فرنسا... عودة الذّئاب الرماديّة على وقع الخلاف مع أردوغان

فرنسا... عودة الذّئاب الرماديّة على وقع الخلاف مع أردوغان


07/04/2021

أحمد نظيف

في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعلن وزير وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أن مجلس الوزراء اتخذ قراراً بحظر حركة "الذئاب الرمادية" التركية القومية بتهم تتعلق بالتشجيع على الكراهية والتمييز والمشاركة في أعمال عنف. لكن قرار الحلّ لم يكن واقعياً أبداً، لأن الحركة ليست جمعية مسجلة رسمياً كي يتم حلها، كما ليست منظمة دولية معترفاً بها، فهي أقرب للميليشيا ذات التنظيم السري العقائدي، لا نرى منها على السطح إلا أعمال العنف والتظاهر التي ينفذها عناصرها في الشوارع رافعين إصبع السبابة والبنصر، بينما تكون الأصابع الأخرى منحنية باتجاه مقدمة اليد لترمز إلى رأس الذئب.

هذه المنظمة المسلحة التي تأسست في ثلاثينات القرن الماضي للدفاع عن القومية التركية، ثم تطورت لاحقاً لتصبح منظمة إجرامية، تُعرف رسمياً باسم "المنزل المثالي"، وقد استخدمتها الحكومات التركية في الحرب ضد الشيوعية والحركات الانفصالية. وإيماناً منها بأيديولوجيتها الأصلية، فقد تمكنت "الذئاب" من التطور للتكيف مع التطورات في تركيا ومشاريعها التوسعية. وقد تأسس في أوروبا العديد من الفروع بفضل شبكاتها والشتات التركي، وأصبحت تلعب دوراً رئيسياً كرافعة للقوة التركية وجزءاً من السياسة الخارجية للرئيس أردوغان بعد تحالفه مع الحركة القومية.

وبعد سبات شتوي دام شهوراً عديدة، عادت الحركة التركية المتطرفة للظهور مجدداً بعدما مارس عناصرها هوايتهم المفضلة بالهجوم على تجمع للمعارضة التركية في مدينة ليون جنوباً في الثالث من نيسان (أبريل) الحالي، فقد هاجم عشرون شخصاً مقراً لجمعية كردية في ليون. ونقل أربعة أشخاص إلى المستشفى بعد تعرضهم للضرب بمضارب البيسبول والقضبان الحديدية. وتشير الأقلية الكردية بأصابع الاتهام إلى جماعة "الذئاب الرمادية"، فيما كشفت جريدة "لوجورنال دي ديمانش" في تقرير لها في شباط (فبراير) الماضي نقلاً عن مصدر استخباري فرنسي أن الفرع الفرنسي لـ"الذئاب الرمادية" "يواصل الاجتماع والتشاور، وبخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أنه من  الواضح، في نظر الاستخبارات الفرنسية، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يعرف كيف "يتلاعب بها من خلال تبني علامتها المميزة لتأكيد دعمها". وبحسب المصادر نفسها، فإن "الذئاب الرمادية" تحافظ على صلاتها مع كل من المافيا التركية ومع أجهزة الاستخبارات التركية التي تستخدم خدماتها في "الأعمال القذرة" ضد الأكراد والأرمن.

ويبدو تقدير الاستخبارات الفرنسية مصيباً إلى حد بعيد. فعناصر الفرع الفرنسي للجماعة التركية المتطرفة يتحركون وفقاً لوضع العلاقات بين أنقرة وباريس، بعد نزول نحو 250 شخصاً، يعتقد أن أغلبهم ينتمي الى الحركة في مدينة ديسين - شاربيو قرب ليون، شرق البلاد، الى الشوارع ومهاجمة مواطنين من أصول أرمنية، بسبب النزاع في إقليم ناغورني كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان التي تدعمها تركيا، ما أدى إلى سقوط العديد من الجرحى. كما كتبت عبارة "الذئاب الرمادية" على نصب تكريمي لضحايا الإبادة الأرمنية والمركز الوطني للذاكرة الأرمنية.

وكذلك في أعقاب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين خريف العام الماضي والتي وصلت فيها الحرب الكلامية بين أردوغان وماكرون إلى حد تبادل الشتائم عبر وسائل الإعلام. وقد عزز هذا الخلاف الموقف الفرنسي من الصراع الأرميني الأذري وشجب باريس التدخل العسكري التركي المباشر. لكن الهدوء الذي طبع العلاقات منذ نهاية العام المنقضي، والتحسن الطفيف الذي شهدته خلال شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، جعل المجموعة التركية المتطرفة تلوذ بالصمت والخمول.

بيد أن هذا الخمول لم يستمر طويلاً. منذ بداية نيسان (أبريل) عاد عناصر "الذئاب الرمادية" إلى العربدة في شوارع مدينة ليون، حيث ثقلها التاريخي والديموغرافي بموازاة الحضور الكثيف في المدينة للجاليات الكردية والأرمنية المعارضة. وتأتي هذه العودة القوية للعنف والترهيب أياماً قليلةً بعد تصريحات أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول محاولات تدخل تركي محتمل في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة. وقال ماكرون ضمن وثائقي بثته قناة التلفزيون الفرنسية "فرانس 5" خلال برنامج "سي-دان لير" حول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "بالتأكيد. ستكون هناك محاولات للتدخل في الانتخابات المقبلة. هذا مكتوب والتهديدات ليست مبطنة". ويبدو أن قصة التزامن بين تأزم العلاقات بين البلدين والتحركات الميدانية للجماعة التركية المتطرفة تؤكد أن هذه التحركات ليست عفوية أو صادرة من منطلق اندفاع قومي لدى عناصر الجماعة ضد خصومهم العرقيين بل تأتي في إطار سياسة تركية رسمية للردّ على ماكرون داخل بلاده، وهي سياسة دأبت أنقرة على اتباعها من خلال ما يسمى بشبكات الشتات التركي الدينية والمدنية في الدول الأوروبية.

وهنا يبدو أن باريس وجدت نفسها أمام معضلة التعامل مع حركة "الذئاب الرمادية" على أرض الواقع، حيث لا حضور رسمياً للحركة فعلياً، لكنها موجودة من خلال أعمال أعضائها المنتشرين في كل شبكات الشتات التركي كالجميعات والمساجد والمنظمات، ولعل أبرزها "الاتحاد التركي في فرنسا"، وهي مؤسسة تركية موالية لأنقرة وتضم داخلها المئات من الجمعيات والمؤسسات التابعة للجالية التركية في فرنسا أو الفرنسيين من أصل تركي.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية