فتحات التهريب: حلم الفلسطينيين بالترفيه داخل إسرائيل

فتحات التهريب: حلم الفلسطينيين بالترفيه داخل إسرائيل


26/08/2021

لم يتردّد المواطن مصطفى جبارة (45 عاماً)، برفقة اثنين من أبنائه، من المخاطرة بحياتهم للوصول إلى مدينة يافا في الداخل الفلسطيني المحتلّ، لقضاء إجازته والتمتّع برؤية المدينة التي حرم من زيارتها منذ ما يزيد عن 10 أعوام، بسبب رفض الجانب الإسرائيلي منحه تصريحاً للدخول إلى إسرائيل، الأمر الذي دفعه للجوء إلى إحدى الثغرات التي قام عمّال فلسطينيون بفتحها في الجدار الفاصل في منطقة قلقيلية، لتحقيق حلمه بالتنزه والاستجمام في داخل الأراضي المحتلة.

وأكّد "وصلت إلى مدينة يافا بعد مغادرتي عبر إحدى الفتحات، والتي لا يتجاوز قطرها متراً واحداً، وذلك أمام أعين مجموعة من قوات الجيش الإسرائيلي، والتي كانت تقف على مقربة من هذه الثغرات، إلا أنّهم لم يحركوا ساكناً لمنعي من الخروج والوصول إلى الجهة المقابلة من الجدار؛ حيث تمّ استقلال الحافلة التي ستنقلني وأبنائي إلى داخل الأراضي المحتلة، في رحلة مميزة لم تستغرق سوى ساعات قليلة، ودون أيّ اعتراض يذكَر".

إسرائيل لا تكترث

يقول جبارة لـ "حفريات": "لم تعد هناك أيّة مشكلة لأيّ فلسطيني للذهاب إلى الأراضي المحتلة، بفضل تلك الثغرات والفتحات، التي تنتشر في مناطق واسعة من الضفة، والتي شهدت خروج أعداد مهولة من الفلسطينيين، الذين كانوا يرغبون في قضاء إجازاتهم في مدينة عكا وحيفا ويافا وتل أبيب، أو الوصول إلى عدد من أقربائهم، دون الحاجة إلى اللجوء لشركات السياحة المحلية، والتي تتميز بارتفاع تكاليف السفر من خلالها".

ثغرات وفتحات تنتشر في مناطق واسعة من الضفة

وبيّن أنّ "الجيش الإسرائيلي يتعامل في كثير من الأحيان بمزاجية كبيرة مع الفلسطينيين، الذين يرغبون في تجاوز هذه الفتحات للتوجّه نحو المدن الفلسطينية المحتلة، وخلال أوقات معينة يقوم الجيش بإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع، والأعيرة النارية المباشرة صوب المواطنين، تحديداً على فئة العمال، والذين يتّخذون من تلك الثغرات وسيلة للبحث عن فرص عمل في إسرائيل، لعدم حصولهم على تصاريح قانونية للعمل فيها، بينما تشهد فترة الأعياد الفلسطينية حالة من عدم الاكتراث الإسرائيلي بمنع الفلسطينيين من الدخول للمدن الساحلية".

وتابع جبارة: "أنا محظوظ لتمكّني وأبنائي من رؤية العديد من القرى والمناطق التي هجر منها الآباء والأجداد خلال النكبة الفلسطينية، وسأعيد الكرة مجدداً لزيارة تلك الأماكن وغيرها في المستقبل القريب، طالما بقيت تلك الثغرات والفتحات موجودة، في ظلّ التعنّت الإسرائيلي بمنعي من الحصول على التصاريح اللازمة لزيارتها بشكل قانونيّ".

ثقافة السياحة الداخلية لدى الفلسطينيين تكاد تكون معدومة، ويرجع ذلك لقلة الأماكن السياحية المحلية، واقتصارها على مناطق محددة، كأريحا، والتي تشتهر بسياحة الشاليهات

وبدأت سلطات الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري، في 23 حزيران (يونيو) 2002، في عهد رئيس الوزراء الأسبق، أرئيل شارون، وبلغت تكلفته نحو 3.4 مليارات دولار أمريكي، ويبلغ طول الجدار في الضفة الغربية المحتلة 770 كيلومتراً، بينها نحو 142 كيلومتراً في الجزء المحيط بالقدس، كما يبلغ ارتفاع الجدار ثمانية أمتار، ويقضم وحده ما يقدَّر بـ 733 كيلومتراً مربعاً من أراضي الضفة، أي ما نسبته 13% من مساحتها.

وخلال عام 2004، اتخذت محكمة العدل الدولية، التابعة للأمم المتحدة، قراراً استشارياً يقضي بإدانة وتجريم الجدار، ومنذ 72 عاماً، ترفض إسرائيل، تنفيذ القرارات الدولية التي تدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين، لديارهم التي هُجّروا منها قسراً، على يد المنظمات الصهيونية المسلّحة عام 1948. 

ومنذ تفشّي جائحة كورونا واتّخاذ السلطة الفلسطينية من جهة، وسلطات الاحتلال من جهة أخرى، إجراءات تهدف للحدّ من انتشار الفايروس، من بينها الإغلاق المتقطع للحواجز الفاصلة بين الضفة والخطّ الأخضر، عكف العمال الفلسطينيون على إحداث فتحات في السياج العازل للوصول إلى مناطق عملهم داخل الخطّ الأخضر، وسط تجاهل من قبل الاحتلال.

وتطوّر الأمر وزادت عدد الفتحات، بشكل خاصّ شمال الضفة الغربية، ومع حلول عيد الأضحى، صارت هذه الفتحات ملاذاً لعشرات آلاف الفلسطينيين في العبور إلى الساحل الفلسطيني المحتلّ والتنزّه هناك، وقد تطوّر الأمر لتستغلّ شركات سياحة وسفر رسمية هذه الفتحات في رحلات مدفوعة الأجر دون الحاجة إلى تصاريح عبور.

هل هي رافعة للاقتصاد الإسرائيلي؟

وقلّل أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، د. بكر شتية، خلال حديثه لـ "حفريات"، إنّ "تشكّل الثغرات في الجدار الفاصل، والتي يستغلها عدد من الفلسطينيين للوصول إلى المدن الساحلية في الداخل المحتلّ للاستجمام والترفيه، رافعة للاقتصاد الإسرائيلي"، مبيناً إلى أنّه "مهما بلغ حجم الإنفاق، الذي اقتصر إلى حدّ ما على وسائل النقل الإسرائيلية، والتي عمدت إلى نقل الفلسطينيين، فهو لن يشكّل رافعة للاقتصاد الإسرائيلي في ظلّ حجم مشتريات فلسطينيّ متواضع".

وبيّن شتية؛ أنّه "لا توجد إحصائيات رسمية لأعداد الفلسطينيين، الذين غادروا الضفة الغربية نحو الداخل المحتل عبر الفتحات في الجدار الفاصل والمنتشرة في مناطق واسعة من الضفة خلال الفترة الأخيرة، إلا أنّ هذه الثغرات من شأنها التأثير على السياحة الداخلية في داخل المدن الفلسطينية، بعد أن ساهمت أزمة كورونا وإغلاق المعابر في إنفاق العديد من الفلسطينيين ملايين الدولارات على السياحة الداخلية الطبيعية والدينية والأثرية، بعد أن كان يتمّ إنفاقها سابقاً في دول سياحية أخرى، كالأردن وتركيا".

مواطن فلسطيني يروي لـ"حفريات": وصلت إلى مدينة يافا بعد مغادرتي عبر إحدى الفتحات، والتي لا يتجاوز قطرها متراً واحداً، وذلك أمام أعين قوات الجيش الإسرائيلي

وأكّد الأكاديمي الفلسطيني؛ أنّ "تشجيع الإنفاق على السياحة الداخلية من شأنه التخلّص من ظاهرة التسرّب الماليّ ودفع عجلة الاقتصاد الفلسطيني نحو الأمام"، مشيراً إلى "ضرورة تشكيل لجنة فلسطينية فلسطينية مشتركة من الضفة والداخل المحتلّ، ووضع خطط ممنهجة ومدروسة لتوجيه السياحة الفلسطينية في هذه المناطق نحو المواقع الأثرية الفلسطينية، وكذلك نحو الإقامة بالفنادق التي يملكها فلسطينيون وليس إسرائيليين".

قلّة الأماكن السياحية المحلية

 من جهته، أكّد رئيس جمعية السياحة الوافدة في الأراضي المقدسة، طوني خشرم، أنّ "هناك أبعاداً مختلفة لتغاضي السلطات الإسرائيلية عن لجوء مجموعات من الفلسطينيين بالضفة الغربية للثغرات والفتحات بالجدار العازل للوصول إلى الداخل الفلسطيني المحتلّ، ومن بينها هو رغبة الجانب الإسرائيلي في تسويق منتجاته وبضائعه، وتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية".

 طوني خشرم

ويضيف خشرم، لـ "حفريات": "عدم لجوء الأشخاص الراغبين بالسفر إلى المناطق السياحية في الأراضي المحتلة، عام 1948، من خلال شركات السياحة المحلية، وتفضيلهم للجوء إلى الثغرات والفتحات في الجدار، يعود لأسباب متنوعة، من بينها ضعف الأسلوب التسويقي والخدماتي، الذي تقدمه هذه الشركات لزبائنها، على الرّغم من امتلاكها لأنظمة المعلومات الرقمية، التي من شانها تزويد السائحين المحليين بالمعلومات الكاملة عن المناطق المراد زيارتها".

وتابع بأنّ "اللجوء للسياحة عبر الخروج من الضفة الغربية بواسطة هذه الفتحات، من شأنه التأثير على القطاع السياحيّ الفلسطينيّ، الذي يعاني من أزمات كبيرة بفعل تداعيات فايروس كورونا، وأيضاً في ظلّ غياب الدعم الرسميّ الحكوميّ لهذا القطاع المهمّ، والذي أثّر أيضاً بالسلب على القطاعات المرتبطة بالسياحة؛ كالفنادق والمطاعم ومحال بيع الهدايا والتحف وغيرها".

وبيّن خشرم أنّ "ثقافة السياحة الداخلية لدى الفلسطينيين تكاد تكون معدومة، ويرجع ذلك لقلة الأماكن السياحية المحلية، واقتصارها على مناطق محددة، كأريحا، والتي تشتهر بسياحة الشاليهات، غالباً ما تكون مقتصرة على المقتدرين مالياً فقط، إضافة إلى عدم اهتمام وزارة السياحة الفلسطينية بالترويج للسياحة الداخلية في المواسم المهمّة، كالأعياد وغيرها، على غرار ما تحرص عليه الجهات الرسمية الإسرائيلية واهتمامها للترويج السياحي في الأعياد اليهودية، وهو ما يقلّل فرص اهتمام العديد من الفلسطينيين من التوجّه نحو السياحة المحلية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية