فوضى لبنان برعاية سياسية

فوضى لبنان برعاية سياسية


30/04/2020

لطالما كان التحذير من ثورة جياع حقيقية سوف تجتاح لبنان فما كان خروج الناس في ثورة تشرين الا انذارا للطبقة الحاكمة بضرورة التفاتها الى هواجسهم وحاجاتهم وكفها عن سياساتها في الفساد والهدر الذي كلف لبنان دينا عاما لامس الـ 100 مليار دولار ارتد سلبا على الاقتصاد اللبناني وبالتالي على الحياة المعيشية للبنانيين.

منذ انطلاقتها، حوكمت الثورة الشعبية بارضها بموجب اهواء ومصالح بعض السياسيين الداخلية والخارجية فكانت كل التهم اقرب من تهمة رغيف الخبز والعيش بكرامة.

لم يكتشف اللبنانيون لقاح كورونا كي يخرجوا دفعة واحدة من حجرهم متخطين جزءا كبيرا من قيود التعبئة العامة انما كانت الاوضاع الاجتماعية كفيلة بذلك، فلم يكن مستغربا ما شاهدناه في عودة الناس الى الشوارع مع قصصهم في الغلاء والدولار والجوع والبطالة والطبابة وايجارات البيوت وفواتير الكهرباء والمياه وغيرها ولا مستغربا ايضا ارتفاع سقف تعاطي المواطن مع الطبقة الحاكمة للتعبير عن حجم المشكلة خاصة ان السلمية بالمطلق لم تجد نفعها في تحقيق المطالب وكأن صوت فقير واحد لم يصدح في ساحات لبنان.

الغريب في عودة الاحتجاجات الى الشارع ما رافقها من تحركات يمكن وصفها بالاستباقية من شأنها عرقلة كشف حقيقة الوضع اللبناني والاجهاز على مطالب الثورة الاساسية قبل ان تملأ الساحات من جديد وتقلق المزاج السياسي في البلاد ليس الا.

صورتان خيمتا على المشهد اللبناني في الايام الاخيرة، الاولى تتمحور في حرق المصارف والثانية في حرق آليات الجيش اللبناني والقوى الامنية.

التصويب على المصارف اللبنانية في اكثر من منطقة واحراق ثلاثة منها في عاصمة الشمال طرابلس لا شك انه يأتي ضمن الحملة على حاكمية مصرف لبنان باعتبارها المسؤول الوحيد عما وصلت اليه البلاد من وضع اقتصادي متردي رافقه تدهور في سعر صرف الليرة مقابل الدولار وارتفاع اسعار السلع وفقدان رواتب اللبنانيين لقدرتها الشرائية ومنعهم من سحب ودائعهم من المصارف اللبنانية.

لا احد في لبنان ينفي مسؤولية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن تمويل الدولة بمبالغ انفقتها على مشاريعها الفاشلة على مدى سنين وبالتالي سلامة اخفق في وضع ضوابط التسليف للطبقة الحاكمة وعدم وضع اموال المودعين فوق كل الاعتبارات السياسبة.

فمن المؤسف ان القطاع المصرفي اللبناني لم يوظف في نمو البلاد الاقتصادي انما كان خاضعا لابتزاز الطبقة السياسية التي انفقت وافسدت وفرطت بثروات لبنان واللبنانيين.

رياض سلامة الرجل الذي عين حاكما لمصرف لبنان منذ عام 1993 وتم التجديد له بالتوافق السياسي وآخره في مايو 2017 بجلسة ترأسها رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون ولم يلق الامر اي معارضة من اي طرف، لا يمكن تحميله مسؤولية الخراب الحاصل باعتبار ان السياسات المالية كان موافقا عليها من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة التي ضمت كل الفرقاء.

وما  قاله سلامة بالامس انه ليس في القانون ما يفرض علينا التنسيق مع جهات حكومية في أي تعميم يصوب الامور من جديد على التعاميم الثلاثة التي اصدرها ولم تلق ترحيبا عند بعض الاطراف السياسية التي ارتأت الشارع لاسقاطها، ما يعني ان السياسات المالية لم تكن في يوم  منفصلة عن القرار السياسي وبالتالي اي سؤال لسلامة اليوم يجب ان يكون مقرونا بسؤال للسياسيين حتى ان استرداد الاموال المنهوبة من الخارج التي يطالب بها الشعب تقع على عاتق الحكومة ولا ينقص الاخيرة القوانين بقدر ما ينقصها القرار وللاسف باعتبارها غير مستقلة انما مرتبطة بالجهات السياسية التي اتت بها.

اما فيما يتعلق بالمواجهة مع عناصر الجيش اللبناني والقوى الامنية التي اخذت منحى تصعيديا في طرابلس فتم حرق الآليات العسكرية واصابة ما يفوق الخمسين عنصرا منها فانها الصورة الاكثر تضليلا وتعتيما على المطالب المعيشية التي لم تسع الثورة الى بروزها في يوم، فتلك القوى هي جزء من الشعب اللبناني المتضرر من الازمة الاقتصادية بكل جوانبها، وخاصة في طرابلس التي تضم المؤسسة العسكرية العدد الكبير من ابنائها.

على مدى يومين تغيرت صورة الثورة التي اعتدناها في طرابلس التي لقبت بعروس الثورة وكاد مقتل احد ابناء المدينة ان يوقع الفتنة بين الجيش واهله علما انه من اللحظة الاولى نفى الجيش ان يكون قد قتل الشاب الطرابلسي واعلن عن بدء التحقيقات في الحادثة ليتبين ليل الثلاثاء وبمؤازرة المتظاهرين للجيش اللبناني دخول طابور خامس على خط المطالب المعيشية يعمد الى القنص من احد  البنايات المواجهة لساحات التظاهر ليتحرك الجيش في هذا الاطار ويعتقل عددا من المندسين الى ان تعود وتتجدد الاشتباكات ليل امس الاربعاء.

ان الثورة التي تصدرتها مطالب الناس منذ البداية لم تسع الا لوضع لبنان على السكة الصحيحة وليس الى خرابه عبر حرق مصارفه او اشعال فتيل الحرب فيه عبر المواجهة مع جيشه.. التدخل السياسي مفضوح في الشارع كما في كل السياسات بما فيها المالية، فسلم الله لبنان ممن يقدمون مصالحهم ومصالح اوليائهم عليه ولو كلفهم الامر احراقه.

المصدر: صحيفة الحياة الجديدة اللبنانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية