فوكوياما: لا بدّ من توفر العدالة حتى في عصابة اللصوص

فوكوياما: لا بدّ من توفر العدالة حتى في عصابة اللصوص


26/11/2017

أثار كتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" فرانسيس فوكوياما جدلاً واسعاً منذ صدوره في العام 1992 لا سيما وأنّ مؤلفه من أبرز مفكري المحافظين الجدد، وهو صاحب الاتجاه الذي يعتقد بأنّ الديمقراطية الليبرالية قد تشير إلى نقطة النهاية في التطوّر الاجتماعي والثقافي للإنسانية والشكل النهائي للحكومات.

يقرّ صاحب كتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، فرانسيس فوكوياما بأنّ ما من نظام اقتصادي اجتماعي بإمكانه إرضاء كل الناس في كل مكان بمن فيهم اولئك الذين يتمتعون بالديموقراطية الليبرالية. ولا يتصل هذا التبرّم بقصور في الثورة الديموقراطية أو ما يسميه "ثمار الحرية والمساواة" التي يستمتع بها الجميع وإنما هو سخط على الحرية والمساواة. ولذا فإنّ أولئك الذين سيستمر سخطهم سيظلون دائماً قادرين على أن يبدأوا التاريخ من جديد.

 فرانسيس فوكوياما

وأثار كتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" جدلاً واسعاً منذ صدوره في العام 1992 لا سيما وأنّ فوكوياما الأمريكي المولود في شيكاغو، من أصول يابانية من أبرز مفكري المحافظين الجدد، وهو صاحب الاتجاه الذي يعتقد بأنّ الديمقراطية الليبرالية قد تشير إلى نقطة النهاية في التطوّر الاجتماعي والثقافي للإنسانية والشكل النهائي للحكومات، مبيّناً أنّ ما شهده العالم بانهيار الاتحاد السوفييتي ليس نهاية للحرب الباردة أو مرور فترة معينة لمرحلة ما بعد الحرب، وإنما نهاية للتاريخ، وذلك من خلال وضع حد للأفكار الأيديولوجية في التاريخ الإنساني وانتشار قيم الديمقراطية الليبرالية الغربية كنظام غالب.

ووجه كتاب "نهاية التاريخ.." منذ صدوره ببعض الانتقادات رأت بأنّ الكتاب كان يعكس احتفال الولايات المتحدة في تلك الفترة بـ"موت ماركس" وانحسار الشيوعية في العالم، وآخرون جادلوا بأنّ الكتاب لم يسلط الضوء كثيراً على الولاءات الإثنيّة والأصوليات الدينية، الإسلامية تحديداً، كعوامل مضادة للديمقراطية الليبرالية.
ولأهمية هذا الكتاب الخلافي الذي ما يزال يثير الجدل، نقتطف النص التالي منه:
إنّ نهاية التاريخ لا تعني أن تنتهي الدورة الطبيعية من الولادة والحياة والموت، وأن الأحداث المهمة سيتوقف وقوعها، وأن الصحف التي تنشرها ستحتجب عن الصدور .. وإنما يعني هذا أنه لن يكون ثمة مجال لمزيد من التقدم في مجال المبادئ والأنظمة الأساسية، وذلك لأنّ جميع المسائل الكبيرة حقاً ستكون قد حلت.
لذا فإنّ ما يرضي البشر حقاً ليس الوضع المادي بقدر ما يرضيهم الاعتراف بوضعهم وكرامتهم.
إنّ الافتقار إلى الإجماع الفكري قد جعل حروب هذا القرن وثوراته يغلب عليها الطابع الأيديولوجي، ومن ثم جعلها أشد تطرفاً مما كان يمكن أن تكون عليه لولا هذا الافتقار إلى الإجماع.

إنّ نهاية التاريخ لا تعني أن تنتهي الدورة الطبيعية من الولادة والحياة والموت

حتى في عصابة من اللصوص لا بدّ من توافر مبدأ ما من مبادئ العدالة يسمح بتقسيم الأسلاب فيما بينهم قسمة عادلة .. وعلى ذلك فإنّ الشرعية أمرٌ ضروري حتى بالنسبة لأكثر الديكتاتوريات ظلماً ووحشية.
الافتقار إلى الشرعية عند الشعوب ككل لا يعني أزمة في شرعية النظام ما لم تنتقل عدوى السخط وعدم الاعتراف بالشرعية إلى الصفوة المرتبطة بالنظام .. خاصة الصفوة التي تحتكر أدوات القمع كالحزب الحاكم والقوات المسلحة والشرطة .. فحين نتحدث، إذاً، عن أزمة في الشرعية داخل نظام استبدادي، فإنما نعني بها أزمة في صفوف الصفوة التي يعتبر انسجامها وتضامنها شرطاً أساسياً لفعالية حكم النظام.
إلى ذلك، فإنّ الليبرالية السياسية هي قاعدة قانونية تعترف بحريات وحقوق معينة للأفراد غير خاضعة لسيطرة الحكومة مثل الحقوق المدنية، وهي تعني تحرير شخص المواطن وممتلكاته من سيطرة الحكومة والحقوق الدينية، كما تعني السماح بحرية التعبير عن الآراء الدينية وممارسة العبادة والحقوق السياسية، وهي تعني تحرير المواطن من سيطرة الحكومة في الأمور التي لا يبدو بوضوح أنها تؤثر في صالح المجتمع كله تأثيراً يحتّم تدخل الدولة .. وتتضمن هذه الأخيرة حرية الصحافة باعتبارها حقاً أساسياً.

الافتقار إلى الشرعية عند الشعوب ككل لا يعني أزمة في شرعية النظام

إنّ الديموقراطية تعني الحق المعترف به من الجميع للمواطنين كافة في أن يكون لهم نصيب في السلطة السياسية، أي حق جميع المواطنين في الاقتراع والمشاركة في النشاط السياسي.
في دول الشرق يوجد خفض صوت للسياسات الديموقراطية بالمنعى الغربي المألوف للكلمة. وبعبارة أخرى، فإنّ الديموقراطية الغربية مبنيّة على أساس تنافس آراء شخصية مختلفة حول الحق والباطل، والتي تعبّر عنها صفحات المقالات الافتتاحية في الصحف .. ثم الانتخابات على مختلف المستويات .. وحيث تتعاقب الأحزاب السياسية الممثلة للمصالح أو وجهات النظر الشخصية المختلفة في تولي إدارة شؤون الدولة، وينظر إلى هذا التنافس باعتباره شرطاً طبيعياً ولازماً للأداء العادي للديموقراطية. أما في الشرق فإنّ المجتمع ككل يميل إلى اعتبار نفسه جماعة واحدة كبيرة لها مصدر واحد مستقل للسلطة .. وتأكيد أهمية الانسجام في الجماعة يميل إلى إبعاد المواجهة الصريحة إلى هامش السياسة .. وليس ثمة تعاقب للأحزاب السياسية في السلطة على أساس صدام وجهات نظرها حول مسائل معينة.
إننا نشهد في العالم المعاصر ظاهرة مزدوجة غريبة؛ تتمثل في انتصار الدولة العامة والمتجانسة مع استمرار اختلاف الشعوب ..فمن ناحية نلمس ازدياداً في تجانس البشرية الناجم عن الاقتصاديات الحديثة والتكنولوجيا وانتشار فكرة الاعتراف العقلاني باعتبارها الأساس الوحيد المشروع للحكم في مختلف أنحاء العالم .. غير أننا نلمس من ناحية أخرى مقاومة في كل مكان لهذا التجانس، وميلاً إلى تأكيد الهويات الثقافية مما يعزز في النهاية الحواجز القائمة بين الشعوب.

الديمقراطية الليبرالية قد تشير إلى نقطة النهاية في التطوّر الاجتماعي والثقافي للإنسانية والشكل النهائي للحكومات

لقد أسفرت محاولتنا لبناء تاريخ عالمي عن مسارين تاريخيين متوازيين، الأول: تحكمه العلوم الطبيعية الحديثة ومنطق الرغبة، والثاني يحكمه الصراع من أجل الاعتراف، وقد كانت نهايتا المسارين واحدة لحسن الحظ، ألا وهي الديموقراطية الليبرالية.
بيْد أنّ مشكلة المجتمع الليبرالي لا تكمن في افتقار الاعتراف إلى العمومية بصورة كاملة، إنما تكمن في هدف الاعتراف المتكافىء نفسه، وهذا الأخير يمثل إشكالية، حيث إنّ البشر بطبيعتهم غير متساوين، ومعاملة البشر على أنهم متساوون لا تؤكد إنسانيتهم بل تنفيها !
إنّ عدم المساواة الاجتماعية صنفان: عدم المساواة الناجم عن التقاليد الإنسانية، وعدم المساواة الناجم عن الطبيعة أو الضرورة الطبيعية.

الليبرالية السياسية هي قاعدة قانونية تعترف بحريات وحقوق معينة للأفراد غير خاضعة لسيطرة الحكومة مثل الحقوق المدنية

لذا فإنّ حياة الروابط الاجتماعية الخاصة توفر إشباعاً مباشراً أكبر بكثير مما توفره مجرد المواطنة في ديموقراطية حديثة كبيرة، فاعتراف الدولة هو بالضرورة أمر اعتباري، في حين نجد في حياة الجماعة نوعاً أكثر فردية من الاعتراف من قبل أناس يشاركون الفرد في ميوله، بل وكثيراً ما يشاركونه أيضاً في قيمه ودينه وعنصره وما شابه ذلك .. والاعتراف بالفرد داخل الجماعة لا يقوم فحسب على أساس من فرديته العامة، وإنما يقوم أيضاً على مجموعة ضخمة من الصفات المعينة التي تشكل في مجموعها كيانه.
إنّ المحور الرئيسي للتاريخ هو نمو الحرية، فليس التاريخ سلسلة عمياء من الأحداث، وإنما هو كلٌ ذو مغزى نمت فيه أفكار البشرية حول طبيعة النظام السياسي والاجتماعي العادي ومضى بها إلى غايتها .. وإن كنا اليوم قد بلغنا مرحلة لا نستطيع معها أن نتخيّل عالماً شديد الاختلاف عن عالمنا، أو طريقة ظاهرة وواضحة يصبح المستقبل فيها أفضل بكثير مما نحن فيه، فعلينا أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار احتمال أن يكون التاريخ قد بلغ نهايته.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية