فرنسا: ما قصة المسجد المختلط الذي تؤم فيه امرأة الذكور والإناث؟

فرنسا: ما قصة المسجد المختلط الذي تؤم فيه امرأة الذكور والإناث؟


02/04/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


إنّها لأوقات عصيبة تمرّ بها كاهنة بهلول، المؤسِّسة والقائِمة على مسجد نسائيّ في فرنسا، البلد الّذي يضمّ أكبر عدد من السّكان المسلمين في أوروبا. فالاعتبارات العمليّة تُهيمن على الرّوحيّة - البحث عن موقع بكلفةٍ معقولة، فَوْرة من المقابلات الإذاعيّة والتّلفزيونيّة الّتي تُشير إلى بروز طليعةٍ من الأئمّة النّساء الّلواتي يَقُدن مساجد تظهر فجأةً، من برلين إلى بيركلي (كاليفورنيا).

شرع أئمة نساء في الأعوام الثلاثة الماضية في تنظيم مساجد للنّساء بطرق مختلفة في الدّنمارك وألمانيا وكندا وأمريكا

تقول السّيّدة بهلول (39 عاماً)، الّتي حظيت بتدريبٍ في المحاماة في الجزائر، إنّها قد توقّفت عن حضور الصّلوات الرّسميّة، في باريس، منذ حوالي ثلاثة أعوام لـ "أنّـني لم أشعر أنّني محلّ احترام".
وتضيف أنّها فوجئت بعزل المساجد للنّساء، وتوجيههنّ إلى الأبواب الخلفيّة ونبذ المتعبّدات إلى الطّوابق السّفليّة أو إلى المقاعد المخبّأة خلف الشّاشات. وقد استسلمَت بعد أن وجّه أحد المساجد النّساءَ للصّلاة في مرآبٍ قريب.
"شعرتُ بأنّ إدارة المساجد تُقصيني"، تقول السّيّدة بهلول، وهي حاصلة على درجة الدّكتوراه في الدّراسات الإسلاميّة من كلّيّة الدّراسات العليا في فرنسا، وتعتزم أن تكون إحدى إمامين يقودان الصّلاة في المسجد. وتتابع: "شعرت بأنّ مجتمعي يُقصيني - والكثير من الأخريات راودهنّ الإحساس نفسه".

كاهنة بهلول
وبالتّعاون مع فاكر كورشان (40 عاماً)، وهو أستاذ للفلسفة بالمدارس الثّانويّة وصحافيّ مستقلّ، تعمل على إنشاء مسجد فاطمة، وتبحث الآن عن مساحة لتأجيرها في باريس. وتدور فكرتهما حول مسجدٍ "ليبراليّ" يستضيف صلاة أسبوعيّة يقودها بالتّناوب إمامان، أنثى وذكر، في حضور مصلّين من كلا الجنسين، حيث يُفصل الذّكور عن الإناث ولكن ضمن القاعة نفسها.
وبهذا تنضمّ السّيّدة بهلول إلى تقليدٍ متجدّدٍ من الأئمّة النّساء يرجع تاريخه إلى القرن التّاسع عشر في الصّين بين مسلمي الهوي. وهناك، تؤمّ النّساءُ مساجدَ حصريّة للنّساء.

ظاهرة تنتشر
في الأعوام الثّلاثة الماضية، شرع أئمّة نساء في أماكن أخرى من العالم في تنظيم مساجد للنّساء بطرق مختلفة، في الدّنمارك وألمانيا وكندا والولايات المتّحدة. ففي عام 2016، افتُتِح مسجد مريم في وسط كوبنهاغن، وأخذ الصّوت النّسائيّ للأذان يصدح منه. وبعد مرور عام، أسّست سيران أتيس، وهي محامية وناشطة ألمانيّة من أصل تركيّ، مسجد ابن رشد-غوته في برلين. وضمن خُطَبٍ وضجّةٍ كبيرة، افتُتِح مسجد نسائيّ في بيركلي (كاليفورنيا)، في عام 2017، في مدرسة ستار كينغ، وهي مدرسة للدّراسات العليا ومعهد إنسانويّ لتعليم الّلاهوت.
وقامت ربيعة كيبل، وهي متحوّلة للإسلام ومتخرّجة من هذا المعهد، بتأسيس مسجد بيركلي، قلب مريم. لكنّها، وبسرعة، واجهت عدّة تحديات. وكما تقول، لم يكن سهلاً جذب النّساء المسلمات، الّلائي كنّ متحفّظات تجاه المُنظِّمات.

اقرأ أيضاً: لماذا تثير إمامة المرأة في الصلاة الجدل؟
"تفترضين أنّه يجب أن تكون هناك أخريات لديهنّ طريقة التّفكير نفسها في المكان كلّه"، تقول السّيّدة كيبل. "فأيّة امرأة ترغب في الاستمرار في الجلوس في الخلف، والمشي في الخلف، ..، يجب أن تكون هناك حفنة من النّساء ينتظرن أن تصعد إحداهنّ وتحطّم تلك الأبواب. حسنٌ، هذا ليس صحيحاً".
وقد كان موقع مسجد بيركلي هشّاً دائماً. فبعد مرور عام على شغلها مساحةً حرّة، انتقلت المجموعة إلى بيتٍ مؤقّت، كما تقول كيبل، وعثرت مؤخّراً على مأوى جديد في كنيسة أوكلاند الأولى.
والعقار هو القضيّة الحاسمة الّتي تحدّد قوّة المساجد الإصلاحيّة. وفي عام 2012، افتتَح لودوفيتش-محمّد زاهد مسجداً في باريس صُمّم ليكون مشتملاً على النّساء... وبما أنّ الخطوة قوبلت بالشّتائم والعداء، كما يقول السّيّد زاهد، فضّل الأعضاء التّحفّظ، وعملوا على تغيير موقع تجمّعهم كلّ ثلاثة أشهر لتجنّب استهدافهم. وقد أُغلِقَ المسجد بعد ثلاثة أعوام، واستقرّ السّيّد زاهد منذ ذلك الحين في مرسيليا، في جنوب فرنسا، لإدارة معهد لتدريب ما يسمى الأئمّة الإصلاحيّين.
"تلقّينا تهديدات وهناك من تمكّن من تحديد مواقعنا"، يقول السّيّد زاهد عن مسجد باريس. "ومن ثمّ، لم يرد ملّاك المكان أن نبقى لفترة أطول. كانوا سعداء للغاية بوجودنا في البداية، لكنّهم تعرّضوا لضغوط سياسيّة كثيرة لدرجة أنّهم أرادوا منّا المغادرة. وقد كانت الأمور دائماً على هذا النّحو".

يساعد كورشان، بهلول في تطوير المسجد.

بين مؤيّد ومُعارِض
لم تواجه السّيّدة بهلول هذا النّوع من الضّغط فيما يخصّ مسجد فاطمة، وكانت قد روّجت علانيةً لفكرة هذا المسجد، منذ كانون الثّاني (يناير)، عبر سلسلة من المقابلات التّلفزيونيّة أثارت مئات التّعليقات في فرنسا. كما حظيت بتغطيات صحافيّة وصفَت فكرتها بالثّوريّة من قبل بعض الناس في البرازيل وإيطاليا وكندا والمغرب.

تقدّم بهلول دروساً حول الإسلام عبر الإنترنت من خلال جمعيّتها "أخبرني عن الإسلام" وتُلقي محاضرات حول كيفيّة قراءة القرآن

وتقول بهلول: "هناك نوعان من ردّ الفعل بين المسلمين: معظمهم يفضّل الفكرة بشكل كبير - 'أخيراً هواء مُنعش. لقد كنّا في انتظار هذا منذ وقت طويل'. وهناك آخرون يهينوننا ويتّهموننا بمحاولة تغيير الإسلام الحقيقيّ. لكن ما هو الإسلام الحقيقيّ؟ هؤلاء النّقاد لديهم مقاربة بسيطة للغاية ولديهم فهم سطحيّ للإسلام" وفقا لقولها.
وتتشكّل آراء السّيّدة بهلول عبر خلفيّتها المتنوّعة، والمقسّمة بين فرنسا والجزائر، حيث نشأت في منطقة القبائل في الشّمال، كطفلة لأبٍ جزائريّ وأمّ فرنسيّة. وكانت جدّتها لأمّها يهوديّة بولنديّة وجدّها لأمّها كاثوليكيّ فرنسيّ.
"منذ طفولتي وأنا أواصل طرح الأسئلة"، تقول السّيّدة بهلول. "ما أدهشني حقّاً هو التّحوّل الّذي لَحِق بممارسة الإسلام. فقد كان أجدادي لأبي تقليديّين وثقافيّين وروحيّين. وبعد ذلك، شاهدتُّ انتشار الحركة السّلفيّة المُحافِظة وأوّل حجاب ترتديه النّساء في التّسعينيّات".

اقرأ أيضاً: المساجد عبر التاريخ.. بين الوعظ والسياسة
وفي الوقت الحالي، يهتمّ القائمون على المسجد باعتبارات عمليّة - استئجار الموقع، وتنظيم حملة تمويل جماعيّ في نهاية المطاف، والتّواصل مع مسؤولي المدينة الّذين يمكنهم المساعدة في البحث عن مكانٍ لصلاة الجمعة واجتماعات رواد المسجد.
وفي هذه الأثناء، تقدّم السّيّدة بهلول دروساً حول الإسلام عبر الإنترنت من خلال جمعيّتها، "أخبرني عن الإسلام"، وتُلقي محاضرات حول كيفيّة قراءة القرآن الكريم أو موضوعات تقليديّة.
ويقول السّيّد كورشان، المؤسّس المشارك، إنّه يتعيّن عليهم العمل للوصول إلى مجموعة محوريّة أخرى. كما يريد إنتاج مقاطع فيديو خاصّة لجذب الشّباب المسلم، الّذي يقول إنّه يفتقر أحياناً إلى المعرفة العميقة بالإسلام...


المصدر: دورين كارفاجال، النيويورك تايمز



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية