غليان داخلي.. تأثير ظاهرة الفساد التنظيمي على شباب جماعة الإخوان المسلمين

غليان داخلي.. تأثير ظاهرة الفساد التنظيمي على شباب جماعة الإخوان المسلمين


20/09/2020

أحمد سلطان

تقوم جماعة الإخوان المسلمين على عدد من الأفكار المؤسِسة التي تُعلي من مفهوم الانقياد والسمع والطاعة لقيادتها التي تصفها الأدبيات التنظيمية بـ”الربانية” و”الراشدة”[1]، ورغم أنها نجحت في الحفاظ على حالة الاصطفاف خلف القيادة في ظل الأزمات الكبرى التي مرت بها أعوام 1948، و1954، و1965 على الترتيب، إلا أنها فشلت في الحفاظ على هذا التماسك التنظيمي خلال السنوات السبع الفائتة.

وساهمت حالة الخلخلة التنظيمية التي أصابت جماعة الإخوان، في نمو بذرة الشقاق بين قياداتها وأعضائها وبروز المشاكل البنيوية التي تعاني منها الحركة، وكان من ثمرة هذا الخلاف أن انشطرت الجماعة بحلول أواخر عام 2015، لجبهتين هما: جبهة القيادات التاريخية (جبهة محمود عزت وإبراهيم منير)، وجبهة القيادات الشبابية (جبهة محمد كمال أو المكتب العام).

وفي ظل احتدام الخلاف بين قيادات الجبهتين تكشفت العديد من وقائع الفساد المالي والإداري[2] داخل “الإخوان”، ويبدو أن ذلك كان في إطار سعي كل منهما لحشد الأتباع وكسب تأييد الأعضاء، عبر الطعن في خصومها، كما لجأت جبهة القيادات التاريخية لاستغلال سيطرتها على الجوانب الإدارية والمالية، لتركيع خصومها عبر ميكانيزمات مختلفة وهو ما أثر في نهاية المطاف على قواعد الإخوان بشكل عام وشبابها بشكل خاص.

 

بروز التباين والانقسام الإخواني

مرت سنوات 2013، و2014 على جماعة الإخوان وهي في حالة انهماك تشغيلي، وسعي لإعادة لملمة أوراقها المبعثرة واستعادة الاتصالات التنظيمية بالقيادة العليا ممثلة في أعضاء مكتب الإرشاد ،  وأسفرت تلك الجهود عن سد الفراغ القيادي الذي خلفته الضربات المركزة التي قامت بها أجهزة الأمن المصرية، وترميم الهيكل الإداري الإخواني على مستوى المحافظات، إضافةً لانتخاب لجنة عليا برئاسة عضو مكتب الإرشاد، آنذاك، محمد كمال، لتتولى إدارة شؤونها كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد (الهيئة التنفيذية العليا).

اعتمدت اللجنة الإدارية العليا خطة عمل مسلح في أغسطس 2014 عُرفت بخطة الإنهاك والإرباك والحسم، وتجسدت تلك الخطة على الأرض في يناير 2015، عندما نفذت حركتي العقاب الثوري والمقاومة الشعبية (التابعة للجان الإخوانية النوعية) عشرات الهجمات الإرهابية في غضون أيام قليلة، مستغلةً حالة الزخم والسيولة الأمنية الذي خلقته مسيرات أنصار الإخوان في الذكرى الرابعة لثورة الـ25 من يناير[3]، غير أن الأجهزة الأمنية المصرية استعادت اليد العليا وتمكنت من استيعاب موجة العنف الجديدة، وإجهاض المخططات العدائية التي كان مقررًا أن تنتهي باستعادة الجماعة لحكم مصر بالقوة المسلحة[4].

في هذه الأثناء، عمدت قيادة الإخوان لعقد جلسات تقييم لأداءها في الفترة من فبراير 2014: فبراير 2015، وظهر الخلاف والتباين بين القيادات لأول مرة، فمحمد سعد عليوة (عضو مكتب الإرشاد، مقبوض عليه حاليا)، أكد أنه لم يكن موافقًا على خطة العمل المسلح، رغم أنه شارك في مناقشاتها وإقرارها، لأنها أدت لتعامل أجهزة الأمن المصرية بصورة أشرس مع عناصر الإخوان، كما رفض جمعة أمين عبد العزيز، نائب المرشد حينئذ، طريقة وآلية عمل اللجنة الإدارية تحت قيادة محمد كمال.

 وفي خضم حالة الانقسام الداخلي، أصدر محمود عزت، القائم بعمل المرشد وقتها، قرارًا بإقالة اللجنة الإدارية العليا، وتشكيل لجنة جديدة برئاسة عضو مكتب الإرشاد المقرب منه محمد عبد الرحمن المرسي، وأيد محمود حسين، أمين عام الإخوان سابقًا والمقيم بتركيا، هذا القرار[5]، بينما أعلن محمد كمال وأنصاره أنهم الممثلين الفعليين لعموم الصف الإخواني، وكانت محصلة هذا الخلاف أن انقسمت المكاتب الإدارية للإخوان إلى قسمين أحدهما مؤيد لجبهة محمد كمال (5 قطاعات جغرافية)، والآخر مؤيد لجبهة محمود عزت (قطاعين جغرافيين فقط).

 

تعامل قيادة الإخوان العليا مع الخلاف

 لجأت قيادات جبهة محمود عزت، المتحكمة فعليا في جماعة الإخوان، لاتباع عدة تكتيكات تنظيمية لحسم الخلاف لصالحها، مستغلةً سيطرتها على مقاليد الأمور ومسارات تمويل الإخوان، ويمكن ملاحظة 5 آليات رئيسية اعتمدتها تلك القيادة لإخضاع معارضيها، هي:

خداع عموم الصف الإخواني، والتلاعب بأعضاء مجلس الشورى العام لتمرير قرارات محمود عزت.

ففي مارس 2016، دعا محمود عزت، أعضاء مجلس الشورى العام المنتخبين (الهيئة التشريعية للجماعة، والمسؤولة عن اختيار المرشد أو القائم بعمله) قبيل الـ30 من يونيو 2013 (أي قبل الإطاحة بالإخوان من الحكم)، للاجتماع للتصويت على تشكيل اللجنة الإدارية العليا، دون أن يوجه الدعوة لمسؤولي المكاتب الإدارية، المحسوبين على جبهة محمد كمال، والذين كانوا أيضًا أعضاءً بمجلس الشورى العام بموجب قرار سابق أصدره “عزت” في الـ16  من مايو 2015، وهو ما ترتب عليه حرمان ثلثي أعضاء مجلس الشورى من الحضور (50 عضوًا فقط حضروا من أصل 150)، كما فرض عليهم أجندة محددة ضمت اختيار اللجنة الإدارية وتشكيل اللجان المساعدة دون إعطائهم فرصة أو خيار.

وانتهى الاجتماع بإقرار اللجنة الإدارية العليا الثانية برئاسة محمد عبد الرحمن المرسي، وتشكيل 4 لجان لاستكمال السيطرة على هياكل الجماعة هي لجان: التربية، الرؤية، التحقيق (مع محمد كمال ومناصريه)، الانتخابات[6].

 

قطع الدعم المالي عن المعارضين

أوقفت قيادة جماعة الإخوان وعلى رأسها محمود عزت الدعم المالي الذي كان يُقدم للمكاتب الإدارية الإخوانية بالمحافظات، كما رفضت إعادة تشكيل لجنة الإعاشة المكلفة برعاية أسر أعضاء الإخوان، رغم أنها بقيت تجمع الاشتراكات الشهرية من أعضائها في الداخل والخارج (يدفع العضو مابين 7: 8% من إجمالي راتبه لصالح الجماعة)، وتوزعها على المكاتب الإدارية الموالية لها.

واتخذت هذه الخطوة منحنيًا تدريجيًا، بدأ بتخفيض الحصة الشهرية المقررة لحوالي 40% فقط، وتأخير صرفها عن طريق المندوبين المحددين حتى منتصف الشهر التالي، وهو ما أثر بالسلب على الأعضاء المستحقين للإعانة الشهرية[7]، في حين تم الانفاق ببذخ على المكاتب الإدارية الموالية لجبهة عزت وإعطائها حصة تفوق ما هو مقرر لها شهريًا، إضافة لمكافئة أعضائها بطرق عديدة منها السفر والرحلات والاستضافة في أفخم الفنادق[8].

 

الضغط على الشباب المطلوبين أمنيًا

اتبعت القيادة العليا أسلوبًا براجماتيًا في التعامل مع شبابها، ففي حين كفلت واحتوت الشباب المؤيدين لها، عمدت لاتباع أسلوب الضغط على مخالفيها في الملاذات التي لجئوا لها خارج مصر كالسودان وتركيا.

ورفضت القيادات الاستماع لمقترحات شباب الإخوان حول الأزمة الداخلية، كما عمدت لطرد المخالفين لها من الشقق السكنية التي تستأجرها وقطع الراتب الشهري الذي كان يدفع لهم، وسحب جوزات سفرهم الخاصة، والتجسس عليهم عبر تجنيد جواسيس في مقرات إقاماتهم، إضافة للتعدي على بعضهم بالسب والضرب، وتعزيزهم بفرض غرامات مالية كبيرة، فضلًا عن إبلاغ الأجهزة الأمنية في دول الملاذات عنهم[9]، وبالنظر لأن هؤلاء الشباب كانوا مطلوبين للأجهزة الأمنية في مصر لتورطهم في أعمال العنف، فلم يكن أمامهم سوى الإذعان الاضطراري للقيادات لتجنب تهمة “شق الصف” والتي يعقبها الطرد، أو الانشقاق عن الجماعة والبحث عن أي عمل لكسب قوتهم[10].

 

الاغتيال المعنوي للمخالفين

في إطار حملة الضغط على شباب الإخوان، اعتمدت القيادات أسلوب الاغتيال المعنوي وهو أسلوب “قديم–  جديد” في التعامل مع المعارضين داخل الإخوان، عبر الترويج للشائعات ضدهم واتهامهم بشق الصف[11]، والتطاول على القائم بعمل المرشد، والقيادات المسؤولة، والانحراف الأخلاقي والذي يشمل قائمة اتهامات من ضمنها: تدخين السجائر وتعاطي المخدرات، والزنا.. إلخ[12]، وتشبيه الخارجين من ثوب الإخوان والمنشقين بـ”الخبث” الذي يُنفى عن دعوة الإخوان، والشوائب التي تُزال بنيران المحنة.

 

احتواء المؤيدين

في المقابل، حرصت قيادات الإخوان على احتواء العناصر الموالية لها بوسائل مختلفة، منها منح الإعانات والمكافأت المالية، وتدعيم أُطر العلاقة معهم بالحفاظ على لقاءات الأسر الأسبوعية، وتنظيم الرحلات الترفيهية في مناسبات عدة.. إلخ[13]، إضافة لفرض مناهج تربوية[14] على الأسر الإخوانية تشمل التأكيد على مسائل التمسك بالبيعة، والسمع والطاعة والاستمساك بالقيادة وعدم شق الصف، والتأكيد على معاني فقه المحنة وعدم استمراء البلاء[15].

كما عملت لجنة الرؤية التابعة للقيادة العليا على تنظيم جلسات مع أعضاء المكاتب الإدارية والشباب الغاضبين بالمحافظات، واحتوائهم عبر شرح الرؤية التي تنتهجها جبهة محمود عزت، وإقناعهم بأنها صواب تمامًا[16].

 

أعضاء الإخوان وفاتورة الخلاف التنظيمي

دفعت القواعد الإخوانية التنظيمية وعلى رأسها الشباب الجزء الأكبر من فاتورة الخلاف الداخلي،  في ظل إصرار القيادات على التماسك بمناصبها ورفضها اتخاذ أي خطوة في سبيل حل الأزمة، حفاظًا على أوضاعها، وتمييزها بين الأعضاء في ملف الإعاشة[17].

وساهمت العوامل السابقة إضافة لتَكشُف وقائع فساد عديدة، في خلق حالة من التململ والغضب الداخلي الذي ظهر بشكل واضح بعد أن كان مكبوتًا لفترة طويلة، وأثر ذلك على التماسك التنظيمي للحركة بشكل كبير (حوالي 70% من أعضاء الإخوان تأثروا سلبًا، على المستويين التنظيمي والنفسي، بوقائع الفساد المالي والإداري)[18].

وكان انعكاس ذلك على أعضاء الإخوان متباينا بصورة نسبية، إذ انفصلت جبهة محمد كمال بشكل هيكلي عن جبهة محمود عزت وأعلنت تشكيل جماعة موازية باسم (جماعة الإخوان المسلمين- المكتب العام)، وانضم لها مكتب إدارة الأزمة بالخارج (تركيا)، كما انتخبت مكتب إرشاد جديد، وهيئة تأسيسية (بدلًا لمجلس الشورى العام)، وسعت للحصول على تمويل منفصل عبر دولة قطر[19]، إضافة لتبرعات واشتراكات أعضائها مع إقامة أنشطة تجارية ودورات تدريبية لجني الأموال غير أنها لم تستطع أن توفر التمويل اللازم للاستمرار في العمل بفاعلية كبيرة[20]، بينما بقيت جبهة محمود عزت تتحكم في الجزء الأكبر من أموال الجماعة ومقدراتها التنظيمية.

حيث أدت تلك الوقائع لتأثيرات تنظيمية أخرى، كان من أبرزها:

الانشقاقات

أعلن عدد من شباب الإخوان مفارقتهم للجماعة، لاسيما “إخوان السجون” الذين أطلقوا مبادرات، بشكل منفصل وقالوا إنها تمثل نحو 90% من المعتقلين، للتصالح مع الدولة المصرية ودفع تعويضات وتبرعات لدعم الاقتصاد الوطني مقابل الإفراج عنهم[21].

ويبرر أحد شباب الإخوان، خارج السجون، انشقاقه عنها بقوله: “إن الجماعة صارت كالصنم الذي تسعى القيادات للحفاظ على قدسيته لتستمر القرابين من أجله، ويضمنوا مكانتهم ومصالحهم في ظل وجوده”، مضيفًا أنه اختلف مع مسؤول الشعبة التابع لها حول أداء القيادات وتوريطهم للإخوان في صراع صفري مع الدولة المصرية وكان ذلك سببًا في مقاطعة أعضاء أسرته الإخوانية السابقة له، واستبعاده من الوظيفة التي كان مرشح لها داخل إحدى الشركات المملوكة للإخوان، لصالح أعضاء غير تنظيمين من الأساس[22].

 

تجميد العضوية

 لجأ بعض الأعضاء لتجميد عضويتهم من طرف واحد، دون إعلان الانشقاق الكامل عنها، وذلك بعدم الالتزام في حضور اللقاءات التنظيمية، أو المشاركة في الفاعليات الإخوانية مع التعذر بالضرورات الأمنية، أو الانشغال الحياتي.. إلخ[23].

ولعل الدافع الرئيس لتجميد العضوية، هو اليأس والسخط على ممارسات القيادة الحالية، مع عدم وجود أفق ينبئ باحتمالية حدوث تغيير جذري فيها، خلال الفترة الراهنة.

 

المراجعات الفكرية

مثلت السنوات السبع الماضية وما تخللها من فشل استراتيجي لجماعة الإخوان، فرصة مواتية لطرح فكرة المراجعات الفكرية ضمن إطار النقد الذاتي للحركة، ولعل الصدى الأبرز لتلك المراجعات كان في السجون، رغم أنه بقي محدودًا في أُطر ومجموعات ضيقة، بسبب رد الفعل القاسي الذي تبديه القيادات المسؤولة عن السجون تجاه من يطرح تلك الأفكار والتي تشمل المقاطعة والعزل والاتهام بالانحراف المنهجي والتضييق على المسجونين وعدم مشاركتهم في الطعام والشراب.. إلخ[24] ، وفي نفس التوقيت بقيت حركة المراجعات خارج السجون ضعيفة نسبيًا رغم أن بعض الشباب والأخوات اقترحوا اعتزال العمل السياسي بشكل كامل باعتباره أضاع الجماعة، والتركيز على الجانب الدعوي[25].

بينما طرحت جبهة المكتب العام مراجعة لاستراتيجيات وتكتيكات الإخوان، دون مراجعة الأفكار، تحت اسم “رؤية 28.. جماعة الإخوان المسلمين” ومن التي كان من أبرز توصياتها التمسك بفكرة العمل المسلح، وتعديل اللائحة الداخلية للجماعة (تشمل تقليل أعضاء عدد أعضاء مكتب الإرشاد، ومجلس الشورى العام وعمل انتخابات شاملة لاختيار القيادات التنظيمية)، وتشكيل لجان مختصة لإعادة إحياء التراث الإخواني ضمن مرتكزاته الفكرية الأصيلة[26].

وحتى الآن، لم تلق مبادرات المراجعات الفكرية تجاوبًا رسميًا من الدولة المصرية، ولعل ذلك يرجع لعدم ثقتها في المراجعات الإخوانية والقائمين عليها، وإدراكها أنها قد لا تكون مراجعات حقيقية بل مجرد مناورة وقتية للخروج من السجون أو تحقيق مكاسب أخرى.

 

الانتحار

يعد الانتحار تعبيرًا مأسويًا عن مبدأ الكفر بالعيش في ظلال الإخوان، باعتباره أحد أهم العوامل التي أدت بالشباب لهذا المنحدر، وربما كشفت تدوينة الشاب المصري عمر مجدي حول انتحار 3 من شباب الجماعة بسبب سوء أوضاعهم المادية والنفسية عن قمة جبل الجليد فحسب، خاصةً أنها أشارت إلى ظاهرة الفساد المالي والإداري داخل الحركة التي كانت تنفق في نفس التوقيت 50 ألف دولار لإقامة مخيم تحت لمدة 3 أيام تحت إشراف القيادات[27].

 

فقدان الحماس بالعمل التنظيمي

بالنسبة لقطاعات واسعة من شباب الإخوان المؤيدة لجبهة محمود عزت، لم يعد للعمل داخل الجماعة نفس البريق الذي كان قبل سنوات، وانعكس ذلك على مدى الالتزام بحضور الفاعليات والمشاركة في اللقاءات الدورية التي تعقدها الأسر والشعب الإخوانية.

وتلمح عضوة بإحدى شعب الإخوات بقطاع غرب الدلتا إلى تراجع ظاهرة الالتزام التنظيمي بنسبة تصل لـ66% ضمن نطاقها الجغرافي، موضحةً أن هناك شعبة أو اثنتين فقط بقيتا ملتزمتين وهم الشعبتين الأكثر ارتباطًا بالقيادة، في حين تراجع الالتزام بشكل واضح في 4 شعب أخرى ووصل الأمر لعدم حضور لقاءات الأسر التي يفترض بها أن تكون أسبوعية لفترات طويلة تمتد لعدة أشهر، وعدم الاهتمام بمراجعة المنهج التربوي المقرر عند تلقي تكليفات بذلك[28].

 

خاتمة

ألقت ظاهرة الفساد التنظيمي بشقيه المالي والإداري بظلال ثقيلة على جماعة الإخوان التي تعيش واحدة من أسوأ فتراتها على الإطلاق، وتسببت في تنامي حالة الغليان والتوتر الداخلي في أوساط أعضائها وشبابها، وفقدان قطاعات كبيرة منهم الإيمان بفكرة العمل داخلها، أو جدوى الاستراتيجيات والتكتيكات التي تتبعها.

وتسببت تلك الوقائع في انهيار النموذج الإخواني المثالي الذي كان حلمًا غائمًا يداعب مخيال عموم الصف الإخواني على مدار 92 عامًا، منذ التأسيس الأول على يد حسن البنا، وأدت لانعكاسات غير مسبوقة على مستوى الحركة داخل وخارج مصر.

وفشلت قيادة الإخوان العليا في احتواء الغضب الداخلي لقواعدها التنظيمية، مع أنها اتبعت مقاربة براجماتية تسكينية  لنفي تلك الوقائع، والطعن في كاشفيها عبر اللجان الإلكترونية التي يديرها أعضاء في الجماعة بتنسيق مباشر مع إبراهيم منير، ومحمود حسين (الأمين العام سابقًا، وعضو لجنة إدارة الإخوان حاليا).

ومع أن وقائع الفساد المالي والإداري أدت لأكبر انقسام هيكلي في تاريخ الإخوان، وتشكيل جماعتين متوازيتين تدعي كل منهما أنها التجسيد الحقيقي لفكر الجماعة، إلا أنه من غير المتوقع أن تؤدي لانشقاقات واسعة داخل جبهة القيادات التاريخية (محمود عزت)، التي تتحكم فعليًا في نحو 80% من الإخوان، لأن طبيعة الأعضاء المنتمين لها وسياقاتهم الاجتماعية والتنظيمية تحول بينهم وبين الإقدام على تلك الخطوة، كما أن بعضهم يسعى للحفاظ على مصالحه الذاتية عبر تقديم فروض الطاعة والولاء للقيادة العليا.

وتسعى القيادة العليا الجديدة ممثلة في لجنة إدارة الإخوان برئاسة إبراهيم منير (المسؤول الأول حاليا)، للحفاظ على التماسك التنظيمي للحركة، وإظهار أنها تنطلق من نفس الرؤى والأفكار والقناعات دون أي تباين بينها، وتسعى للم الشمل الإخواني واتخاذ خطوات عملية في هذا الصدد، لكن من المستبعد أن تسعى للتوحد والاندماج مع جبهة المكتب العام (محمد كمال)، لاسيما مع حالة الحرب الكلامية التي نشبت بين الطرفين على خلفية القبض على القائم بعمل المرشد محمود عزت.

وعلى ما يبدو فستظل الأزمة المركبة التي تعشيها جماعة الإخوان، منذ سنوات، موجودة حتى إشعار آخر في ظل عدم وجود أي أفق يلوح لحلها، لكن القيادة العليا ستسعى للقفز عليها بين الحين والحين، عبر تحشيد الأعضاء للصدام مع الدولة المصرية، باعتباره الكارت الوحيد والأخير الذي لم يفقد زخمه وفاعليته خلال السنوات الماضية، بسبب طغيان فكرة الثأر والانتقام وسيطرتها على العقل الاستراتيجي للإخوان.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية