فضيحة سوسورلوك: صفحة في السجل الأسود لعصابات الدولة التركية

فضيحة سوسورلوك: صفحة في السجل الأسود لعصابات الدولة التركية


10/11/2020

في الثالث من الشهر الجاري، حلت الذكرى الرابعة والعشرون لفضيحة "سوسورلوك" الشهيرة، التي كشفت، بمحض الصدفة، تحالف الدولة التركيّة العميقة مع العصابات المسلحة ويمين تركيا المتطرف، بقيادة حركة الذئاب الرمادية.

اقرأ أيضاً: كيف تورّطت تركيا بدعم الإرهاب في سوريا وليبيا والقوقاز؟

جاءت الذكرى بالتزامن مع قرارات فرنسية ونمساوية، بحظر الحركة المتطرفة، المدعومة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحزبه الحاكم.  وبحسب وسائل إعلام عديدة؛ فإنّ بعض الدول الأوروبية تدرس قرار حظر جماعة الذئاب الرمادية المتطرفة، في أعقاب عنفهم المتصاعد في فرنسا والنمسا.

عندما تتحوّل الدولة لمافيا

 تتعلق فضيحة سوسورلوك المشهورة  بالوثائق التي تمّ اكتشافها، والتي أزاحت الستار عن تعاون كبير بين الدولة العميقة في تركيا والذئاب الرمادية، والمافيا التركيّة، والذي حدث خلال ذروة الصراع الكردي التركي، في منتصف التسعينيات، والتي ظهرت إلى حيز الوجود بعد أن قرّر مجلس الأمن القومي (NSC) ضرورة حشد موارد الدولة لمحاربة حزب العمال الكردستاني(PKK)؛ حيث ظهرت الفضيحة مع اصطدام سيارة وشاحنة، في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1996، بالقرب من سوسورلوك، في مقاطعة باليكسير، ومن بين الضحايا كان نائب رئيس قسم شرطة إسطنبول، حسين كوجاداغ، وعضو البرلمان، سيدات بوكاك، الذي أصيب في الحادثة، وعبد الله تشاتلي، زعيم الذئاب الرمادية وقاتل متعاقد مع منظمة الاستخبارات الوطنية التركيّة (MİT)، الذي كان مدرجاً على القائمة الحمراء للإنتربول، حتى وفاته في الحادث، برفقة عشيقته، غونكا أوس، ملكة الجمال السابقة.

بعض الدول الأوروبية تدرس قرار حظر جماعة الذئاب الرمادية المتطرفة

في هذا التوقيت؛ كانت الدولة منخرطة في نزاع متصاعد الحدّة مع حزب العمال الكردستاني، منذ عام 1984، والذي زادت حدّته في أوائل التسعينيات. ومع نهايات عام 1992، دار نقاش حادّ في مجلس الأمن القومي حول كيفية المضي قدماً وإيقاف العنف بين الجانبين، كان المعتدلون، مثل الرئيس تورغوت أوزال، والجنرال أشرف بدليس، يفضّلون الحلّ السياسي السلمي، لكن كلاهما توفي، عام 1993، وما تزال وفاة بدليس القائد العام لقوات الدرك التركية في ذلك الوقت، في حادث تحطم طائرة مثيرة للجدل، وفي العام ذاته؛ أمر مجلس الأمن القومي بحملة عمليات سوداء منسّقة باستخدام القوات الخاصة، كما ساهم الفرع التركي من تنظيم غلاديو "حرب العصابات المضادة"، في هذه القوات الخاصة، وكلّف نائب رئيس الوزراء، تانسو شيلر، قوات الشرطة التي كانت تحت قيادة محمد آغار آنذاك، بشلّ حركة حزب العمال الكردستاني، واغتيال زعيمه عبد الله أوجلان.

عندما اندلع التمرّد الكبير لحزب العمال الكردستاني، سرت إشاعات بأنّ الدولة التركيّة كانت تقوم بحملة تعذيب واغتيال ضدّ من يشتبه في تعاطفهم مع الحزب

خلال أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، عندما اندلع التمرّد الكبير لحزب العمال الكردستاني، كانت هناك إشاعات متكررة، بأنّ الدولة التركيّة كانت تقوم بحملة تعذيب واغتيال ضدّ من يشتبه في تعاطفهم مع حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك تشكيل فرق الموت وتجنيد متطرفين، وقتلة مأجورين من عالم المافيا التركي، ولأنّه لا يمكن تقديم أيّ دليل قاطع على الإطلاق بخصوص هذه الأحداث؛ رفضت السلطات التركية هذه المزاعم بشكل رسمي، وعدّتها دعاية لحزب العمال الكردستاني.

لحظات المكاشفة

أمر مجلس الدولة التركي، في الثالث والعشرين من نيسان (أبريل) عام 2008،  وزير الداخلية السابق، محمد آغار، بالمثول أمام المحكمة بتهمة "تشكيل منظمة إجرامية"، خلال ما عرفت بـ "الحرب القذرة"، ضدّ حزب العمال الكردستاني خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وهي فترة يشير إليها معظم الأتراك باسم حقبة "سوسورلوك"، لتكون هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها وزير حكومي سابق اتهامات تتعلق بواحد من أحلك الفصول في التاريخ التركي الحديث، والتي ما تزال تداعياتها تطارد تركيا حتى اليوم.

عبد الله أوجلان

في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) 1996؛ استقال آغار من منصب وزير الداخلية، بعد مزاعم بأنّه قدّم وثائق مزورة لـ "كاتلي"، بما في ذلك توقيع منه على تصريح بحمل السلاح، لكن حصانته البرلمانية جعلته قادراً على تجنّب الملاحقة القضائية، وتحت ضغط شعبي مكثف، وافقت الحكومة، على مضض، على اتّخاذ إجراءات وفتح تحقيق برلماني، وفي التقرير المؤلف من 350 صفحة، والذي نُشر في نيسان (أبريل) عام 1997، اشتكى أعضاء اللجنة البرلمانية المكلّفة بالتحقيق، مراراً، من أنهم مُنعوا من الوصول إلى الوثائق ومقابلة مسؤولين في الدولة يُعتقد أنّهم متورطون، ومع ذلك؛ كشف التحقيق أدلة كافية لإثبات أنّ ضحايا حادث المرور في سوسورلوك، كانوا مجرد جزء من شبكة واسعة من مسؤولي الأمن والاستخبارات، وأعضاء متطرفين في عالم المافيا التركية وأعضاء سابقين منشقّين في حزب العمال الكردستاني.

الصحفي الكردي عبد الله يلدز لـ"حفريات": تمّ استخدام القوميين المتطرفين في المافيا التركية، وجماعة الذئاب الرمادية لاغتيال أعضاء من الجيش السرّي الأرمنيّ لتحرير أرمينيا

ويرى الكاتب الصحفي، التركي الكردي، عبد الله بلال يلدز؛ أنّ سوسورلوك كانت عبارة عن شبكة عصابية متكاملة الأركان، عبّرت عن أقبح وجوه الدولة التركيّة العميقة،  التي أنشأت شبكات سرّية، على غرار غلاديو، التي أنشأها حلف الناتو في الأصل كقوات احتياطية مدرّبة على تنفيذ عمليات التمرّد في حالة استيلاء الشيوعيين على السلطة، وكان من بين أنشطها؛ استخبارات الدرك، والمعروفة رسمياً باسم "استخبارات الدرك ومكافحة الإرهاب"  (JITEM).

الذئاب التي التهمت صاحبها

وفق مقال نشرته جريدة "واشنطن بوست"، عام 2012، بالتزامن مع حكم السجن الذي صدر بحقّ الوزير التركي السابق، محمد آغار؛ فإنّ وزارة الداخلية التركيّة أدارت منظّمات سرّية، إما على المستوى المحلي أو من خلال وحدات مشكلة خاصة تسيطر عليها أنقرة، كما جاء جزء كبير من تمويل العمليات السرّية من أموال من خارج الميزانية، كانت خالية من أيّة رقابة، كما  تمّ شراء وتوزيع العديد من الأسلحة لاستخدامها في العمليات السرّية ضدّ مدنيين، في كثير من الأحيان؛ تمّ شراؤها من  السوق السوداء الدولية.

ويشير يلدز، في تصريح لـ "حفريات" إلى أنّه "خلال التحقيق البرلماني، اعترف مسؤولون من منظمة المخابرات الوطنية التركية، بأنّهم بدأوا في تجنيد أعضاء قوميين متطرفين من العالم الخفي التركي  للعصابات التركيّة، في أوائل الثمانينيات، وذلك مقابل الحصانة من الملاحقة القضائية على أنشطتهم الأخرى،  مثل تهريب الهيروين عبر تركيا إلى أوروبا الغربية".

اقرأ أيضاً: حزب اليسار التركي: استقالة "الصهر الفاشل" ليست كافية! .. ما المطلوب؟

كما تمّ استخدام القوميين المتطرفين في المافيا التركية، وجماعة الذئاب الرمادية، وفق يلدز، "لاغتيال أعضاء من الجيش السرّي الأرمنيّ لتحرير أرمينيا، لتتوسّع هذه العمليات فيما بعد،  إلى أعضاء من حزب العمال الكردستاني المشتبه بهم، أو المتعاطفين معهم،  وفي أوائل التسعينيات، بعد أن حذّرت رئيسة الوزراء آنذاك، تانسو تشيلر، من أنّ الدولة التركية ستعاقب أولئك الذين يموّلون حزب العمال الكردستاني، تمّ قُتل العديد من مهرّبي الهيروين الأكراد ذوي الأصول العراقية".

اقرأ أيضاً: استطلاع رأي جديد: تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية التركي 30٪

يتابع يلدز: "امتلأت هذه الحقبة بدماء الأبرياء، ولطّخت أيادي الدولة التركيّة بعنفها غير المسبوق ضدّ الأكراد، واستخدمت أحد أكثر حركات اليمين المتطرف عنفاً في أوروبا "الذئاب الرماديّة"، لتتخلّص من حزب العمال الكردستاني، ولم يحاسب أحد من قيادات أو أعضاء هذه الحركة، بل يمارسون طقوس عنفهم ضدّ الأكراد، داخل تركيا وخارجها، وعلى مرأى ومسمع من الدولة، بل وبرعايتها، وهو ما يدفعنا إلى القول: "الدولة لا تدعم اليمين المتطرف أو الذئاب الرمادية، بل إنّ أفكار هذه الجماعات تعبّر عن نهج الدولة التركية، ورؤيتها السياسية والاجتماعية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية