَّ دونالد ترامب لا يُمكن أن يتفوَّق على نفسه، يفعل ذلك مرّة أخرى. لقد أعلنَ الآنَ أن إدارته سوف تعترف بالقدس عاصمة لــ"إسرائيل"، مُنقلباً على حَوَالَي سبعة عقود من السياسة الأميركية. وهذه الخطوة سوف يكون لها عدّة تدَاعيات سلبية، من المستحيل التنبؤ بالعديد منها.

تُعَدّ القدس من أهم ما يُسمى بقضايا الوضع النهائي التي تم تأجيلها مِراراً خلال المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية بسبب حساسيتها القصوى. لكن ترامب اختطّ سَبيله في هذا الوضع المعقّد بكل استهتار وطَيش، مُنكبّاً على القضية الأكثر تعقيداً وعاطفية لكل أولئك المرتبطين بفلسطين.
حَتْمًا، القدس هي أهم جانب من جوانب المسألة الفلسطينية برمّتها. فقد كان لها دور محوري في هوية المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين منذ اللحظات التأسيسية لكلتا الديانتين، وأصبحت أكثر من ذلك عندما أصبح الصراع على فلسطين أعْنَف.

هناك سجل أمريكي طويل من الانحياز لصالح "إسرائيل" ولا ينبغي لأحد أن يتوقع العدالة في هذه القضية منهم أو من رئيسهم

وممّا يزيد من حدّة التنافُس على هذه المدينة المقدّسة أنَّ الموقع نفسه -الحرم الشريف بالنسبة إلى المسلمين، وجبل الهيكل بالنسبة إلى اليهود- مقدّس لكليهما. وبسبب طبيعتها المُتَفَجرة، فإنَّ هذه قضية لا يجرؤ أي سياسي فلسطيني، وقِلّة من القادة العرب، على الاستهانة بها.
بالنسبة إلى شخص مثلي، عاشت عائلته في القدس منذ مئات السنين، فإنَّ إعلان ترامب لا يعني فقط أنَّ الولايات المتحدة قد تبنَّت الموقف الإسرائيلي بأنَّ القدس تنتمي حصرياً لـ"إسرائيل". وإنَّما أضفى أيضاً الشرعية بأثر رجعي على استيلاء "إسرائيل" واحتلالها العسكري للقدس الشرقية خلال حرب 1967، وفرضها قوانين تمييزية على مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون هناك. إنَّ الضرر الذي قام به ترامب سوف يكون دائماً: لا يمكن للولايات المتحدة التراجع عن هذا الاعتراف.
يجرّد هذا العمل الولايات المتحدة تماماً من دورها طويل المدى كوسيط، وهو الموقع الذي احتكرته واشنطن لنفسها. وهو ما لن يكون في صالح "خطَّة السلام" البائسة التي كان صهر ترامب جاريد كوشنر يطبخها ويأمل أن يفرضها على الفلسطينيين.

قرار ترامب سيضعف مكانة الولايات المتحدة المتقلّصة بالفعل، ممّا يعقّد العلاقات مع أصحاب الحس السليم في جميع أنحاء العالم

إنَّ إشارات تَحَرُّك ترامب تزدري رأي العالم العربي بأسره. ومهما كان السَنَد الذي يذكره الدكتاتوريون، والملوك العرب للأمريكيين، فإنَّ الشعوب العربية توافق بالإجماع على دعم الموقف الفلسطيني من القدس. وردود فعلهم المُحَتّمة على هذه الخطوة سوف تؤثّر على المصالح الحيوية الأمريكية في كافّة أنحاء المنطقة. وكما قال وزير الدفاع جيمس ماتيس في عام 2013: "لقد دفعتُ ثمن الأمن العسكري كلّ يوم كقائد [للقيادة المركزية] لأنَّ الأمريكيين كان يُنظر إليهم على أنهم منحازون لدعم إسرائيل".
هذا الفَشَل الدبلوماسي الأخير هو مثال آخر للإدارة يُظهِر احتقاراً تاماً لآراء بقيّة العالم. ما مِن بلد واحد يعترفُ بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل". وهناك توافق عالمي على أنَّه إلى أن يتم التوصل إلى تسوية، من غير المشروع الحكم مسبقاً على نتائج المفاوضات أو تحديدها. وقد أكدت الولايات المتحدة رسمياً للفلسطينيين على هذا الأمر عند دعوتهم إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.

إعلان ترامب أضفى الشرعية على استيلاء "إسرائيل" واحتلالها العسكري للقدس الشرقية خلال حرب 1967، وفرضها قوانين تمييزية على الفلسطينيين

مِن دُونِ شك، هناك سجل أمريكي طويل من الانحياز لصالح "إسرائيل"، ولا ينبغي لأحد أن يتوقع العدالة في هذه القضية منهم أو من رئيسهم.
والآنَ، من الصعب أن نرى كيف يمكن التوصُّل إلى اتفاق فلسطيني-إسرائيلي مستدام. إنَّ هذا الأمر، الذي يتوافق تماماً مع سلوك ترامب، هو جرح ذاتي تماماً سوف يتردد لزمن طويل في سجلات الدبلوماسية. وسوف يزيد من إضعاف مكانة الولايات المتحدة المتقلصة بالفعل، ممّا يعقّد العلاقات مع الحلفاء، مع المسلمين والعرب - ومع أصحاب الحس السليم في جميع أنحاء العالم.
لقد جعل ترامب، الذي حذَّره من هذه الخطوة قادة عرب وشرق أوسطيون وأوروبيون، حل الصراع على فلسطين حالياً أصعب بكثير، حتى وإن كان قد جلب الفرح لأصدقائه، وإلى رفاقهم المتطرفين الخطيرين في "إسرائيل". وبعيداً عن الذهاب إلى مرحلة "صفقة القرن"، كما كان يتباهى، يمكن لترامب مع هذه الخطوة الحمقاء أن يُعلِنَ عن هزيمة القرن. إنَّه لَيوم حزين للقانون الدولي، وفلسطين، وكل من يهتمّ بالسلام في الشرق الأوسط.


رشيد الخالدي، أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية في جامعة كولومبيا - عن  الغارديان - نشرت بتاريخ 6 كانون الأول/ديسمبر 2017

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية