فتوى لإنقاذ المرأة من السواد

فتوى لإنقاذ المرأة من السواد


18/02/2018

د.سالم حميد

كشفت ردود الأفعال المتوترة تجاه فتوى بعدم إلزامية لبس المرأة للعباءة عن مدى ضيق الأفق لدى البعض تجاه قيمة المرأة في المجتمع، فعندما يتم وضع الأنثى في خانة لا تتعدى مراقبة وتقييم لبسها وسلوكها ومدى ملاءمة عباءتها للموروث، فإن في ذلك انتقاصاً من دورها وكينونتها ووجودها الإنساني الموازي للرجل.

وعندما نلاحظ رد الفعل الجماعي من قبل فقهاء الظلام والتطرف تجاه مثل هذه المسائل الفرعية، نكتشف حجم تغلغل المتشددين ومدى تأثيرهم السلبي في تأخير أي اجتهاد يهدف إلى إصلاح الخطاب الديني الإسلامي ومراجعة مناهج التعليم وتجفيف منابع التطرف والغلو، كما يؤدي تضخيم الجدل حول مثل هذه الأمور الهامشية إلى تعطيل مبدأ تحديد الأولويات والتحديات الأكثر أهمية المرتبطة بمنطقتنا في هذا العصر.

وما يزال بوسع رجال الدين المستنيرين تحريك المياه الراكدة في عالمنا العربي للإسهام في تنوير عامة الناس وإحداث نقلة تخدم التنمية، وتؤدي إلى استثمار طاقات المرأة والرجل معاً من أجل مستقبل يشترك فيه الجميع لتحقيق المزيد من التكامل والنهوض، هذه الفاعلية المؤثرة للخطاب الديني في مجتمعاتنا تمثل كذلك سلاحاً ذا حدين، فهناك من يستخدم الدين لتكبيل جهود الإنسان والانتقاص من قدر المرأة ونشر التطرف والجمود، وهناك من يسعى لجعل الخطاب الديني منطلقاً للتسامح والاستنارة وتحفيز العقول والنظر بعقلانية وإيجابية للنصف الآخر من الحياة.
يضاف إلى فاعلية الخطاب الديني تأثير التقاليد، وبخاصة أن الكثير من المجتمعات والشعوب تخلط بين التقاليد المتوارثة من جهة وبين الطقوس والتعاليم الدينية من جهة أخرى. كما أن بعض العادات تكتسب مع مرور الزمن مسحة دينية تجعلها تندرج ضمن المقدسات والمحرمات، بينما تكون جذورها مرتبطة بممارسات وعادات اجتماعية لا صلة لها بالدين واشتراطاته الشرعية، ومثال ذلك الأزياء والملابس النسائية، وعلى رأسها العباءة السوداء التي اشتهرت بها المرأة في منطقة الخليج، وهذه هي الخلفية التي أسس عليها الدكتور عبد الله المطلق عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية فتوى أطلقها بهذا الشأن، ولم تعجب المتطرفين وأثارت الجدل في أوساط من يخلطون بين العادات وبين الاشتراطات الفقهية المتعلقة بحشمة المرأة وفقاً للشريعة الإسلامية السمحاء، التي لم تفرض على المرأة المسلمة ارتداء الملابس السوداء حصرياً. وهذا ما لم يعجب المتشددين الذين يصرون على إضفاء مسحة مقدسة على العادات غير الإلزامية وعلى الأزياء وفي مقدمتها العباءة!

الجدل الذي امتد إلى مواقع التواصل الاجتماعي ركز على فتوى عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي الدكتور عبدالله المطلق، الذي أكد عدم وجود ما يلزم المرأة بالعباءة، وجاءت فتوى المطلق المستنيرة في سياق رده على سؤال مواطنة سعودية عن حكم عباءة الكتف، ضمن برنامج إذاعي، وخلال ذلك استشهد المطلق في فتواه بعدم إلزامية العباءة بقوله إن أكثر من 90% من النساء الملتزمات في العالم الإسلامي ليس عليهن عباءات ولا يعرفنها، ونحن نراهن في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهن نساء مسلمات، فيهن حافظات للقرآن وداعيات إلى الله، لكن ليس عليهن عباءات، ولهذا فلا نلزم النساء بالعباءات لأن المقصود هو الستر.

وفي بيان توضيحي آخر بعد الجدل الذي ثار حول الفتوى، أكد المطلق للمرة الثانية أن القصد من فتواه عدم إلزام جميع النساء المسلمات الملتزمات في العالم بلبس العباءة طالما أنهن يلبسن ما لا يخالف شروط الحجاب الشرعي، وأن كل لباس يحصل به الستر وتتوفر فيه الشروط الشرعية هو لباس مقبول. وعاد الشيخ في توضيحه إلى التأكيد على أنه لا ينبغي إلزام جميع نساء المسلمين في جميع العالم بمختلف بلدانه واختلاف مذاهبه بلبس ما تعارف عليه مجتمع ما من أنواع العباءات على أنه اللباس الإسلامي دون غيره، فلكل مجتمع خصوصيته..

وختاماً، إذا كان المتطرفون يمتلكون الكثير من الوقت والجهد للدخول في جدل بيزنطي لا نهائي حول قضايا ثانوية، فلا ينبغي الانسياق معهم لتضييع الوقت، بقدر ما يمكن اعتبار ضجيجهم مؤشراً لبذل المزيد من الجهود لتنقية مناهج ومؤسسات التعليم من خطاب التطرف وممثليه.

عن"الاتحاد"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية